استمرار تصاعد ألسنة اللهب فوق الغبيري في الضاحية الجنوبية

logo
ثقافة

في رواية "تشيللو" للكاتب تركي آل الشيخ.. رموز سردية تجسد صراع القناعات

في رواية "تشيللو" للكاتب تركي آل الشيخ.. رموز سردية تجسد صراع القناعات
11 نوفمبر 2021، 6:59 ص

يثير الكاتب السعودي تركي آل الشيخ الجدل حول القناعات وتأثيرها في حياة الإنسان، وطريقة تناوله للشيء الخفي وصراعه معه، في روايته "تشيللو" الصادرة عن دار ذات السلاسل للنشر والتوزيع 2021.

وتتركز أحداث الرواية حول الشاب ناصر الموهوب في العزف على آلة التشيللو، حيث يواجه التحديات الاجتماعية بعائلته المكونة من أمه وأخته ليلى، بعد وفاة والده الذي ورّثه موهبة العزف، وصراعه ما بين ظروف الحياة القاسية وحلمه الكبير في الموسيقى، وحلم آخر يتعلق بعلياء عشيقته، التي فارقها لقسوة حياته الاجتماعية.

لكن المحرك لمثار الأحداث يتحقق مبكرًا في الرواية بتقديم أصدقائه طلبا للمشاركة في أوركسترا نيويورك، والذي سيؤهله ليصبح نجمًا عالميًا، ومن هنا يبدأ الصراع بامتلاكه "تشيللو" أثريا تعود أصوله لعازف إيطالي، يتسبب في انقلاب حياته وحياة أصدقائه وعائلته، ما يتوجب عليه التخلص منه للنجاة بحياتهم جميعًا.

ويستخدم الكاتب العديد من التقنيات السردية لجعل العمل أكثر درامية وفانتازية، من خلال تقنية الفلاش باك، بتقديم مشهد ختامي في سياق السرد، ومن ثم العودة لتفنيد مسبباته، وطريقة الوصول إليه، بالإضافة إلى استخدام الرموز خلال السرد والتي تعطي إثارة ومتعة، وتصحب السرد بالتوتر لفترات طويلة من خلال كونها بُؤرا للأحداث.

كما ويتلاعب الكاتب بحرفة بالبعد الزمني خلال السرد، بالعود إلى الماضي بشكل مستساغ، ودمج المشاهد بين اللحظة السردية الحاضرة والذكريات القديمة من خلال عودة ناصر لطفولته واستناده إلى أبيه، لوضع حال لمشكلة ارتباطه بالتشيللو الممسوس.

وتتجسد المشاهد عند تركي آل الشيخ، بطريقة التقطيع السينمائي للمشاهد، وكأنما عملية مونتاج طالت أحداثا كثيرة وقصصا مخلتفة للشخصيات، وقام هو بدمجها من خلال لغة سلسة، تقوم على البساطة والاسترسال، وحوارات مؤثرة بين الشخصيات تخللت الأحداث، وتميز الكاتب بالقدرة على التنقل بين الفصول السبعة والمشاهد المتضمنة بطريقة لينة غير قاطعة للسرد، على مدار 256 صفحة من القطع المتوسط.

فيما يتجسد المشهد المليء بالإثارة في بداية سرد الأحداث بانتحار عازف التشيللو ليوناردو بازيني، الذي عاش في القرن الثامن عشر في إيطاليا. وبتقنية الفلاش باك يبدأ الكاتب بسرد أحداثه الغامضة، المثيرة للقلق والشغف، ويستخدم بذكاء أدواته للربط بين مشهد بازيني المؤلم، وصراع الجميع مع آلة التشيلو ذاتها.

فاللحن الذي عزفه بازيني تسبب في دهشة الحضور وتصدع قلوبهم، وتسبب في تغييب رومانو متعهد الحفل، ما جعله حدثًا مدهشًا ويتسم بالغرابة، صار ثيمة، كررها الكاتب بمجرد بدء ناصر العزف أمام الجمهور على المسرح الأمريكي، مستخدمًا خياله الخصب للربط بين المشهدين، في ذروة تجميع الأحداث.

يكتب تركي آل الشيخ "ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﺭﻭﻣﺎﻧﻮ ﻛﻢ ﺩﺍﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﺤﻦ ﻟﻴﻠﺘﻬﺎ، ﻟﻜﻨﻪ ﺫﺍﺏ ﻓﻴﻪ ﺗﻤﺎما ﻓﺒﺪﺍ ﻟﻪ ﺑﻼ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺃﻭ ﻧﻬﺎﻳﺔ.. ﻓﻘﻂ ﺣﻴﻦ ﺳﺎﺩ ﺍﻟﺼﻤﺖ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺍﻧﺘﻬﻰ، ﻭﺟﺪ ﺭﻭﻣﺎﻧﻮ ﺃﻥ ﺩﻣﻮﻋﻪ ﺗﻐﺮﻕ ﻭﺟﻬﻪ، ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺮﻑ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻷﻧﻪ ﺳﻤﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﺤﻦ ﺃﻡ ﻷﻧﻪ ﺍﻧﺘﻬﻰ!".

 

سر

وتبدو غرابة آلة التشيللو خلال السرد في السر الخطير الذي تخفيه داخلها، بما تتسبب به من لعنات لمستخدمها، ولمن حوله، حيث يدور حولها السر السردي للكاتب، والذي نجح في عرض لحظات التوتر المتعلقة بالآلة، وإخفاء ما وراءها، حتى نهاية العمل، بطريقة سردية ممتعة.

وتمكن الكاتب من إضفاء المزيد من الغموض حول حبكته، بوضع رموز تواري خلفها المخفي، مثل (Omicida) وهي كلمة إيطالية تعني قاتل، واستخدمها الكاتب لخلق أجواء رعب في المشاهد بنقلها من خشب التشيلو لخشب الخزانة في غرفة ليلى الأخت.

يقول الكاتب "ﻣﻨﺬ ﺃﻥ ﺍﺑﺘﺎﻋﻪ ﻭﻧﺎﺻﺮ ﻻﺣﻆ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺘﺸﻴﻠﻠﻮ، ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻤﻴﺰﻫﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻭﻟﻢ ﻳﻌﺮﻫﺎ ﺍﻫﺘﻤﺎما.. ﻓﻘﻂ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺧﺬ ﻳﻌﺰﻑ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﺍﻟﺪﻣﺎﺀ ﺗﻘﻄﺮ ﻣﻦ ﻳﺪﻳﻪ، ﻭﺣﻴﻦ ﺍﻧﺘﻬﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ -ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﺫﺭﻭﺓ ﺍﻟﻠﺤﻦ- ﻭﺟﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺘﺸﻴﻠﻠﻮ ﻭﻗﺪ ﺍﺭﺗﻮﺕ ﺑﺪﻣﺎﺋﻪ ﻟﺘﺘﻀﺢ ﺃﺧﻴﺮًﺍ..".

 

تنوع

وتميزت شخصيات "آل الشيخ" بالتنوع والاختلاف، فناصر الطموح المشوش، يحاول حل عقدته الاجتماعية بالوصول للعالمية، وعلياء عشيقته العازفة العاطفية المضحية المتسامحة، تقف معه حتى ينال حلمه، وعمر الصديق المتحمس، الذي يدفعه شغفه للبدء في الخطوات دون تأجيل، وسارة خطيبته التي تحمل كاميرا في كل لحظة، لتوثيق الأحداث المهمة. وليلى الأخت الضعيفة المكسورة الجناح، تتمسك بأخيها والحياة حتى الرمق الأخير.

وحتى شخصية صالح التي تحمل جسرًا اجتماعيًا، لطريقة التدخل في شؤون الآخرين، وتعمد الإيذاء للجار، تعالج معضلة اجتماعية مؤثرة في الوطن العربي، فيكتب آل الشيخ: "ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﺻﺎﻟﺢ ﺃﻥ ﺳﻤﻌﻪ ﻣﺤﺪﻭﺩ ﻣﻊ ﺗﻘﺪﻣﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮ، ﻭﺃﻥ ﻋﺰﻑ ﻧﺎﺻﺮ ﻟﻢ ﻳﺘﺴﺒﺐ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺃﻱ ﺍﺯﻋﺎﺝ، ﻓﻬﻮ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﻀﻲ ﺃﻳﺎﻣﻪ ﺑالبحث ﻋﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻳﻠﻘﻲ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻫﻢ ﺣﻮﻟﻪ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺟﺎﻫﺰﺓ ﻳﻔﺘﻌﻞ ﻭﺍﺣﺪﺓ..".

 

 

قدسية

ويسلط الكاتب الضوء على قدسية المسجد في نفسية المسلم، من خلال تبيان الاعتقاد بحمايتها للإنسان من الأشباح والشياطين، كما ويبرز في العمل دمج الكاتب للبيئة الاجتماعية في الأحداث التي تدور بين الرياض وإيطاليا، بتوصيفه للصحراء وأثرها على النفس والجسد خلال السرد، كما ويستخدم رمزية الشبح، الذي يحمل بعدًا تراثيًا في نفسية المواطن العربي، وبما يحمله من تأثير على القناعات حول الشيء الخفي، وكيفية تأويله. ويثير الكاتب الجدل حول حقيقة فهمنا للأشياء ليبيّن كيفية تأثير قناعاتنا بالأشياء في سير حياتنا.

يذكر أن "تشيللو" هي الرواية الأولى الصادرة للكاتب تركي آل الشيخ، وهو وزير الترفيه السعودي، ومستشار للديوان الملكي، وفاز بيضع جوائز منها: الأكثر تأثيرا في كرة القدم بمهرجان دبي 2017، وجائزة شخصية الرياضة في الوطن العربي 2017، ووشاح الملك عبد العزيز 2021.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC