عاجل

هيئة البث: الجيش الإسرائيلي سيدرب قوات البحرية على القتال البري بسبب نقص المقاتلين

logo
ثقافة

في "جيش من رجل واحد".. الشاعر العُماني عبد الله الرّيامي يبحث عن الحرية

في "جيش من رجل واحد".. الشاعر العُماني عبد الله الرّيامي يبحث عن الحرية
17 مارس 2023، 9:17 ص

يذهب الشاعر العماني عبد الله الرّيامي لتفكيك فكرة الحرية عند الإنسان، وإعادة تجميعها من خلال المادة الخام الصغيرة، شديدة الالتصاق بالجسد والحواس، عبر صور شعرية محملة بالرموز والإيحاءات حول علاقة الإنسان بالعالم، وبالأشياء المعتادة من حوله، وذلك عبر مجموعته الشعرية "جيش من رجل واحد"، الصادرة عن مُحترف أوكسجين للنشر، 2023.

وتبدو رؤية الشاعر للوجود، خلال قصائده، بالقيد المستمر على وعي الإنسان، ويعبّر خلال جمله الشعرية، عن معنى التخلص من ذلك، باحثا عن مهرب صغير، يمكّنه من الحصول على حرية، أو شعور مختلف عن السائد، كما لو أن الخيط انفكّ من الحذاء.

فيما تأتي، عبر قصائده، المفاهيم الكبرى في حياة المرء، على شاكلة الحصار، كما يفعل الحب، حين يكون إبرة للوقت، فيتغرّز جسد الإنسان بفعله.

وحتى الثياب في نصوص الريامي، تدلل على الثقل في علاقته مع الجسد، فيما تأتي الكلمات حسب رؤيته، وسيلة لإفراغ الصراخ الإنساني، وهي حينما تخرج فإنما تلتف لتحضن الإنسان وتخفف عنه، وطأة حزن العالم.

جاءت رمزية عنوان المجموعة الشعرية "جيش من رجل واحد"، لتتقاطع مع رؤية المجموعة التي تدعو العقل إلى التشظي، والمشاعر إلى التجريب ومحاربة البشاعة.

شظايا

وتأتي رمزية العنوان "جيش من رجل واحد"، لتتقاطع مع رؤية المجموعة التي تدعو العقل إلى التشظي، والمشاعر إلى التجريب ومحاربة البشاعة، وإن ما ينجم عن عملية التفكيك هذه، هي شظايا لجسد واحد، تمضي بهشاشتها، لتواجه المكرر والنمطي والرتيب في الحياة.

وإن اللغة الشعرية عند الريامي، تكشف عن المعنى بطريقة خالية من التكلّف والتعقيد، فهو كما يدعو إلى الخفة في الحياة، فإنه يمارسها، أيضًا، من خلال اللغة، بقدرته على الانتقال من الصورة للأخرى، بسلاسة، دون التخلي عن الكثافة الشعرية المطلوبة، وذلك عبر 97 صفحة من القطع المتوسط.

يظهر ميل الريامي إلى الترميز بشكل واضح عبر العلامات الصغيرة التي يضعها في سطوره.

عبء النظرة

فيما يكتب الريامي عن التيه، الذي يفضله عن السير بورقة الخريطة، ليتخفف من عبء المعنى، ويمضي دون خريطة، حتى لا يحسب على المهاجرين، أو الغازين، أو الأوغاد والمنقبين عن آلام الناس، ويمرر خلال النص، الحركة البطيئة للخطى، والنظرات المرتابة من كل الحدود والاتجاهات، وكأنه دون تلك الخريطة يمضي بقناع يعفيه من السؤال، لربما هذه هي الخفة التي يرجوها المرء مع الحياة، فالخرائط أكثر الأشياء حملاً للحدود، أكثرها محاصرة للحرية، إذ يكتب الشاعر:

❞ حامِلُو الخريطةِ أشعلوا النيرانَ في الأدغالِ

 ‫ أبحَروا اعبَروا الصحاري والجبالَ

 ‫ قَبْلَهم ‫كانَ جنوبٌ بلا شمالٍ شرقٌ بلا غربٍ

 ‫ لم أحملْ يوماً خريطةً

 ‫ فهي لنْ تَعرفَ ‫إنْ كانَ حاملُها ‫مهاجِراً أم غازياً،

وغداً أم نبيلا ❝.

