الفيلم الفرنسي "أوهام مفقودة".. رحلة طموح وتعثر في قالب سياسي

يصور الفيلم الفرنسي "أوهام مفقودة/Lost Illusions" الصادر أواخر عام 2021 والمقتبس عن رواية للكاتب الفرنسي أنوريه دو بلزاك، رحلة طموح وتعثر بين الشهرة وصعوبة تحقيق الأحلام، في عشرينيات القرن التاسع عشر في العاصمة باريس.

وتدور أحداث الفيلم في قالب سياسي وسط صراعات طبقية بين حكم النبلاء والثوار البرجوازيين، عقب الثورة الفرنسية وحكم نابليون بونابرت، ليعالج مواضيع سياسية واجتماعية ورومانسية.

حالة وجدانية وتورط

وتركز الحكاية على سيرة حياة لوسيان، الشاب المثقف والشاعر الموهوب، الذي يعيش في الريف، ويعمل في مطبعة، ويكتب قصائد رومانسية تعكس هواجسه الداخلية من عشق وهيام وتوحد صوفي مع الطبيعة والكائنات.

وتنقلب حياة لوسيان رأسا على عقب، حين يتورط في عشق لويز، البارونة المتزوجة التي تنتمي لطبقة النبلاء وتكبره سنا، وتصبح مُلهمته.

ويضطر العاشقان للفرار إلى باريس تجنبا للفضيحة وتبعاتها المؤذية في المجتمع المخملي، إلا أن لوسيان يجد نفسه وحيدا بعدما تخلى عن كل شيء من أجل محبوبته.

ونشهد حُب الذات الدفين مع تراجع لويز عن قرارها العاطفي عندما رجحت كفة الميزان لمصلحتها الشخصية، إذ إنها لا تستطيع أن تضحي بممتلكاتها وعلاقاتها مع النبلاء في سبيل الحب، فهروبها مع شاب يصغرها في العمر والطبقة الاجتماعية يمثل فضيحة كبرى من شأنها أن تصد جميع أبواب الامتيازات في وجهها.

ويصور المخرج صدمة لوسيان وخيبته ليجول في شوارع باريس وحيدا خائبا جائعا لا يمتلك المال، ما يخلق رابط تعاطف مع المتلقي.

انتقام سلمي

ويتسبب اختيار لويز لممتلكاتها وعلاقاتها مقابل الحب، بتحفيز مشاعر الذل والإهانة لدى لوسيان، فيفكر بالانتقام السلمي كأي شاعر يحارب بالقلم، وسرعان ما يثير جدلا واسعا في باريس من خلال نشره لمقالات جدلية.

ويركز العمل على عنصر الطموح الذي تفجر لدى لوسيان بعد خيبته، ليكون انتقامه من خلال إبداعه الفني، ونشهد تتالي أحلامه وإنجازاته في مجتمع لا يتذوق الشعر والفن ولا يفهم قيمة المسرح ولا يشعر بأهمية الموسيقى.

ويصور العمل تركيز المجتمع على المصالح والمال والعلاقات الشخصية والتنافس في نهب الآخرين وسرقتهم، فالسقوط في المجتمع الطبقي مسموح، ولكن الصعود والازدهار والانطلاق إلى خارج الحدود، من المحرمات.

صحافة

وتبدأ الحياة المهنية للشاعر ليعمل بداية كصحفي ساخر في جريدة للثوار، ليكتشف أن الحقيقة غير مهمة، ولا المستوى الفني ولا قوة التعبير، وكل ما يهم التركيز على الدعاية ونشر الشاىعات والعمل كمرتزق لمن يدفع أجرا ماديا أكبر.

ومن خلال قلمه، نجح لوسيان في شن حملات صحافية شوهت سمعة النبلاء، ما دفعهم إلى التفاوض معه والمطالبة بهدنة، مقابل السماح له بالدخول إلى مجتمعهم المنافق، ولقاء محبوبته السابقة مرة أخرى. وتتوالى المغامرات في قالب من التشويق.

وركز العمل على الوصف، مقدما تصورا لباريس في القرن التاسع عشر، حيث تمر بمرحلة انتقالية، من خلال الديكور وانتقاء الملابس والعربات والقصور والشوارع وأماكن التصوير، وأدق التفاصيل التي تأخذ المُشاهد في رحلة افتراضية بعيدا عن التقنيات الحديثة.

وقدمت الكاميرا لقطات احترافية وزوايا جذابة واضحة ومتقنة، وتناغمت مع ألوان تناسب الحقبة الزمنية في باريس.

ونجح الفيلم في تجسيد عمق معين ساعد في خلود الرواية الأدبية، من خلال عمل سينمائي مصور.

آراء نقاد

قال الناقد الإيطالي أندريه دي فينكو، إن "المتابع يشهد تجربة صعود وسقوط لوسيان في رحلته المجنونة نحو المرتفعات الأدبية بين عالم الشعر والقصائد وسراديب الصحافة والمقالات الساخرة الجدلية، فضلا عن مغامراته العاطفية وتقلبات حياته بين المؤامرات والسلطة والعلاقات، فكانت رحلة يجب أن نتعرف إليها بمتعة"؛ وفقا لموقع ماد ماس الإيطالي.

وعُرض العمل لأول مرة في مهرجان البندقية السينمائي الـ78، وحصل على 15 ترشيحا في حفل توزيع جوائز سيزار الـ47، وفاز في 7 فئات، بما في ذلك أفضل فيلم، وأفضل سيناريو مقتبس، وأفضل تصوير سينمائي، وأفضل ممثل مساعد، وأفضل ممثل.

والعمل من إخراج وسيناريو كزافييه جيانولي، وشاركه في كتابة السيناريو جاك فيشي. وشارك في بطولته بنيامين فويسين، وكزافييه دولان، وفنسنت لاكوست، وسالومي ديويل، وسيسيل دو فرانس، وجين بالبار.