هل ينهي فوز فرماجو الخوف من نموذج "الصوملة"؟
هل ينهي فوز فرماجو الخوف من نموذج "الصوملة"؟هل ينهي فوز فرماجو الخوف من نموذج "الصوملة"؟

هل ينهي فوز فرماجو الخوف من نموذج "الصوملة"؟

بعد الفوز الساحق الذي حققه رئيس الوزراء الأسبق، محمد عبد الله فرماجو، في الانتخابات الرئاسية، تدخل الصومال مرحلة تاريخية جديدة ستعيد رسم خريطة التحالفات القبلية والسياسية، وسط توقعات باستقرار يُنهي مصطلح "الصوملة" الذي بات يطلق على الدول التي تشهد صراعات داخلية وتدخلات خارجية.

ومثَّل فوز فرماجو كذلك هزيمة قاسية لدول الإقليم التي كانت تدعم بقوة الرئيس المنتهية ولايته، حيث تفاجأ به قادة هذه الدول ودول أخرى في الشرق الأوسط رمت بكل ثقلها وراء الرئيس المنتهية ولايته حسن شيخ محمود أو الرئيس السابق شيخ شريف أحمد.

وانتخب البرلمان الصومالي، الأربعاء، فرماجو، رئيسًا للبلاد في ختام عملية اقتراع أجريت على جولتين تنافس فيها 21 مرشحًا، رافقتها إجراءات أمنية مكثفة شملت أحياء العاصمة.

وأرجع مراقبون الفوز إلى تحالف غير مسبوق بين جيل الشباب والمرأة الصومالية اللذين مثّلا حضورًا قويًا، في مواجهة الخصم التقليدي والأقوى ممثلاً في زعماء العشائر وشيوخ القبائل الذين يشكلون مع بعضهم تحالفًا أحكم سيطرته على الحكم لسنوات طويلة بتقاطعات وتشابكات المصالح القبلية، وتنافسها على السلطة والنفوذ.

فرماجو الذي شغل منصب رئيس الوزراء لفترة قاربت العام (2010-2011) خلال فترة رئاسة شيخ شريف أحمد، نجح بإرساء أسس الدولة الصومالية، ووضع بصمته على كامل الممارسة السياسية بوقوفه في وجه التدخلات الخارجية من دول المحيط الإقليمي، رافضًا أي تدخل في شؤون بلاده.

كما تميزت فترة ولاية فرماجو رغم قصرها، بالانضباط وصرف الرواتب للعاملين بالدولة في وقتها المحدد، وكان سلاحه الشفافية والنزاهة وانحيازه لقضايا الشباب والمرأة، كما أعلن الحرب على الفساد، وأسس قوات الشرطة ودعمها بالتدريب والتأهيل اللازم، وما سبق جعل الصوماليين يؤيدونه بقوة ويرون فيه القدرة على الوصول بالبلاد إلى الاستقرار المأمول.

تيار الإسلام السياسي

وتعدُّ خسارة الرئيسين السابقين شيخ شريف أحمد والمنتهية ولايته حسن شيخ محمود في الانتخابات الرئاسية الصومالية، ضربة قاضية لتيار الإسلام السياسي باعتبارهما من رموزه.

كما يمثل فوز فرماجو الكاسح عليهما دخول الصومال في مرحلة تاريخية جديدة ستعيد حتمًا رسم خريطة التحالفات القبلية والسياسية، ويطالب فرماجو بإعادة الهيبة إلى المؤسسة العسكرية الصومالية وبمغادرة القوات الأفريقية البالغ عددها أكثر من 22 ألفًا.

ويقول السفير السابق، عبد الله طاهر، مدير دائرة العالم العربي في وزارة الخارجية الصومالية، إن "اليوم هو يوم انتصار الصوماليين بحق".
ويضيف أنه "خلال السنوات العشر الماضية، تغيرت قواعد اللعبة في الصومال بشكل تام، حيث كانت الرئاسة منذ انهيار نظام الرئيس سياد بري حقاً حصريًا لقبيلة "الهوية" التي تسيطر على جنوب الصومال، والعاصمة مقديشو".

ويتابع: "تبادل الحكام التابعون لهذه القبيلة الذين أتوا بعد سياد بري كراسي الحكم فيما بينهم، بدءًا من فترة الرئيس علي مهدي، ومن بعده محمد فارح عيدي الذي قاتل في سبيل السلطة فنصَّب نفسه رئيسًا حتى قُتل، ثم انتخب بعده العام 2000 الرئيس عبد قاسم صلاد حسن، وفي العام 2005 أتى شيخ شريف شيخ أحمد رئيسًا، وهو من نفس القبيلة أيضا".

وفي العام 2007، جاء دور العقيد الراحل عبد الله يوسف، وهو الوحيد الذي حكم من قبيلة "الداروت"، ثم أعيد انتخاب الرئيس شيخ شريف شيخ أحمد مرة أخرى العام 2009.

وفاز شيخ حسن، العام 2012، على الرئيس شيخ شريف الذي اعترف بهزيمته وهنّأ خصمه بفوزه.

وفي انتخابات الأربعاء، جاء الرئيس الجديد منتسبًا لنفس القبيلة التي خرج منها الرئيس محمد سياد بري (الداروت)، وهو ما اعتبره طاهر أنه "دليل جديد وقاطع على أن الصوماليين قد قلبوا صفحة تاريخهم المليء بالصراعات والاقتتال، وارتضوا أن يعيشوا في سلام لبناء دولتهم الحديثة".

ويختم طاهر بالقول إن "بعض محطات التلفزة الصومالية قالت عمّا حدث اليوم إنه ردٌّ على بعض الرؤساء العرب -مثل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، والليبي السابق معمر القذافي- الذين ظلوا يخوّفون شعوبهم من صوملة أوطانهم"، مشيرًا إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد ردد تلك المقولة في بعض خطاباته مؤخرًا.

وعادة ما كان رؤساء عرب يحذرون شعوبهم من "المصير الصومالي" في إشارة إلى معاناة تلك الدولة من الصراعات الداخلية والتدخلات الدولية على أراضيها، ما أسفر عن تمزق للدولة ما زالت تعاني من تداعياته حتى الآن.

وأضاف أن بعض قادة الدول العربية والأفريقية حاولوا استغلال الوضع في الصومال وتخويف شعوبهم من المدّ الثوري بأن بلدانهم سيكون مصيرها مثل الصومال.

وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن فوز فرماجو خلط أوراق اللعبة في المنطقة خاصة لدى دول الجوار التي انعكس تدخلها بالشأن الصومالي في حالات الاستقطاب والتحالفات الموجودة وسط القبائل كل بحسب مصالحه.

تغييرات في نظام الانتخابات

وتميزت الانتخابات التي فاز بها فرماجو عن سابقاتها، برفع نسب أعداد من يمثلون القبائل الأربع المشكّلة للشعب الصومالي: (الداروت، والهوية، والدر والرحنوين)، من 50 ممثلاً لكل قبيلة، إلى 60، فيما ارتفع عدد أعضاء مجلس الشعب (الغرفة الأولى) من 230 إلى 275 عضوًا ، كما تم تشكيل -لأول مرة- مجلس شيوخ (الغرفة الثانية) مكون من 54 عضوًا.

ووضع النظام الجديد، شرطًا بألا يقل التحصيل العلمي لمن يترشح، عن المستوى الجامعي، مع التشديد أيضًا على القبائل بزيادة نسب تمثيل المرأة والشباب في المجلسين.

وفاز فرماجو، برئاسة الصومال بعد حصوله في الجولة الثانية على أصوات 184 نائبًا من أصل 328 شاركوا في الانتخابات، متفوقًا على الرئيس المنتهية ولايته، حسن شيخ محمود، الذي حصل على 99 صوتًا.

ولم تكن تلك النتيجة تمنح فرماجو، الفوز في تلك الجولة التي كان من المفترض أن يحصل خلالها على ثلثي الأصوات، غير أن إعلان المرشح الثاني بعده "شيخ محمود" تنازله عن خوض غمار الجولة الثالثة الأخيرة، حسم التنافس لصالحه ليصبح الرئيس التاسع للبلاد.

وأجريت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الصومالية بين ثلاثة مرشحين فقط، هم: شيخ محمود، الذي حصل في الجولة الأولى على 88 صوتًا، وفرماجو (73 صوتًا)، والرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد، وحصل 49 صوتًا.

وقبيل انطلاق الجولة الثانية، انسحب المرشح الرابع عمر عبد الرشيد علي شرماركي، بعد حصوله على أصوات قليلة في الجولة الأولى لم تتعد 37 صوتًا من إجمالي 328.

وجاء فوز فرماجو، الكاسح مفاجأة غير متوقعة لأغلبية من توقعوا منافسة نهائية بين الرئيسين السابقين شيخ شريف أحمد، وحسن شيخ محمود.

وشهدت الانتخابات الرئاسية التي أجريت في خيمة كبيرة قرب مطار مقديشو الدولي، حضورًا كبيرًا، من مراقبي السباق الرئاسي وسفراء أجانب، إلى جانب ممثلين عن المجتمع الدولي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com