عاجل

هيئة البث: الجيش الإسرائيلي سيدرب قوات البحرية على القتال البري بسبب نقص المقاتلين

logo
ثقافة

في "أكثر من صورة في شريط الكاميرا".. البحث عن زوايا مختلفة للمشهد

في "أكثر من صورة في شريط الكاميرا".. البحث عن زوايا مختلفة للمشهد
28 فبراير 2023، 10:35 ص

تُشكل اللغة عند الشاعرة والرسامة نورا عثمان طريقة أخرى للتعبير بالحركة والصوت والألوان والضوء، فتعبر عن حركة الإنسان ومشاعره، من خلال تحويل اللحظة العادية لسينمائية أو تشكيلية، عبر الصورة، جاعلة من العالم أكثر جمالا، وتلميحا، داخل الكادر.

وذلك ضمن مجموعتها الشعرية الأولى "أكثر من صورة في شريط الكاميرا" الصادرة عن دار الأدهم للنشر والتوزيع، 2023.

وفي نص نورا عثمان تمضي الكاميرا ملتقطة مشاهد الحب من زوايا مختلفة، لأنها تعي بأن صورة واحدة، من زاوية محددة، لا تكفي لتجمع كافة المشاعر التي تتراقص وقت الحالة.

يعمل نص نورا عثمان على الإضاءة والبريق والتعتيم، والتداخل والمزج، فيما تستخدم أدوات التقريب وتضخيم اللحظة.

إن الصورة الواحدة للمشهد تقتله، تحجمه، تجعله صامتا، فيما تمنحه الصور المتعددة، حيوات أخرى، أصواتا وكوادر أخرى، يدخله الهواء من أكثر من جانب.

تكتب نورا عثمان:

"ومن أعلى أسمع أنفاسا متصاعدة

وأرى جلدا براقا يتداخل

وأكاد أحسّ بأن اللحظة صارت بالونا شفافا،

ترفعه الأنفاس الحارة،

في الأفق المتلون باللون الوردي

وفي الجو الفاتح بالفانيليا".

الصوت من مكونات التصوير

وفي القصيدة يبدو الصوت من مكونات التصوير، فالأنفاس تملأ الكادر بالتصاعد، تلك الصنعة السينمائية التي تصبو إليها العين، بحيث تدخل اللحظة في إطار الاستثنائي، فلا تموت لحظة تم التعامل معها على انها سينمائية الوجود.

كما يعمل نص نورا عثمان على الإضاءة والبريق والتعتيم، والتداخل والمزج، فيما تستخدم أدوات التقريب وتضخيم اللحظة، التي تصير أكبر حجما، مثل بالون شفاف، وفي هذا، ترميز إلى سرعة انتهاء تلك اللحظة، وكأنها لم تكن، لكن الكاميرا تحفظ شيئا من تلك المشاعر، صورة تبقى للذكرى، بحيث يتحول الإنسان فيما بعد لصندوق ذكريات سينمائية.

لا تتوقف شاعرية نورا عثمان عن البحث عن المخفي في المشهد، بكل تلك الأدوات الممكنة التي تجردها من الخيال ومن الواقع.

في جزء آخر من النص تكتب:

"زاوية نظر حرة

أتحرك مثل الطائر،

مثل الكاميرا،

ألتقط الشعر المتضمن في الحركات،

وفي السكنات،

وتغرق أنظاري في التكوين العاري.

أرتفع

وأنخفض،

وأخرج من زاوية المشهد،

لأرى- قبل خروجي- شبحين بلون كراميل ذهبي

يندمجان بشكل شبحي أكبر،

..

يشبه زهرة كرز".

لغة الشعر والسينما

ولا تتوقف شاعرية نورا عثمان عن البحث عن المخفي في المشهد، بكل تلك الأدوات الممكنة التي تجردها من الخيال، ومن الواقع، لتدخلها في السياق الشعري، فتصير مساحتها أكبر، وتتحدث بلغة خاصة، لغة لا يحتويها إلا الشعر أو السينما.

يتجسد اللون في كادر نورا عثمان الشعري كأنه لون على الكانفس مستعيدة من خلاله مشاهد مختلفة تعبر عن وجوده في الذاكرة.

بحر

يبدو تجريد المشهد من تفاصيل وسيلة من وسائل الفن، تجعل من الكتلة أكثر جرأة أو تفسيرا للحظة، ونجد هذا التجريد في نص عثمان من خلال قذف الضوء ككتلة صلبة على الجسد، واتباع الأثر، الدوار الذي ينتاب المرء من الصدمة، من الألم، من المتعة أحيانا، الدوار الذي نعبر عنه بالدوائر في الفن، حيث لا يستطيع الإنسان حمل المعنى، أو إدخاله على قاعدة البيانات في مشاعره.

لكن الحركة تبقى هي وسيلة الإنسان للخروج من الدوائر، وكأن اللحظة هذه المرة دوامة في البحر، وكأن المعنى الذي أرادته نورا عثمان، كتلة ضوء تحمل رسالة تخترق الأعماق السحيقة لبحر محتجز في ذاكرة الإنسان.

"مثل رسالة للبحر

نقذف كتلة الضوء الصغيرة للفراغ

وفي مخيلتي سندخل في دوار هائل

لكننا عوضًا توازنّا، وحرّكنا معا أطرافنا-فزعا-لأعلى".

أخبار ذات صلة

ديوان كل ما فعله دوستويفسكي.. نصوص مرنة وتنويعات فنية متقنة

           

رائحة أخرى

داخل المستطيل الصغير، بإمكان الأشياء أن تصل إلى لغة مشتركة مع مشاعر الإنسان، وهو ما تكرره نورا عثمان في مجموعتها، وكأنها تضع للّغة رائحة أخرى، وتكسبها صوت غواية، يلتصق بالأذن فتخرج لغتها من "كادر مفردٍ للبياض".

إن اللغة في الشعر تبدو مجسِّمة، حالما ارتبطت بكادر تصويري من الشاعر/ة، تلك اللحظة التي يغادر فيها الإنسان جموده وينطلق مع المشاعر ليلحظ الفارق بين الوهم والحقيقة، فداخل الكادر أكثر صورة مصدّقة للحقيقة، وخارجه تبهت الأشياء، تعود رتيبة، بعاديتها، أما داخل الكادر الشعري/ السينمائي، فالأوكسجين المتولد يدفع الإنسان للغواية بالمعنى، وتصديق جمال الحياة.

تلك اللغة عند نورا عثمان رطبة منثورة داخل القصيدة، مثل ألوان يدلقها الفنان على الباليتا، ويتنفس رائحتها ليدور خياله، باحثا عن معنى جديد للعالم، من خلال الصورة والتشكيل.

في مجموعتها الشعرية تبحث نورا عثمان عن المكان كوسيلة لإبراز الحركة، وتبحث عن الفارق بين الصورة والأصل، وما ينبثق من اختلاف في المعنى بينهما.

وكون الشاعرة ممتهنة للرسم، فإنها تستخدم أدوات الفن مندمجة في إنتاج النص وتشكيله، وكأن المكان الأبيض قبل الرسم، هو ذاته اللا معنى، قبل التشكل، كأنه إطفاءة كاميرا، وبمجرد أن تعمل الإضاءة، أو الإعتام، يصبح للكتلة داخل الكادر مساحة أكبر للتعبير.

أحمر

ويتجسد اللون في كادر نورا عثمان الشعري، كأنه لون على الكانفس، مستعيدة من خلاله مشاهد مختلفة تعبر عن وجوده في الذاكرة، فهو المشهد الأول مع لون الثمار، لون الممحاة في طرف القلم الفحمي، لون روج المعلمة، لون الحذاء أو الثياب، لكنه كان خاسرا كبقعة دم في أي مفاضلة تجريها مع الألوان، فهو لون الخوف والصرع، والقلق والاشتباك مع الأشياء، إنه لون الجرح، لون الدم الذي حين يره الإنسان لأول مرة يصيبه الرهاب مع الحياة.

تكتب نورا عثمان:

"ثم جرحت لأول مرة،

كان اللون الباهر مما أدهشني،

والألم المترافق ليس عظيما،

كي لا يهتاج فضول الطفل، ويعصر تلو القطرة قطرة.

أتأمل كيف ارتفع الأحمر فوق الألوان جميعا،

ولماذا للأحمر دون الألوان الأخرى، تلك القدرة؟".

في مجموعتها الشعرية تبحث نورا عثمان عن المكان كوسيلة لإبراز الحركة، وتبحث عن الفارق بين الصورة والأصل، وما ينبثق من اختلاف في المعنى بينهما.

ولا تتوقف عن وصف المشهد الخالد في الذاكرة، عبر الريشة والكانفس، عبر الضوء والكاميرا، فتصير الحياة مساحة لا تتوقف عن إفراز المعنى، من خلال 163 صفحة من القطع المتوسط.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC