بعد أحداث تشارلوتسفيل.. هل ستشهد الولايات المتحدة الأمريكية شبح حرب أهلية ثانية؟
بعد أحداث تشارلوتسفيل.. هل ستشهد الولايات المتحدة الأمريكية شبح حرب أهلية ثانية؟بعد أحداث تشارلوتسفيل.. هل ستشهد الولايات المتحدة الأمريكية شبح حرب أهلية ثانية؟

بعد أحداث تشارلوتسفيل.. هل ستشهد الولايات المتحدة الأمريكية شبح حرب أهلية ثانية؟

"كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟".. تساؤل طرحه تيري ماكاوليف، حاكم ولاية فيرجينيا الأمريكية، بعد أعمال العنف العنصرية في مدينة تشارلوتسفيل التي حدثت بالولاية، على خلفية الاعتراض على قرار السلطات إزالة نصب الجنرال الجنوبي، روبرت إي لي، أحد أبرز رموز الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865).

ذلك التساؤل كان محاولة لاستكشاف الاتجاه الذي تسير إليه الولايات المتحدة، وفق روبين رايت، الكاتبة بمجلة "ذا نيويوركر" الأمريكية، في مقال لها، منتصف الشهر الجاري، اعتبرت فيه أن ذلك السؤال "غير منطقي، لتعدد الإجابات واتضاحها".

وقالت روبين، إن "وحدتنا باتت هشة، وكذلك دولتنا، بعد أن كنّا الدولة التي تُعرف في العالم بديمقراطيتها المستقرة".

وهي فكرة رجحها أيضاً مايكل سيغنر، عمدة تشارلوتسفيل، حين اعتبر في تصريحات لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، يوم 14 أغسطس/آب الجاري، أن "أعمال العنف التي قام بها المتمردون البيض في تشارلوتسفيل، أثبتت أن المبادئ الديمقراطية الأساسية للبلاد تتآكل".

وفي 12 أغسطس/أب الجاري، قُتلت امرأة (32 عاماً) وأُصيب 19 آخرين، عندما دهس رجل بسيارة مجموعة كانت تحتج على مسيرة لعنصريين من القوميين البيض، والنازين الجدد في مدينة شارلوتسفيل، فيما أُصيب 15 آخرين في مناوشات بين الجانبين.

ووفق رايت، فإن "الخطر ما زال يتنامى ويتخطى فكرة التجمعات العنيفة، بسبب تمكن اليمين المتطرف، لأول مرة منذ نصف قرن، من دخول عالم السياسة".

فقبل 5 أشهر من هجوم شارلوتسفيل، وتحديداً في مارس/ آذار الماضي، قال كيث ماين، وهو مستشار سياسي في الجيش الأمريكي، لـ "ذا نيويوركر"، إن "أمريكا قد تواجه بنسبة 60% حربًا أهلية خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة المقبلة".

لكن آخرين، يرون خطر هذه الحرب أكثر قربًا، وبحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، في مارس/ أذار الماضي، يقدر خبراء بأن "الأمر سيحتاج ما بين 5 إلى 9 سنوات فقط".

حرب في منتصفها

"لا يصدق المحافظون المناهضون للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن الأمريكيين قد يتقاتلون فعلياً في إطار حرب أهلية، بينما يصدق ذلك المحافظون المؤيدون له".. هكذا تحدث دينيس براغر، وهو إذاعي ينتمي إلى تيار المحافظين، في يونيو/حزيران الماضي، عن إمكانية اندلاع حرب أهلية، حتى وإن لم ترافقها مظاهر عنف واضحة.

وذهب براغر إلى أبعد من ذلك بالقول، إن الأمريكيين يعيشون بالفعل وسط حرب أهلية دخلت منتصفها، حسب موقع "ذا دايلي سيغنل" الأمريكي.

واعتبر أن "البعض يرفضون تصديق أننا في غمار حرب أهلية كونها غير عنيفة، لكن الحرب الأهلية الثانية من وجهة نظري، لن تشترط اندلاع العنف".

واندلعت الحرب الأهلية الأمريكية، بين قوات حلف الجنوب الكونفيدرالي ضد جيوش الشمال الاتحادية، على خلفية قرار الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن (1861-1865)  تحرير العبيد، وانتهت بوحدة أراضي الجنوب مع الشمال، تحت رئاسة لينكولن، الذي قتله لاحقاً مؤيد للكونفيدراليين، الذين كان الجنرال لي أحد قادتهم.

وفسر براغر، رؤيته بأنه "كثيراً ما يتم استخدام كلمة حرب للدلالة على مواقف لا تتضمن العنف، كالحرب على السرطان، والحرب على التدخين، وأيضاً الحرب الباردة"، معتبراً أن أفضل مصطلح يمكنه التعبير به عن الأوضاع الأمريكية الراهنة هو "الحرب الثقافية".

وعلى النقيض، اعتبر كيث ماين، وهو مستشار سياسي أمريكي، في تصريحات لـ "ذا نيويوركر"، في 14 أغسطس/ آب الجاري، أن مصطلح الحرب الأهلية لابد أن يشمل "نطاقًا واسعًا من أعمال العنف، يظهر في رفض السلطة السياسية التقليدية، واستدعاء الحرس الوطني للتعامل مع الأوضاع".

ووفق فرضية ماين، فإن تعامل حاكم ولاية فرجينيا مع الاعتداءات العنصرية لجماعات البيض في شارلوتسفيل، عبر إعلان حالة الطورائ في الولاية، يمثل أقرب شكل للحرب الأهلية.

وتنص حالة الطوارئ المحلية، وفق بيان رسمي لشرطة شارلوتسفيل، على السماح للمسؤولين المحليين بطلب موارد إضافية لمواجهة الأحداث الجارية، فضلًا عن منع التجمعات غير القانونية.

واستناداً إلى خبرته في الحروب الأهلية، لمشاركته في مهمات عمل بثلاث قارات، استشهد ماين بخمسة محددات تدعم رؤيته، التي تشير إلى احتمال تعرض الولايات المتحدة لخطر الحرب الأهلية خلال سنوات.

وصنف تلك المحددات في: "الاستقطاب السياسي الراسخ، والتغطيات الصحفية المنقسمة، وضعف المؤسسات، لاسيما تلك المرتبطة بالكونغرس والقضاء، وتخلي القيادة السياسية عن مسؤولياتها، علاوة على تشريع العنف لحل المشكلات".

ويرى مراقبون، تلك المحددات أنها تنامت بشكل متفاوت منذ ترشح الجمهوري دونالد ترامب لانتخابات الرئاسة الأخيرة، التي أجريت في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وكذلك تنامي الصراع السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين، الذي أفرز بدوره خلافات على صعيد السياسات الداخلية، أهمها تصاعد الاتهامات بضلوع ترامب وأعضاء حملته الانتخابية في تدخل روسيا لصالحه في انتخابات العام 2016 ، على حساب منافسته الديمقراطية، هيلاري كلنتون.

كما أن تفادي ترامب إدانة جماعات العنصريين البيض صراحة، وعدم تسميته لاعتداءات شارلوتسفيل بـ "الإرهاب المحلي"، من بين أسباب تفاقم أزمة الاستقطاب في الولايات المتحدة، ودعم الممارسات العنصرية المتطرفة، وفق محللين.

واتضحت الأزمة في استقالة أعضاء لجنة "الفنون والإنسانيات" بالبيت الأبيض (17 مستشارًا) من مناصبهم، احتجاجًا على موقف ترامب من أحداث شارلوتسفيل، ومساواته بين المتطرفين اليمينيين ومناهضي العنصرية، فضلًا عن توجيه اتهامات لترامب بأنه "وراء تنامي جرأة الجماعات المتطرفة".

ولا تعد تلك الاستقالة مجرد احتجاج على تنامي الاستقطاب بين الأطراف المختلفة في السياسة الأمريكية، بل تشير أيضاً إلى محدد تخلي القيادة السياسية عن مسؤوليتها، وعلى خلفية تفاقم النزاعات الداخلية، والتي في مجملها علامة على أن واشنطن مهددة فعلياً بشبح الحرب الأهلية، حسب فرضيات ماين.

واستشهدت الكاتبة رايت، في "ذا نيويوركر"، بحديث لديفيد بليت، وهو مؤرخ أمريكي، قبيل هجوم شارلوتسفيل، عن "تشرذم المؤسسات والأحزاب"، معتبرة إياه مؤشرًا على زعزعة الاستقرار الداخلي، ما قد يفرز حرباً أهلية.

بليت، مضى قائلًا: "أضعفنا المؤسسات، وليس فقط الأحزاب المستقطبة المهددة بالتفكك، كما حدث في خمسينات القرن 19، حين تفكك حزب (ويغ بارتي)، ما أدى إلى انقسام الحزب الديمقراطي إلى تيارين جنوبي وشمالي".

وتابع بقوله: "نمر بأحداث مشابهة لتلك الحقبة الزمنية، حين لم يستوعب الأمريكيون التغيرات المفاجئة كتحرير العبيد".

واعتبر أن انتخاب ترامب، الذي تولى السلطة في العشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، يمثل أحد الأحداث المفاجئة التي يحاول الأمريكيون تقبلها واستيعابها خلال الفترة الحالية.

ووفق بليت، فإنه "عندما تكون الانتخابات أو التشريعات أو الأحداث أو الإجراءات التي تتخذها الحكومة والقيادات غير مقبولة لدى الأحزاب والجماعات الكبيرة والناخبين، يتعين علينا أن نعلم أننا معرضون لخطر الحرب الأهلية، أو شيء من هذا القبيل".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com