ترميز

ويتضح من نص الريامي ميله إلى الترميز، عبر العلامات الصغيرة التي يضعها في سطوره، ففكرة الهرب من عيون الناس، من المعرفة، كانت بمثابة التخفّف من العيون والنظرات، تلك اللحظات التي يعيشها المرء دون قيد أو قلق من التعريف، أو القناعة الداخلية للآخر.

هذا التخفّف يجعل من الإنسان دون سلاسل أو قوالب أو قيود، ويزيد من تحرر الجسد، كأنما شخص يتخفف من ملابسه في غرفته، تلك الفكرة الشاعرية تتقاطع مع رؤية الشاعر الفلسطيني محمود درويش، حينما كتب:

" كم أَنت حُرُّ أَيها المنسيُّ في المقهى

فلا أَحدٌ يرى أَثَرَ الكمنجة فيك

لا أَحَدٌ يحملقُ في حضوركَ أو غيابكَ

أَو يدقِّقُ في ضبابك إن نظرتَ

إلى فتاةٍ وانكسرت أَمامها ".

ورمز آخر يمكن التقاطه، التحرر من أحذية الأحياء، تلك التفصيلة الصغيرة التي يضعها الشاعر، كعلامة للتحرر من القالب والقيد. وحتى الحذاء في النص، يأتي حرًا من الملكية، فهو يتبع لشخص خارج العالم، بحيث لا تتم الملاحقة، ولربما يطمح للكشف عن خطى جديدة، لا يتم حصرها داخل مساحة الحياة.

يكتب الريامي بضمير المتكلم في معظم قصائده، معبرًا عن الحركة والتجريب المستمريْن، فتكون الصورة أكثر قربًا من المعنى.

يكتب الريامي:

❞ أُمرِّرُ راحتيَّ ‫

على عينَيِّ ميتٍ لأُسدِلَهما ‫

أغلقتُ الكتابَ ‫

وقبلَ أن تبردَ قهوتي ‫

القصصُ الجديدةُ أصبحتْ قديمة. ‫

انتعلتُ حذاءً ‫

ومشيتُ طويلاً ‫في حذاءِ رجلٍ ميتٍ ‫

لم أعرفْ إلى أينَ أمضي ‫

ولم أصلْ إلى مقبرة ❝. 

المشي على سطح زجاج متصدع

وما يميز شعر الريامي، أن بالإمكان سماع الصوت، ومشاهدة الحركة، داخل النص، وكأنما الشعر لديه، طازج لم يجف بعد، وكأن التفاصيل المتناهية تعمل مثل أقدام صغيرة، تمكن النص من الحركة المستمرة، الحركة التي تتطلب رؤيتها، الانسياب والتخييل مع القصيدة.

إذ يضع الشاعر مختبرًا شديد الخصوصية لمشاعر الإنسان، وقت القلق والخوف، كأن يمشي المرء على سطح زجاجي متصدع، ولربما هنا يشير إلى الحياة بأكملها، وكأنه أراد القول: هنالك ما هو أكثر ريبة من الموت.

ويكتب الريامي بضمير المتكلم في معظم قصائده، معبرًا عن الحركة والتجريب المستمريْن، فتكون الصورة أكثر قربًا من المعنى، وكأنه بذلك ينطق بصوتين من داخله، في اللحظة نفسها.

ويعود الشاعر، ليعبّر عن عبء الوجود، من خلال تأطير الصورة، بين الوزن الجسدي والسطح الزجاجي المتصدع، موصفًا كادرًا شعريًا يمتلئ بالقلق الوجودي، والرؤية المعتمة للحياة، إذ وضعت الصورة الإنسان، بهيئة الماشي بهشاشته، تشده خطاه إلى الأسفل مرغمًا، وما تحته بئر سحيق من الفراغ.

يكتب الريامي في نص "سقف":

❞ أمشي على سقفٍ ‫من زجاجٍ متصدِّعٍ ‫

في كلِّ خطوةٍ ‫أحبِسُ أنفاسي ‫

لأسمعَ طقطقةَ التصدُّع ‫

خابَ أملي ‫

ما يزالُ الزجاجُ يحملُ وزني ‫

أُرَكِّزُ على صوتِ أنفاسي ‫

أنسى أنَّني لستُ هناكَ ‫على سقفٍ زجاجي

لكنْ حتى لو كنتُ هنا

‫ أنا دائمًا

‫ إمّا هناكَ

‫ أو أنظرُ إليه. ❝

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC