عاجل

هيئة البث: الجيش الإسرائيلي سيدرب قوات البحرية على القتال البري بسبب نقص المقاتلين

logo
ثقافة

في رواية "قارئة القطار".. البحث عن ذاكرة مفقودة

في رواية "قارئة القطار".. البحث عن ذاكرة مفقودة
13 مارس 2023، 9:11 ص

يبحث الكاتب المصري إبراهيم فرغلي، عن أصول هوية الإنسان، من خلال طرق سريالية، للبحث عن ذاكرته، في الماضي، ومن خلال عملية تداخل بين الأزمان المختلفة، كاشفًا عن الطريق المعقّد الذي تمر من خلاله تلك الهوية، وذلك عبر روايته "قارئة القطار" الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، والفائزة بجائزة نجيب محفوظ 2023، كأفضل رواية مصرية.

وترتكز الرواية على أحداث غامضة، ويجسد بطولتها محمود الفاقد للذاكرة، الذي يعمل الكاتب على إعادة تعريفه كشخصية، واستعادة ذاكرته، من خلال محطات مختلفة داخل القطار الذي لا يتوقف عن الركض.

ومنذ البداية يشعل فرغلي الحواس، من خلال الكشف عن غرابة الشخصية، وغربتها، إذ يكون على شخصية مجهولة الاسم اكتشاف القطار السريع الذي قفز إلى داخله بصعوبة، من أجل اللحاق بميعاد مقابلة عمل في شركة للأدوية.

"أقرأ لأنه قدري. لو توقفت سيتوقف القطار. ولن يكون في إمكان أحد تحمّل كارثة كهذه. هذا هو عملي الوحيد هنا؛ أن أمنع القطار عن التوقف"

القراءة تمنع التوقف

يلتقي محمود بفتاة "قارئة القطار" الكفيفة، التي تقرأ الكتب باستمرار، كي لا يتوقف القطار عن المضي، وهو ما يحمل رمزية بحاجة للكشف خلال سياق الأحداث، فما هو القطار في سردية إبراهيم فرغلي؟ ومن هذه الفتاة الغامضة؟ ولماذا تخلو معظم عربات القطار من المسافرين؟

يكتب فرغلي: "أقرأ لأنه قدري. لو توقفت سيتوقف القطار. ولن يكون في إمكان أحد تحمّل كارثة كهذه. هذا هو عملي الوحيد هنا؛ أن أمنع القطار عن التوقف".

شخصيات

وتعد شخصية البطل في الرواية من ذلك النمط المبعثر على الأحداث، والتي يحاول القارئ اكتشافها عبر محطات العمل المختلفة، فتبقى معضلة الذاكرة المفقودة، حيلة قوية يمسكها الكاتب حتى النهاية لإثارة الشك والغموض حول العمل برمّته.

وقارئة القطار، أو زرقاء القطار، تشبهًا بزرقاء اليمامة، كما أطلق عليها محمود، تتحول إلى عرّابة لإعادة تعريفه، من خلال القراءة، وهنا ما يحمل رمزية حول هوية الإنسان، التي يعاد اكتشافها، وتشكيلها من القراءة وحدها.

وتبقى قارئة القطار مركز العمل الذي تؤول إليه الأحداث، من خلال استمرار الفتاة الكفيفة بالقراءة عبر نظارة سوداء، تمنحها القدرة على تبصر حياة محمود وانتشالها من الماضي.

يكتب الروائي فرغلي: إنه لا يرغب في الزواج، لكيلا ينجب أطفالًا ‏يكبرون فلا يجدون لهم من مستقبل سوى أن يصبحوا مجرد أهداف لثأر لا يد لأيّ منهم فيه.

أزمنة متداخلة

وهنا تبرز في العمل حيلة الكاتب في اللعب على تداخل الأزمنة، إذ يلمح في العديد من المواطن، إلى أن شخصيات روايته، قد عاشت في أزمان أخرى، وأن هذا القطار، هو بعد زمني، يجسد مرحلة من حياتهم، فكانت "ذكرى" الأخت التوأم لقارئة القطار على موعد للتداخل في السرد، وتذكير محمود بأنه حبيبها في زمن آخر، سابق لزمن القطار. من السرد: "كيف أصدق أنني أعرفها في زمن آخر! أي زمن؟ خارج القطار؟".

فيما تستطيع قارئة القطار أن تعرّف محمود بماضيه، وإرجاع تلوين ذاكرته بآلام الماضي، من خلال "كتاب الأحلام" وهو الأمر الذي لربما ندم عليه في لحظة ما، فعرف هويته السابقة، وهروبه من بيئة أهله، وخروجه من جلباب العادات والتقاليد، باحثاً متفرداً عن ذات لا تضع الثأر وقتل الإنسان، في حيّزها.

يكتب الروائي فرغلي: "إنه لا يرغب في الزواج، لكيلا ينجب أطفالًا ‏يكبرون فلا يجدون لهم من مستقبل سوى أن يصبحوا مجرد أهداف لثأر لا يد لأيّ منهم فيه".

ثأر

وتبرز خلال سرد ماضيه، قصة فاطمة القروية، التي أحبها محمود، لكنه سقط في فخ الحيرة والتشتت، من خلال مشاعر العشق التي يكنها لها، ومشاعر التجنب والغل، التي انعكست داخله، حينما أخبرته باغتصابها من أحد الأثرياء، خلال عملها، وهنا خاض محمود صراع تثبيت هويته التي تدعوه للاختلاف عن أهله أبناء قريته، أو الرجوع لفكرة الثأر لشرفه، والانتقام من الجاني.

قد غدت صناعة الأوهام، واحدةً من أكثر الأعمال ربحًا في عالمنا المقيّد بحواسهِ المحدودة، وتحميها ما تُزيّنه العقول الفارغة لأصحابها بسبب إمكاناتها المحدودة
إبراهيم فرغلي

وهم

وإن لعبة الوهم، تأكيده، ونفيه، كانت من الألعاب التي ساقها الكاتب خلال عمله، وقد عمد إلى ذلك لتأجيج المشاعر، واستثارة الشك والفضول حول تاريخ الشخصيات وحقيقة هوياتها، وتشتيت الأحداث عبر أزمان مختلفة، فهنالك زمن في القطار المجهول، وزمن داخل القصص التي تقرأها زرقاء القطار، وزمن آخر، يتواجد فيه، ماضي شخصية محمود، وهو الوقود الذي استخدمه الكاتب ليكمل عمله السريالي.

وكما أظهر الكاتب قوة الوهم في بناء روايته، تمكن من وضعه على طاولة الحوار خلال سرده، وعرّف الشخصيات معظمها، من نقطة هيمنة الوهم على حياتهم، فكانت ذكرى شخصية من الماضي، تئن بوجع الحب، وكانت زرقاء القطار، شخصية معدمة، تخضع لقبضة القدر في مرض ابنها بالعضال وموته، وتعيش من خلال فقده رحلة الوهم مع الحياة، وكان محمود يعيش تداخلاً محيراً مع الأزمان المختلفة، يحاول البحث عن ذاكرته، خلالها، فقد خاض صراعاً مع وهم يخرج من داخله.

ويقول: "لقد غدت صناعة الأوهام، واحدةً من أكثر الأعمال ربحًا في عالمنا المقيّد بحواسهِ المحدودة، وتحميها ما تُزيّنه العقول الفارغة لأصحابها بسبب إمكاناتها المحدودة. الوهم قوة يستمد بها البشر قدراتهم على تدمير حياتهم باستمرار. من هلاكٍ إلى تهلكة".

أدوات سردية

وتجسدت لغة فرغلي السلسة، والمحفزة للتفكير، عبر الأسئلة الغامضة، ورسم المشاهد المتقن، واللعب على الحواس والمشاعر، عبر الحوارات والصفات الغريبة للشخصيات، والمكان، تلك التفاصيل التي ذهبت إلى تعزيز البعد الرمزي، على مدار 279 صفحة من القطع المتوسط.

إن أدوات الغموض والتشويق التي وضعها الكاتب بذكاء في بداية السرد، خفتت تدريجياً، مع العشوائية في اختيار المواضيع، فبدا غير مبرر، الذهاب نحو تفاصيل ثورة القائد المصري أحمد عرابي ضد الإنجليز في القرن التاسع عشر، ومع الغوص في تفاصيل أهل القرية وما يتعرضون له من ظلم في الأرياف، مع ذوي الأموال.

ومن ثم فإن تكرار ثيمة (رواية داخل رواية)، عملت على إخراج القارئ من بؤرة التعلق التي تشكلت بفعل غموض قارئة القطار، وغموض القطار ذاته، ومأساة فقدان محمود لذاكرته، وانتقلت مسوغات العمل بشكل تدريجي من الفانتازي الجذّاب، والرمزي، إلى الواقعي البحت، المتجه نحو الملل.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC