logo
ثقافة

"أين اسمي".. رواية تبرز دور المرأة في نقل الأحداث التاريخية

"أين اسمي".. رواية تبرز دور المرأة في نقل الأحداث التاريخية
19 يوليو 2021، 6:21 ص

تسترجع الروائية السورية ديمة الشكر، أحداثا تاريخية جوهرية في منطقة الشام، إبان القرن التاسع عشر، مبينة دور المرأة في نقل تلك الأحداث، وتهميش المجتمع لهذا، في روايتها التاريخية الناقدة "أين اسمي" الصادرة عن دار الآداب 2021.

تتناول الرواية مذبحة الشام في القرن التاسع عشر، حيث الحي المسيحي في ريف باب توما قضاء دمشق، عام 1860.

تبدأ الكاتبة من انتهاء الحدث، حين تصف هجوم مجموعة من المنفلتين، على الحي المسيحي وقتها، من خلال "قمّور"، الشخصية الأساسية في الرواية.

تروي قمّور أحداث الهجوم العنيف على سكان باب توما، بالعصي والسكاكين والخناجر والنار، بالتكسير والسلب والنهب والقتل وإراقة الدماء، ما أسفر عن مقتل نحو مئة شخص من الرجال والنساء والأطفال، بالإضافة إلى تدمير الكنائس والبيوت لأهالي الحي.

وتقوم "قمّور" بجمع القصص من الناس الناجين من الحرب وقتها، وممن فقدوا أحبابهم خلال الفوضى. بناءً على توصيات القنصل البريطاني في الشام وقتها، ريتشارد بيرتون، وزوجته إيزابيل. أما عن سبب التكليف، فكانت "قمّور" خادمة القنصل وزوجته في تلك الفترة، وعملت لديهما في الشام، كما سافرت معهما إلى لندن، و مدينة تريستا الإيطالية، ما أكسبها قوة في اللغة الإنجليزية، بالإضافة للعربية.

وتركز الكاتبة على نشأة قمّور في بيت أبيها، ومقتل أمها في الأحداث، وإرغام الأب لها على العمل خادمة لدى القنصل، من خلال سرد تاريخي لشخصيتها بشكل متقطع بين الأحداث. وتبين دراما الرواية بشكل تدريجي وتصاعدي، مدى التطور الذي كان يحدث لدى شخصية قمّور، من خلال عملها منذ الصغر، وكذلك سفرها المتكرر للمدن الأعظم في العالم، واحتكاكها بالوفود والطبقة النبيلة وقتها.





أجواء العمل

"وإذ تصورت أمامي بلاد ريتشارد وإيزابيل، سألت نفسي، ما الذي خطر في بال إيزابيل، لتأخذني معها إلى بلادها؟ سؤال لا أعرف إجابته! لكن سؤالا ثانيا أعرف إجابته عن ظهر قلب. أعلم ما خطر ببالها لتعيدني إلى الشام، فهذا ما صنعته بيدي".

وتقوم بنائية الرواية، على الرجوع إلى الماضي وسرد الأحداث، من خلال البحث والتذكر، فالقصص التي جمعَتها قمّور بتكليف من القنصل، كانت مقيدة من قِبله، بعدم إدخال عاطفة الخادمة في النقل، وكل ما هدف إليه سرد بلا هوية كاتب، أو مشاعر توصف الحدث بحقيقته، ليقوم هو بصياغته حسب توجه دولته. فسعت بريطانيا لطمس الرواية العربية للأحداث وقتها، وكان القنصل بيرتون، مترجم كتاب ألف ليلة وليلة للإنجليزية، يهين الخادمة بأقذر العبارات، لمحاولتها كتابة روايتها الصحيحة.

وفي وقت لاحق، أعادت قمّور سرد الأحداث وكتابتها من جديد، بعد انتهاء فترة عملها مع القنصل، لتنقل الصورة الحقيقية للأحداث الدائرة. والغريب أن الكاتبة لم تقدِم على ذكر تفاصيل عن الصراع الدائر بين المتشددين من المسلمين والمسيحيين والدروز في لبنان وسوريا في تلك الحقبة، رغم أهمية ذلك في إيضاح سياق الهجوم ودوافعه، لكن الكتاب المنشور حول هذه المذبحة، لا يحمل اسم الكاتبة قمّور فتال، وإنما كتب على غلافه: " قرينة ترجمان القنصلية البريطانية سابقا، حنّا" نسبة إلى زوجها. وهذا هو سؤال الرواية الوراد في العنوان: "أين اسمي؟".

وبهذا تطرح الكاتبة هنا، قضية جوهرية حول التاريخ ودور المرأة في صناعته ونقله، وكأنها أرادت أن تقول، إن هذه حالة واحدة من حالات التهميش والقمع للمرأة الناقلة للتاريخ والمؤلفة والمبدعة والباحثة، وإن هنالك الكثير من الحالات التي أعطى من خلالها الأسلوب الاجتماعي السائد للرجل قيمته، بينما أخفى المرأة ودورها، وسلبها أدنى حقوقها الإنسانية، بذكر اسمها على مؤلفها.

على هذا المنوال، كانت مي زيادة، الكاتبة الفلسطينية، من المؤثرات في المشهد الثقافي العربي في أواخر القرن التاسع عشر، لكنها أقدمت على نشر العديد من الكتب باسم مستعار "إيزيس كوبيا"، نظرا للمنع الاجتماعي، لظهور المرأة في تلك المرحلة.

وتبدو بنية الرواية معتمدة على السرد واللغة القوية المائلة للشاعرية في عدة أماكن، لكن أدوات التشويق والغموض، انبنت على الحدث الأول في العمل، الملمح إلى حدوث مذبحة في حي باب توما، ولقيت وتيرة السرد بالطريقة نفسها، دون وجود عوامل جذب مستحدثة خلال كرونولوجي السرد، وهو ما قد يفقد القارئ الحافز للإكمال في منتصف الطريق، لرواية تمتد على 240 صفحة من القطع المتوسط.

العصر الحديث

فيما تنتقل الكاتبة من السرد الحاضر إلى قراءة السرد، من خلال ظهور شخصية زينة في العصر الحديث، حيث يقع الكتاب الأزرق المؤلف من قبل قمّور، بين يدي زينة، طالبة هندسة العمارة، والباحثة في بلاطات القيشاني الشامية، تكون هذه الشخصية هي وسيلة الكاتبة لطرح سؤال هوية الكاتبة، على الرغم من أنه وضّح من خلال سياق السرد، كما استخدمتها لنقل أحداث سورية المعاصرة بحوارها مع مايا.

وجاء في الرواية: "كنت أسمع كلمات مايا عن أثر القصف الذي نقلته نشرات الأخبار المتواصلة، وأرى الموت والانكماش في كل شيء. أزجّي الوقت بمقارنة ما تعلّمته في كلية هندسة العمارة عن التخطيط المديني والنسيج المديني، وما يفعله القصف فيهما، كما لو أنني أذاكر دروسي فأتوه في أوهامي البناءة عن حل واحتمال عمل يعيدان للامور أمورها، تلك أمور تقاس بالورقة والقلم والتفكير المنطقي العلمي".

لربما أرادت الكاتبة، المفارقة بين تدمير ريف سوريا في العصر الحديث، وتدمير ريفها في ذلك العصر، فعلى الرغم من اختلاف الأشخاص والزمان والنوعية السلاح، إلا أن فكرة القتل قائمة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC