العشماوي وفياض ونبوءة داعش والخلافة
العشماوي وفياض ونبوءة داعش والخلافةالعشماوي وفياض ونبوءة داعش والخلافة

العشماوي وفياض ونبوءة داعش والخلافة

محمد الغيطي

أرسل لي صديقي المثقف المصري المهاجر إلى باريس عصام عبدالكريم مقالا منشورا في موقع فرنسي لكاتب ومفكر يدعى لوي جوستاف يقول فيه إن الفكر العربي عجز عن التواصل مع الغرب المتحضر وأن العرب يستحقون داعش وأن جماعات الإسلام السياسي ستسيطر على المنطقة وأن مفهوم الخلافة الإسلامية الذي ينادي به البغدادي وداعش هو أنسب نظام حكم يتوافق مع هذه الشعوب المتخلفة، من وجهة نظر الكاتب الذي قال في نهاية سطوره المسمومة إن على الغرب المتحضر دعم إسرائيل لأنها البلد الديمقراطي الوحيد الذي يتحمل مسؤولية الدفاع عن قيم التقدم في هذه المنطقة المظلمة حسب رأيه العنصري.

وتنبأ الكاتب لمنطقتنا بأنها ستتمزق على أسنة الحروب الدينية، وضرب مثلا بعاصفة الحزم التي تدور رحاها بين الشيعة والسنة. وقال إن مصر مؤهلة لحرب من هذا النوع بين الأقباط والمسلمين، وبقية المقال ينفث سما ويحمل مغالطات وتوهمات خرافية وأساطير نمطية.

وهو يذكرني بنظرية الامريكي فوكوياما التي راجت منذ التسعينيات والتي تحدث فيها عن صراع الحضارات وجعل المثقفين العرب يسكبون أطنانا من الأحبار للحديث عن هذه الموضة الفكرية التي أجهزت عليها حرب الخليج الثانية،وبالعودة لكلام الكاتب الفرنسي سنجد أنه تجاهل طابورا طويلا من المفكرين العرب العظام الذين اجتهدوا في نقد الفكر الظلامي منذ قرون وأبرزهم ابن رشد الذي قامت نهضة أوربا على فلسفته وأصبحت مدرسته أول بذرة لنقل مشعل التنوير لكل دول أوربا وإخراجها من ظلمات العصور الوسطى وتفصيل ذلك ستجده في كتب الفيلسوف الفرنسي المسلم روجيه جارودي.

وفي العصر الحديث ستجد كتابات طه حسين في نقد الموروث الإسلامي وصراع النقل والعقل وذلك في الشعر الجاهلي وغيره وستجد كتابات سلامة موسى والعقاد وتوفيق الحكيم ولويس عِوَض وَعَبَد القادر القط ورشدي فكار وسليمان فياض ومحمد سعيد العشماوي ،و الاخيرين رحلا عن عالمنا في الشهور الاخيرة ولم يسلط الضوء على اجتهادها في الفكر الإسلامي وأحدهما وهو العشماوي ترجمت كتبه لعدة لغات وحضر جنازته اثنان من رؤساء فرنسا اعترافا بفضله على اللغة الفرنسية والفكر العالمي وتجديد الخطاب الديني ونشره منهج الوسطية الذي جعل الكثيرين ينجذبون للإسلام بعيدا عن الوجه الداعشي القبيح والإرهابي

ومايجمع بين العشماوي و فياض أنهما عكفا على دراسة الإسلام السياسي وقدما كتابين بعنوان واحد رغم الفارق الزمني بينهما وهو عنوان الخلافة في الإسلام والغريب أنهما تعرضا لهجوم ضار من الأزهر ومن السلفيين ومن الإخوان وهذا ماحدث قبلهما بأكثر من سبعين عاما مع الشيخ على عبد الرازق صاحب كتاب الاسلام وأصول الحكم الذي نفى فيه ان تكون الخلافة نطام حكم إسلامي وأثبت انها اساءت للدين وأنها مطية الطامعين في السلطة والمتاجرين بالإسلام وهو ذات التوجه لدى فياض والعشماوي رغم اختلاف المعالجة والتفنيد والعرض لكنهما اشتركا معا في نبوءة ظهور الدواعش في العالم الإسلامي

وقد فصل ذلك سليمان فياض و قال إنهم سيظهرون على حصان الخلافه، ظلاميون ينادون بإعادتها وهم لا يفقهون عن جوهر الإسلام شيئا، ويقول إن الخلافة التى عرفها تاريخ المسلمين بعد الخلفاء الراشدين، سقطت مثلما سقطت من قبلها الخلافات الأمويه و العباسيه والفاطميه وكانت كلها خلافات قهر امبراطوريه لأسر ملكية حاكمة، أموية كانت أو هاشميه أو تركية عثمانيه ،خلافات يضع حلفاؤها على وجوههم اقنعه الدين إذا جاز أن يكون للدين قناع، فقد كانوا فى حقيقتهم ملوكا دنيويين يستخدمون شعارات الدين لإخضاع البلاد و العباد و يهدمون فى كل يوم مقاصد الدين ومن هذه المقاصد العدل و حريه الاعتقاد و الأمن و التكافل الاجتماعى و الإخاء و المساواه و استقلال بيت مال المسلمين عن بيوت أموال الحاكمين

،وحين سقطت الخلافه العثمانيه انفتح الطريق لنظام أو أنظمه الدوله المدنيه المشرعه لقوانين مدنيه فى كل مالم يرد به أمر أو نهى من أمور الدين و التى تحقق فى الوقت نفسه بسلطان الحكم الشورى، مقاصد الدين و أثر سقوط الخلافه العثمانيه آخر الخلافات فى تاريخ المسلمين ،تباكى فقهاء ودعاة تراثيو الثقافه و المعرفه على ضياع الخلافة و تجاهلوا كل تاريخ خلافات القهر التى قمعت بالغزو كل الشعوب باسم الدين و فرضت الجزيه على كل من أسلم من أبناء هذه الشعوب مخالفة بهذا الفرض أمرا من أوامر الدين لا جزية على من أسلم. فبذلك الأمر عمل الرسول و بذلك الأمر عمل الخلفاء الراشدون واتهمت هذه الخلافات القهريه كل المسلمين غير العرب الذين أسلموا بعد فتح بلادهم بالشعوبية إلا أنهم طالبوا بالمساواة و بتحقيق مقاصد الدين على ايدى الحكام الدنيويين الغازين وراح هؤلاء الدعاة يكتبون و يخطبون، داعين إلى عودة الخلافه فى العقدين الثالث و الرابع من القرن العشرين

وكأن نظام الخلافه من أركان الإسلام وفروض الدين ، بعد عصر الخلفاء الراشدين . ولقد أثبت تاريخ المسلمين فشل تجارب الخلافات الإسلاميه السنيه ، و الشيعية ، و بأيدى مؤرخين مسلمين ، فى العصور الوسطى وفى العصر الحديث ممن كتبوا عن وقائع الخلافة ، وأحداثها ، وممن كتبوا عن خفايا بلاطات هذه الخلافات ، وعن انشقاق الشعوب الإسلامية ، فى دول مسلمة ، عن جسم دولة الخلافة ، هربا بدينهم و دنياهم معا من القهر الخلافى و مظالمه ، و تحقيقا لحق الشعوب فى تقرير مصيرها ، و استغلالها لثرواتها ، وعائد عملها و عرقها .

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com