سوريا.. لجنة الخبراء القانونيين تقدم مسودة الإعلان الدستوري إلى الشرع

logo
اقتصاد

الاقتصاد السوري.. جمود وترقب ومستقبل غامض

الاقتصاد السوري.. جمود وترقب ومستقبل غامض
سوق الحميدية في دمشقالمصدر: أ ف ب
12 فبراير 2025، 7:06 ص

تنفس السوريون الصعداء إثر سقوط النظام السابق، خصوصًا مع ترقبهم حصول انفراج اقتصادي ومعيشي. فقد توقفت ملاحقة من يقتني ويتداول الدولار الأمريكي، وتوقفت ظاهرة "الإتاوات" على حركة الشحن والأنشطة التجارية، ولم يعد هناك من تقنين وتقييد لعمليات شراء المحروقات، ومعاقبة من يخزنها، وانخفض  الدولار الأمريكي بشكل واضح بالمقارنة مع مستوياته قبل شهرين. 

أخبار ذات علاقة

الليرة السورية تتعافى من أدنى مستوياتها على الإطلاق

الحكومة السورية الجديدة، بقيادة محمد البشير، أعلنت فور توليها مهامها، في الـ10 من ديسمبر/كانون الأول، عن مجموعة من الوعود الوردية في مختلف المجالات، من زيادة التغذية الكهربائية من 4 إلى 8 ساعات يوميًّا، خلال شهرين اثنين فقط، وزيادة رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 400%، فضلًا عن التحرير الكامل للاقتصاد.

هذه التطورات أحس بها السوريون سريعًا، وفي عموم البلاد خلال الأيام القليلة التالية لهروب بشار الأسد. ولكن مع مضي شهرين على سقوط النظام، تراجعت فرحة ونشوة السوريين ليسود القلق والترقب إزاء حال ومستقبل الاقتصاد السوري.

من الناحية المالية، يعاني السوريون اليوم نقصًا كبيرًا في المعروض النقدي من الليرة السورية، وذلك نتيجة التقييد الكبير لحركة الحسابات في المصارف الخاصة والعامة. فأغلب هذه المصارف لا يسمح للأفراد ولا للشركات بسحب أكثر من نصف مليون ليرة سورية يوميًّا (أقل من 40 دولارًا بالسعر الرسمي). 

شح الليرة رفع سعرها أمام الدولار. وهذا ما وصفه وزير الاقتصاد السوري، باسل عبد الحنان، في الـ7 من فبراير/شباط، بالارتفاع الوهمي نتيجة مضاربات التجار.

توصيف الوزير السوري دقيق. فارتفاع الليرة يأتي وسط توقف شبه كامل لعجلة الاستيراد التي كانت من بين أهم أسباب انهيار الليرة السورية من مستوى 45 ليرة للدولار في 2011 إلى 15,000 قبيل سقوط النظام السوري السابق. 

665c8a82-1030-495f-8a94-bc82822d1683

ومع تأكيد الحكومة الحالية أنها رفعت كل قيود الاستيراد، فمن المرجح أن متابعة الليرة لانخفاضها هي مسألة وقت، وتحديدًا ما أن تتحرر الحسابات المصرفية لكبار التجار، والذين ألزمهم النظام السابق باستخدام ما كان يعرف بـ"منصة تمويل الاستيراد" والتي يقدر حجم الأموال المجمدة فيها حاليًّا بما بين 5 و8 تريليونات ليرة سورية (حوالي 600 مليون دولار).

تراجع الخدمات

هذا الملف ليس وحده ما يقلق السوريين. فهناك تململ متزايد إزاء تراجع خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات، حتى بالمقارنة مع الأيام الأخيرة للنظام السابق.

واستبشار موظفي القطاع العام بزيادة الأجور حل محله قلق متزايد مع تأجيل زيادة الرواتب إلى أجل غير مسمى، والتأخر بصرف الرواتب الأصلية، وتأكيد الحكومة أنها تعتزم تسريح ما يصل إلى 75% من إجمالي موظفي القطاع العام. 

هذه التفاصيل هي في الحقيقة مجرد أمثلة ناجمة عن استمرار الغموض الأخطر المتعلق بتغيير هوية الاقتصاد السوري، وبفهم الحكومة الحالية لهذه الهوية وكيفية الانتقال إليها. فالحكومة تتحدث عن التحرير الكامل للاقتصاد، ولكنها لم تكشف سوى التفاصيل الجذابة التي سيحققها هذا التغيير. 

وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، تحدث في منتدى دافوس، الشهر الماضي، عن السعي لتطبيق نموذج سنغافورة، وخصخصة منشآت القطاع العام، بما في ذلك الموانئ والمطارات والطرق والمصانع، وفتح الاقتصاد السوري أمام المستثمرين الأجانب. 

ولكن لم يتحدث أي من مسؤولي الحكومة عن التكلفة المالية والاجتماعية لهذا التغيير الاقتصادي، وما يعنيه بالنسبة للغالبية الساحقة من السوريين. 

مصر وتونس

هذا الطرح الطموح من قبل وزراء الحكومة السورية ظهر ما يشبهه في مصر، إبان حكم الإخوان المسلمين (2012-2013) وكذلك في تونس إبان حكم حركة النهضة. 

مجلة "الإيكونيميست" الاقتصادية البريطانية تساءلت، في الـ6 من فبراير/شباط، عن سبب حماسة الإسلاميين في الشرق الأوسط، خصوصًا مصر وتونس وسوريا، لاعتماد الليبرالية الاقتصادية. 

واعتبرت المجلة أن هذه الحماسة للخصخصة والليبرالية نابعة عن محاولة الإسلاميين التباين مع القوى القومية والاشتراكية التي حكمت سابقًا في الشرق الأوسط. ولكن ما لم تتطرق إليه مجلة "الإيكونيميست" هو ما إذا كانت تجارب الإخوان المسلمين في مصر، وحركة النهضة في تونس، نجحت أم فشلت، وما أسباب الفشل أو النجاح؟. 

من الصعب في هذه المساحة الضيقة أن نقدم تقييمًا وافيًا للتجربتين المصرية والتونسية، والدروس والعبر المحتملة بالنسبة لسورية. 

ولكن ما يمكننا قوله هو أن بعض أهم التحديات التي واجهت التجربتين المصرية والتونسية موجودة أيضًا، بل وبشكل أكبر في حالة سورية. 

الانتقال الاقتصادي السريع نسبيًّا يتطلب مساعدات مالية هائلة، وهذا ما لم يتوفر لمصر وتونس، ومن المشكوك به أن يتوفر لسوريا اليوم التي تحاول تغيير اقتصادها بعد أكثر من 12 عامًا على تعثر المحاولتين المصرية والتونسية. 

كما أن الغالبية الساحقة من الجمهور العربي لا تفهم التحرر الاقتصادي إلا على أنه يقدم المزيد من المكاسب، ويحسن مستوى المعيشة، بل ويضمن الانتقال نحو الرفاهية. 

وهذا الجمهور غير مستعد للقبول بإيقاف كامل أشكال الدعم لذوي الدخل المحدود – وعلى رأس ذلك الخبز والطاقة – والاضطرار إلى الابتعاد عن الوظائف الحكومية، السهلة نسبيًّا والتي تقدم دخلًا ثابتًا وتقاعدًا مضمونًا. 

ولا يبدو أن الحكومة السورية الجديدة قد أدركت دروس التجربتين المصرية والتونسية اللتين لم تصلا حتى لمرحلة رفع الدعم بالشكل الذي تنوي الحكومة السورية تنفيذه.

أخبار ذات علاقة

خبراء يحذرون من ظاهرة "خطيرة" تهدد الاقتصاد السوري

سعر الخبز المدعوم في مصر بقي ثابتًا لثلاثين عامًا، ولم يرفع إلا في مايو/أيار 2024. أما تونس فأعلنت، في ديسمبر/كانون الأول 2022، عن خطة لرفع الدعم عن الخبز تدريجيًّا، ولكن خلال أربع سنوات. 

وأما الحكومة السورية الجديدة، فقد رفعت أسعار الخبز المدعوم من حوالي 500 ليرة سورية للربطة الواحدة إلى 4,000 ليرة (أي من 3.7 سنت أمريكي إلى 30 سنتًا، وفق الأسعار الرسمية للدولار) مع التأكيد أنها ستنهي الدعم بالكامل خلال بضعة أسابيع أخرى. كما تؤكد الحكومة أنها ستصرف القسم الأكبر من موظفي القطاع العام خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة.

ولكن إذا لم يكن هناك تدفقات هائلة من المساعدات المالية والتقنية من الخارج، فالنتيجة الأكيدة ستكون زيادة هائلة في أعداد العاطلين عن العمل وارتفاعًا مهولًا في تكلفة المعيشة. فمتوسط الراتب التقاعدي الحالي (أقل من 300,000 ليرة سورية) بالكاد يكفي لشراء ربطتين يوميًّا من الخبز وفق الأسعار الحالية، بما لا يترك أي هامش للتعامل مع باقي النفقات المعيشية والالتزامات العائلية.

حلول راديكالية 

والمشكلة في هذه الحلول الراديكالية، التي تنوي الحكومة السورية تطبيقها في عجالة، هي أنها تدفع البلاد باتجاه سيناريو الاضطرابات والفوضى الاجتماعية، وتزيد احتمال ثورة الجياع، التي ترقبها كثير من المحللين في السنوات الأخيرة.

وفي حال تبني هذه الحلول الجذرية، وتدفق مساعدات مالية كبيرة من الخارج، فستضطر الحكومة لاستخدام هذه المساعدات لاحتواء الغضب الشعبي؛ ما يعني تبديد هذه المساعدات التي يستبعد أن تتدفق لفترة طويلة. 

وتكون النتيجة تكرارًا لما حصل مع لبنان الذي تلقى عشرات مليارات الدولارات من المساعدات العربية والغربية منذ نهاية الحرب الأهلية، ولكنه بدد هذه المساعدات في تثبيت سعر الليرة اللبنانية، وتأجيل الإصلاحات التي لا تحظى بالشعبية، وذلك إلى أن تفجرت الأزمة المالية في أكتوبر/تشرين الأول 2019. 

والآن يواجه اللبنانيون الحاجة إلى تطبيق الحلول الإصلاحية التي كان يجب تطبيقها بالشكل الصحيح منذ 35 عامًا. 

التشاؤم إزاء حظوظ الحكومة السورية في تطبيق التحرير الاقتصادي الكامل ينبع من أن سجل دول العالم الثالث، حتى غير العربية منها، في الانتقال إلى نموذج الاقتصاد الحر والخصخصة الكاملة لمرافق القطاع العام، يغص بالإخفاقات أكثر من التجارب الناجحة. 

التغيير الجذري

والتجارب العالمية الناجحة القليلة للتغيير الاقتصادي الجذري لم تحققها سوى البلدان التي حظيت بمساعدات دولية منهجية وكريمة وطويلة الأمد، كما حصل مع اليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من دول جنوب شرق آسيا بعد الحرب العالمية الثانية. وكما حصل مع دول أوروبا الشرقية بعد نهاية الحرب الباردة. 

في حالة دول أوروبا الشرقية، خصوصًا بولندا وهنغاريا، وضع الاتحاد الأوروبي خطته للمساعدة على الانتقال الاقتصادي، التي عرفت باسم "PHARE"، في 1989 وذلك قبل أن تبدأ بولندا وهنغاريا تنفيذ التغيير الاقتصادي في 1990. 

ومع نجاح برنامج "PHARE" في هذين البلدين تمت توسعته، ليشمل باقي دول أوروبا الشرقية. البرنامج قدم مساعدات مالية، ونقل خبرات مهمة لهذه البلدان، وساعدها على إعادة تأهيل القوى العاملة وتخفيض الدين العام والتضخم المالي. 

لا يتوفر لسوريا مثل هذه الخطط الواسعة. وتبدو الحكومة السورية مصرة على بدء التغيير الاقتصادي حتى قبل أن تتوفر تعهدات واضحة، من أي مصدر كان، بتقديم المساعدات المالية أو التقنية. 

ولعل هذا يعود إلى محدودية خبرات هذه الحكومة، بحسب ما يظهر في السير الذاتية لأعضائها، إذ لا يوجد في صفوفها أي شخص من حملة الدكتوراه، أو أي شخص ممن عمل في المؤسسات المالية الدولية. 

كما يجب ألا نغفل عن حجم الدمار الكبير الذي يعانيه الاقتصاد السوري، والفاتورة الهائلة لإعادة الإعمار ومعالجة آلام السوريين. 

في فبراير/شباط 2024، كشفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عن أن 30% من السوريين الذين تبلغ أعمارهم 12 عامًا فما فوق، يعانون إعاقات. 

هذه التفاصيل توضح أن الانتقال الاقتصادي في سوريا يتطلب عناية فائقة في وضع خطط التغيير وشرح متطلباته للمعنيين كلهم، في داخل وخارج سورية، إلا أن الحكومة السورية الحالية – وهي أصلاً حكومة انتقالية ينتظر منها المجتمع الدولي تنفيذ انتقال سياسي يضم السوريين كلهم– تبدو مستعجلة في البدء في التغيير الاقتصادي، وخصخصة مرافق القطاع العام، وهي خطوات تحتاج إلى تفويض شعبي، وغطاء دستوري، لا يتوفر حاليًّا. 

وهذا الغموض حول التفويض السياسي يمكن أن يقلق المجتمع الدولي، ويدفعه بدوره للجلوس، إلى جانب السوريين، وترقب اتضاح المشهد.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC