عاجل

هيئة البث: الجيش الإسرائيلي سيدرب قوات البحرية على القتال البري بسبب نقص المقاتلين

logo
ثقافة

أحمد إسماعيل إسماعيل: المسرح الذي يرتبط بنخبة أو مؤسسة غير الجماهير مصيره "الموت"

أحمد إسماعيل إسماعيل: المسرح الذي يرتبط بنخبة أو مؤسسة غير الجماهير مصيره "الموت"
18 مارس 2023، 8:12 ص

يعتبر القاص والمسرحي السوري أحمد إسماعيل إسماعيل أن المسرح الذي لا ينقل هواجس وقضايا مجتمعة هو مسرح "مقصوف عمر"، أما المسرح الذي يرتبط بنخبة أو مؤسسة غير الجماهير فمصيره "الموت".

وخلال حواره مع "إرم نيوز"، يقيّم أحمد إسماعيل التجربة المسرحية الكردية، مؤكدًا أن "التراث الكردي غني بالظواهر المسرحية التي تحتاج لتنقيب واستخراج وصناعة، وهي خطوة مهمة للنهوض والترويج للمسرحي الكردي"، وفقًا لتعبيره.

وأحمد إسماعيل إسماعيل هو قاص وكاتب مسرحي سوري من أصل كردي، برع في مسرح الطفل ونشر العديد من القصص والمسرحيات والدراسات في دوريات محلية وعربية، وحصل على جائزة الشارقة للإبداع، العام 2000، ومن أعماله: "مسرحنا المأمول"، "عندما يغني شمدينو"، و"رقصة العاشق"، و"ليل القرابين"، و"على سراط البحر"، و"تشريح الخيانة ومقالات أخرى"، و"توبة الثعلب"، و"الحقل المنيع"، و"حكاية الأشقياء الثلاثة".



تنتمي إلى مسرح المجتمعات المحلية، هل تعتقد أنه الأكثر تأثيرًا من المسرح النخبوي؟

أجد من الضروري ضبط هذا المصطلح بالتفريق بدايةً بين العامة والنخبة في منطقتنا عنهما في الغرب، والتي بدأت هي الأخرى منذ عقود بالخلخلة؛ فإذا كانت النخبة في الغرب قد أنتجت اقتصادًا وصناعة وعلمًا وفلسفة وفنونًا، فإنها عندنا ليست كذلك، وما صفة النخبوية لدينا سوى لحيازة صاحبها على مال أو سلطة أو حتى ثقافة، هي بالأساس ليست من إنتاجه..

وإذا كان رواد النهضة أمثال: طه حسين، وقاسم أمين، ومارون النقاش، قد استعانوا بالذهب الإفرنجي من فلسفات ونظريات وفنون لتصنيع ما هو خام عربيًا، فأصابوا في محطات كثيرة لاستواء الخط الفاصل بين النخبة والعامة، وفشلوا في الحراثة في حقول أخرى بسبب صلابة طبقات السياسة ورجال دين فيها، فإن الأمر، اليوم، في ظل هيمنة الملتيميديا وتعرض خطوط الاستواء والطول والعرض للتحطيم جد مختلف؛ وذلك لأن شرائح وتكتلات جديدة في طور التكوين، أوسع جماهيرية وأضيق نخبويًا، بغض النظر عن طبيعتها وبنيتها.

وهذا القول ينسحب على المسرح، بل ينطبق عليه تمامًا، فما من مسرح، قديمًا أو حديثًا، ارتبط بنخبة أو مؤسسة غير الجماهير إلا وكان مصيره الموت، ولنا في تجربة المسرح الفرعوني والكنسي في أوروبا في القرون الوسطى والسلطوي في بلاد شرق المتوسط خير مثال، فرهان نجاح المسرح مرتبط بالناس، وقد تكون النخبوية مقبولة إذا كان المقصود منها هنا الثقافة ومواكبة العصر، لا الفئة والشريحة الاجتماعية.

المسرح، اليوم، مثل سفينة تيتانيك، فن بدأ يغرق منذ زمن، بمن فيه حتى النقاد، في بحر هائج من أمواج التطرف والاستبداد وصراع الهويات والفقر.

تجربتك المسرحية قامت على العمل المباشر بتوظيف الجمهور في إنتاج المعنى، هل تعتقد أن المسرح الحقيقي يجب أن يحظى بميزة تفاعلية؟

رغم كل ما تعرض ويتعرض له الجمهور من سياسات التدجين والقولبة، بدءًا بالعقائد والإيديولوجيات وسياسات الطغاة القامعة والأنظمة المستبدة، فإنه الركن الركين في الظاهرة المسرحية، والمؤلفة أساسًا من قطبين أساسيين: جمهور وعرض مسرحي، متفرج وممثل، ولا يمكننا الحديث عن وجود مسرح بمعزل عن حضور الجمهور، داخل العرض كشرط أولي.. قضايا وهواجس وطموحات، وحتى أساليب عرض، وخارجه؛ في الصالة.

المسرح الذي لا يتحقق فيه هذا الشرط "مقصوف" عمر، يحيا غريبًا ويموت مبكرًا، ولقد أوصى كبار رجال المسرح بضرورة مراعاة الجمهور واحترامه واعتباره سيد العرض المسرحي وليس مجرد شريك له وحسب، وكل فشل للعرض يعود إلى فشل المسرحي بفك شفرة المتلقي ومعالجتها.    

ولكن هذا ليس كل شيء في رأي، فالمتلقي ليس على حق دائمًا وفي كل الأحوال، لأن المسرح ليس دكانًا، والمتلقي ليس زبونًا، إذ إن التفاعل عملية متبادلة، ولا يقتصر على المسرح دون الجمهور، فإذا كانت المبادرة في هذه العملية مسؤولية واجبة على المسرح، فإنها لن تكتمل إذا لم يتفاعل معها الجمهور، والتفاعل لا يتحقق أثناء العرض فقط، بل قبل العرض وبعده أيضًا، من خلال متابعته وتقصي أخباره ومحاورته ودعمه ماديًا ومعنويًا.

يقول لوركا: (الشعب الذي لا يساعد مسرحه ويشجعه شعب محتضر إن لم يكن قد مات، وكذا المسرح الذي لا يحس نبض الشعب الاجتماعي أو التاريخي، ومأساة هذا الشعب، واللون الأصلي لأفقه وفكره، مثل هذا المسرح لا يستحق هذا الاسم، بل ينبغي أن يدعه “بصالة التسلية” أو المكان الذي يكاد ألا يناسب إلا ذلك الشيء المروع الذي نسميه “قتل الوقت”).

وباعتقادي هذا كلام منصف.



هل السرد القصصي وتداول الرمز بشكل كبير أدوات فنية ميزت مجموعتك القصصية الأخيرة على "سراط البحر" كما توصل إلى ذلك نقاد؟

أعتقد أن السرد في قصص مجموعة على "سراط البحر" الصادرة حديثًا والمجموعة السابقة "رقصة العاشق" الصادرة، العام 2000، عن جائزة الشارقة للإبداع، لم يكن خالصًا، فالكلمة التي استخدمتها في قصص المجموعتين مفعمة بالدرامية حتى أن بعض القصص تكاد تكون نصوصًا مسرحية مكتوبة بطريقة سردية، أضف إلى ذلك إدارة الصراع الذي يحتدم في مرحلة الأزمة.

ولهذه الخصلة مناقب ومثالب، أحببت الإشارة إلى هذه السمة لأنها تكاد تكون غائبة عمن تناول قصصي بالنقد. أما بخصوص الرمز فإنني أجده العنصر الذي يضفي على العناصر الثقافية كلها: المادية منها وغير المادية، ما يمنحها معنى وحياة، وينزع عن بعضها صفة الجمود والتأطير، فوجود العين مثلًا مرهون بوظيفة الرؤية، غير أن الرمز منحها من الصفات ما جعلها غابات وبحور.. ناهيك عن النظرة والغمزة، وكذلك شعر الرأس عند كلا الجنسين من الذي يتجاوز وظيفته في حماية فروة الرأس إلى دلالات عديدة لا تقتصر على غطاء الرأس بل تتعداها إلى الطول والقصر والتسريحة، والقمر وتحولاته والنار والوردة..

فكان من الطبيعي أن استخدم الرمز لهدف جمالي وفكري، دون إيغال وإبهام، غير أن بعض كتاباتي لم يكن القصد من الرمز فيها جماليًا صرف، بل عباءة إخفاء لمعالجة قضية سياسية بالدرجة الأساس، والسياسة في كتاباتي حاضرة بقوة للأسف، وأسفي على قوة الحضور حصرًا، وليس على تناولي لها، ولكن لم يكن لدي خيار، فجحا الذي لجأت إليه في مسرحية "أهلا جحا" كان للتعبير عن فساد الوضع في بلدي، واستخدام حكاية الحوت الذي يبلع القمر التي كنا نتداولها ونحن صغار في واحدة من قصص مجموعة على سراط البحر، كان رمزًا للطاغية الذي يبلع الحرية، والأمثلة كثيرة.



نلت العديد من الجوائز في مجال مسرح الطفل، من خلال تجربتك في هذا المجال،  كيف تقيم التلقي المسرحي للطفل وعلاقته بالمسرح؟

لابد من التأكيد بداية أن عملية التلقي المسرحي للكبار والأطفال ليست بسيطة، بل مركبة ونامية وعميقة جدًا، تبدأ قبل العرض ولا تنتهي بنهايته، وهي إذ تتفاوت بين المتلقين الراشدين؛ فإنها تختلف كثيرًا بين الراشدين والأطفال، كما يختلف العرض المسرحي الموجه لكل منهما عن الآخر: اختلافًا في أسلوب العرض لا في مستواه. يقول ستانسلافسكي (أن نمثل للأطفال كما هو ضروري أن نمثل للكبار، لكن تمثيلنا للأطفال ينبغي أن يكون أفضل)، طبعا الأفضل هنا ليس بقصد التودد للأطفال، فهذا سيئ مثل تعنيفهم، بل مراعاة لخصوصية الطفولة وتفهماً لشخصية الطفل.

فمن أولى شروط العرض المسرحي للطفل والكتابة له، معرفة شخصية الطفل، طبيعتها، ظرفها، ثقافة البيئة التي تعيش فيها، وذلك قبل اختيار النص، وتقديم العرض.

من المفيد أن يدرك المسرحي أن التلقي المسرحي عند الأطفال لا يبدأ لحظة العرض، بل قبلها، وأثناء التوجه إلى مكان العرض، ناهيك عن دور مكان العرض ومكان جلوسه في الصالة وطريقة الاستقبال.

يمكن الحديث مطولًا عن أهمية التفاعل لدى الطفل قبل وأثناء وبعد العرض، ولعل الحالة التي يخرج عليها الطفل من المسرح هي التي تلخص، ليس مستوى التفاعل أثناء العرض، بل مستقبل علاقته بهذا الفن، ومن المؤسف أن غالبية ما يتم تقديمه في بلادنا من عروض مسرحية للأطفال لا تركز سوى على التفاعل أثناء العرض، وتجد في التصفيق والتهريج ما يؤكد على التفاعل الجيد من قبل جمهور الأطفال، ولعل البديل عن ذلك لا يكون بالعرض المسرحي الجاد جداً، ولا بتحول الممثل إلى معلم وواعظ أخلاقي.. فمسرح كهذا لا يختلف في ضرره على الطفل من العرض التهريجي.  

ويساهم وليُّ الأمر الذي ينوب عن الطفل في اختيار العرض، ويمارس سلطاته عليه في الصالة، ويملي آراءه وتصوراته عن العرض والمسرح عامة بعد العرض، في تخريب عملية التلقي، وبالتالي التفاعل والعلاقة المسرحية برمتها.

فالمسرح ليس مدرسة ولا ملهى.. والطفل ليس عجينة ولا رجلًا صغيرًا أو عبدًا لنا، وخير طريقة لتحقيق التفاعل المنشود بين الطفل ومسرحه هي فهم طبيعة الاثنين، وحسن اختيار أفضل الطرق للربط بينهما برعاية واعية لا وصاية.



لماذا يشكل النقد المسرحي إشكالية في العالم العربي، ما الذي يحتاجه للقيام بدوره؟

ليس النقد المسرحي وحده الذي يعد إشكالية، كل نقد في العالم العربي يعد إشكالية، بدءًا من البيت بين أفراد العائلة الواحدة وفي الشارع بين الأصدقاء وفي المدرسة بين الطلبة والجهاز التعليمي والإداري وفي الحزب بين الرفاق وفي الهيئات الحكومية من أصغر موظف إلى... الموظف الأول، وهذه المشكلة غير طارئة، ولا وافدة ومدسوسة، بل أصيلة ومتجذرة تجذر التخلف والقهر في هذا العالم، والنقد المسرحي جزء من هذه الثقافة، ولعل النقد الانطباعي والمؤدلج والمجامل والمتحامل أحد تجليات هذه الثقافة.

بعيدًا عن هذه الحالات التي نعرفها جميعًا، عامة وخاصة، ونكتوي بها، ثمة من ينظر إلى الناقد على أنه عنصر أمن الثقافة، هدفه الرئيس ليس كشف مواطن الجمال أو الضعف في المادة موضوع النقد، بل القبض على الأخطاء والتشهير بها ومحاكمة المنقود وحرمانه من جنسية الأدب والفن، وهذا تصور خاطئ تمامًا مثل تصور آخر يرى في الناقد كاهنًا يمنح الكاتب صكوك الإبداع ويهلل له في كل حين.

الأمر ليس كذلك بالنسبة للناقد الجيد، الذي يمتلك أدواته النقدية ويحسن استخدامها دون استعراض مهارات أو إساءة للكاتب أو العرض المسرحي بممارسة دور بروكروست على المادة موضوع النقد.

قد يكون ما قلته كلامًا عامًا ومعروفًا للجميع، ولكن لا بد من التطرق إليه دائمًا كيلا يتحول إلى بديهية ومسلمة من الواجب التسليم بها كالقدر.

حال المسرح، اليوم، مثل سفينة تيتانيك، فن بدأ يغرق منذ زمن، بمن فيه حتى النقاد، في بحر هائج من أمواج التطرف والاستبداد وصراع الهويات والفقر وتكالب دول إقليمية، ويحتاج المسرح في ظروف عصيبة كهذه إلى أكثر من ربان، ولعل الناقد المتمكن من أدواته وتصنف كتاباته على أنها إبداع على إبداع، بقادر على أن يلعب دوره كمرشد للربان، في تحديد الإحداثيات الضرورية، وإن كنت ممن يؤمنون بأن المسرح بالذات، فن خالد لا يموت إلا بفناء البشرية.

وسيكون من الصعب على الناقد التصدي لهذه الأمواج من الزيف، ولكن تسليط الإضاءات القوية على الجيد من النصوص والعروض، من شأنه أن يساهم في إنقاذ سفينة المسرح من الغرق، وهذا لا يتأتى إلا بنقد يملك صاحبه ثقافة واسعة وفهم عميق للجمهور وظرفه التاريخي، ويمكنني أن أضيف إلى ذلك ضرورة إيلاء الطفل ومسرحه الاهتمام الزائد، لأنه الحجر الأساس في بناء المسرح والوطن عامة.



ركزت في كتاب مسرحنا المأمول على التجربة المسرحية الكردية التي وصفتها بالفتية في سوريا.. كيف بالإمكان تطوير هذه التجربة والترويج لها عربيًا ودوليًا؟

منذ ولادة هذا المسرح في بداية الثمانينات من القرن الفائت، أو بتعبير أدق، التجربة المسرحية، وهي عالقة في مرحلة البدايات التي تكثر فيها العروض دون التجريب، ودون التنظير والبحث والنقد وحتى بدون الكتابة الدرامية، وإذا كان تجاوز هذه الحالة يحتاج إلى شجاعة مبدع ورحابة صدر جمهور، وهي ملك أيدي صناع العرض المسرحي الكردي وجمهوره، ولكنها شجاعة استهلكت في مكان آخر غير ساحة الإبداع، بل في مقاومة السياسات الشوفينية..

ولن أبالغ حين أكرر وصفي الدائم لصناع العرض المسرحي الكردي بأنهم أبطال، يقينًا أن الحديث عن ظروف تقديم العرض الكردي يحتاج إلى عرض مسرحي يتحدث عنه، فتاريخ هذه التجربة، وبسبب حجم التضحيات من قبل شبان فقراء كانوا يتصدون على الدوام لملاحقات قوى الأمن التي كانت تمنع حتى الغناء بالكردية، هو تاريخ مسرحية مقاومة داخل مسرحية داخل مسرحية.

ولأن المسرح لا ينضج إلا في ظروف ديمقراطية، فقد كان من الطبيعي ألا تنضج هذه التجربة وتثمر عن مسرح مستوف الشروط، وإذا كانت السلطات تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية ذلك، فالتنظيمات السياسية الكردية التي حولت العروض المسرحية إلى نشاط حزبي دعائي لها، وفرضت وصاية على العاملين فيه، تتحمل بدورها مسؤولية عدم إنضاج هذه التجربة واستوائها، كما لا يمكن إعفاء المهتم بهذا الشأن والمسرحي من بقائه ضمن دائرة التحدي السياسي والمظلومية القومية، وعدم إيلاء الثقافة المسرحية والتواصل مع تجارب الآخرين الاهتمام اللازم..

لعل وعي هذه الحالة السلبية القاتلة وتجاوزها معرفيًا هو جواب مبدئي على سؤالك، وهذه مسؤولية المعنيين بالمسرح الكردي أولا ثم المعنيين بالهم الكردي عامة.

لدى الكرد ما يلبي هذا الأمر من قصص وحكايا وأحداث واقعية وتاريخية درامية مدهشة، وتراثه غني بالظواهر المسرحية التي ما تزال خامًا تحتاج إلى تنقيب واستخراج وصناعة، لو أحسن المسرحي الكردي استثمارها والإعلان عنها والترويج لها بحرفية.. لربما كانت هذه الخطوة الأولى نحو مسرح يتجاوز الأسلاك الشائكة المضروبة حول عنقه كما هي مضروبة في أرضه. 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC