logo
منوعات

دع أطفالك يعارضونك

دع أطفالك يعارضونك
21 مايو 2022، 1:47 م

علينا أن نحب أطفالنا كما هم، هذا الإقرار يبدو بديهيًا للوهلة الأولى، عندما يدخل طفلنا في حياتنا نريد له الأفضل ونتمنى له السعادة ونعده بمستقبل هادئ.

حبك يرافق طفلك مهما كان الثمن، وستكون دائمًا بجانبه لمساعدته، مع الكثير من النوايا الإيجابية التي من الواضح أنها تؤمّن للطفل الأمان العاطفي الضروري لنموه السوي.

وراء حب الآباء حماقات كثيرة

ومع ذلك، وراء هذا الحب الهائل تختفي كل حماقاتنا كآباء، فمن خلال الرغبة في أن نكون آباءً متنبّئين للمستقبل من خلال حساب وتوقع كل شيء مقدمًا حتى نجنب الطفل من أن يواجه أي صعوبة، ومن خلال الرغبة المفرطة أحيانًا في حمايته، فإننا نمنع أطفالنا دون وعي منا مِن تحقيق مسار حياتهم.



هل نحن مهيّئون حقًا للترحيب بطفلنا كما هو؟ هل نحن مستعدون حقًا لنحب أطفالنا في كل مسارهم من الخيارات والتغييرات والجروح والحقائق؟ هل نحن مستعدون حقًا كآباء للترحيب بقوة تَأنُّس (أي تَجَسُّدّه) طفلنا هذه؟

هل نحن مستعدون لاحترام خياراتهم؟ هل نحن مستعدون لفهم مسارهم كله والتفاعل معه؟

في تقرير لمجلة lesmotspositifs تقول الأخصائية نيللي ديلاس – وهي مؤلفة ومدربة في الكتابة العلاجية – "هذه أسئلة أساسية اليوم، يجب طرحها في التربية الأبوية الإيجابية.

لا تستند مسؤولية الوالدين فقط على الاستجابة للاحتياجات وفقًا لمقياس العالم النفسي الإنساني الأمريكي أبراهام ماسلو، بل هي أيضًا وقبل كل شيء تحديد موقع الوالدين لضمان اعتبار طفلهم ككائن كامل يجب أن يشق وينجز طريقه في الحياة.

ما أكثر الآباء الذين يجدون أنفسهم في مواجهة اختيارات أبنائهم ولا يفهمونها بل وحتى يرفضونها، وكيف يمكن أن يكون هذا الحب مُرافَقة جنبًا إلى جنب حتى لو كان يثير في أعماقك أشياء غير مريحة ومزعزعة للاستقرار عندك كأب بالغ وناضج؟.

ما هو الموقف الأبوي الذي يجب أن نتبناه للسماح لأطفالنا بتحقيق شخصيتهم الأصيلة؟ فكيف يمكننا إذن أن نحب أطفالنا لطبيعتهم؟

كيف نحب أطفالنا كما هم؟

لسنا مطالبين بأن نكون آباء مثاليين بالضرورة، ولكن علينا أن نكون آباء في حضور كامل، عندما يصل طفل إلى الزوجين الأبوين فإننا نحبه بالفعل وسنقوي هذا الحب بمرور الوقت، لكن من الواضح أننا أحيانًا نحطم أحلام أطفالنا بشكل أخرق بسبب حب خانق يكبح قوّة كونهم أطفالًا.





وراء تربيتنا الأبوية نجدنا نقيم في كثير من الأحيان وبشكل لا إرادي ودون وعي في بعض الأحيان حواجز سرعان ما تصبح عقبات معيقة.

وعندما لا ينجح الطفل في حياته المهنية، على سبيل المثال، وفقًا لنموذجنا سنشعر بخيبة أمل ونشكك في شرعيتنا الأبوية في التعليم الذي قدمناه له.

سنشك في حمايتنا المفرطة المحتملة، وفي جودنا المفرط، وما أكثر الأسئلة العادية التي تبلبلنا، لقد سعينا طوال طفولتهم إلى تزويدهم بالأمان العاطفي والمادي، ونصاب بالصدمة أحيانًا عندما لا يلوح المستقبل كما كنا نتوقعه ونتمناه لطفلنا.

لكن المشكلة الحقيقية هي أنه من خلال هذا التعليم الأساسي نتوقع نوعًا من المعاملة بالمثل، "أعطيتك كل ما تحتاجه والآن أريد أن ترد لي كل ما قدمته لك".

هذا الموقف الأرعن الذي نتبناه جميعًا في مرحلة ما كآباء موقف نرجسي، في الواقع، من خلال طفلنا، نسعى ببساطة إلى إصلاح ما لم نتمكن نحن أنفسنا من تحقيقه بأنفسنا.

إننا نُسقِط أحلامنا على أطفالنا ونتوقع منهم أن يستمروا في هذا الانتقال العائلي.

بل إننا نطالب بواجب الإنجاز هذا من جانبهم. على أي حال، نعتقد أننا آباء مثاليون ومُرشدون أساسيون للنجاح الذي نعتقد رؤيته عند أطفالنا عندما نحمّلهم مسؤولية تحقيق النجاح هذه.

لكنّ هذا طُعمٌ ستكون له عواقبه؛ لأننا نعيق الإنجاز الحقيقي لطفلنا، ولسنا هنا في دورنا الأساسي كآباء، وهو أن نكون حاضرين تمامًا في حياة أطفالنا لنمنحهم الثقة الكاملة في الحياة.

ليس الحضور الجسدي هو المقصود هنا، وإنما الحضور الواعي الكامل، وهو الترحيب بالآخر في خصوصياته الفردية.

علينا أن لا نكسر أحلام أطفالنا. دعونا نرفعها إلى أعلى مستوى ممكن في تحقيقها من خلال السماح لها بالتعبير عن نفسها كما هي.

فلنشعرْ بخيبة أمل إذا لزم الأمر، فلنتحكم في إحباطنا وغضبنا وندعهم يكونون كما هم، مهما حاولتَ أن تكون كاملا ومثاليًا من خلال تلبية كل مطالبهم فثق أنك لن ترضيهم كما ينبغي أن يكون الرضا.

إذا كان طفلك يعارضك فذلك لأنه يؤكد استقلاليته وتفرّده، اسمح له بذلك! أحِبْه كما هو حتى لو صعب عليك تحمّله!

يمكن للطفل أن يفاجئك ويذهب لمقابلتك في الحيز الذي لم تكن تتخيله كأب، هذا هو الحضور الكامل، أن تكون في مكان القلب مع طفلك، في المكان الذي لم تكن تفكر فيه أبدًا، المكان الذي يجب أوّلا أن تسامح نفسك فيه، لأنك لم تتمكن من أن تنجز ما كنت ترغب فيه بعمق.

فلندع أطفالنا يحققون ذواتهم

الحب الذي نمنحه لأطفالنا لا حدود له، إنه هائل وقوي ويكشف عن كل ما يمكننا تقديمه لمرافقة أطفالنا في مسار حياتهم، كما يوفر هذا الارتباط بين الآباء والأطفال حبًا غير مشروط سيظل يربطنا طوال حياتنا.





إذا كان لهذا الحب الأصيل كل أسباب الوجود، وكان دافعًا في حياة الأطفال، فهو، مع ذلك، الحب الأكثر حساسية لأنه الحب الذي سيضع الأسس العاطفية والانفعالية اللازمة لكي يشعر الطفل بأنه محبوب، ولكنه أيضًا الحب الذي سيحدد ثقة طفلك في إنجاز ذاته.

هذا الحب الأبوي يمكن أحيانًا أن يجعل الأب يسعى لبرمجة طفله بغرض مصلحة إيجابية وهي النجاح في حياته.

لكن ما الذي يعنيه النجاح حقا؟

ألا يكمُن النجاح الحقيقي في سعادة وجودك، وإيجاد مكانك الحقيقي بصفتك فردًا؟

هذا الحب الأبوي يمكن أن يحرم الطفل من الازدهار الكامل، لأنك تمنعه من تحقيق نفسه بجعل هذا الحب مشروطًا مقيّدًا في روحه. يجب أن يترك الحب الأبوي للطفل إمكانية تجاوز نفسه وحده، وعدم النجاح في كل شيء. فلكي يحقق ذاته بالكامل يجب أن يتعلم الطفل أيضًا أشياء غير سارة، يجب أن يبني صموده ومرونته ببساطة على النحو التالي:

• حين يقع فينهض بمفرده.

• حين يصاب بجرح فيعالج نفسه أو يطلب المساعدة.

• حين يرى والديه يبكيان فينمو تعاطفه.

• حين يرى والديه يجادلان يتشاجران، حتى يفهم أننا لسنا جميعًا متفقين بالضرورة.

• حين يرتكب أخطاء، حتى يتعلم كيف يصلح خطأه وبشكل أفضل.

• حين تثبَط عزيمته، حتى يدرك النجاحات المحتملة الأخرى.

• حين يجادل الآخرين، حتى يؤكد ذاته ويناقش.

والعديد من الأشياء الأخرى المزعجة والمبلبلة، فالكثير من المراحل التي تمنعنا أحيانًا نحن الآباء من أن نترك لأطفالنا حرية ممارسة حياتهم خوفًا من أن يعانوا ومن أن يضعفوا.

علينا محبة أطفالنا كما هم تعني السماح لهم بأن يحققوا ذواتهم في كل مظاهر الحب الذي نجلبه لهم، ولكن أيضًا في كل تلك اللحظات غير المستقرة وغير المريحة التي ستساعدهم على بناء أنفسهم وعلى أن يصبحوا كائنات مرنة وصامدة ومقاومة في مواجهة المحن والشدائد.

كلما كان الطفل في قلب الحياة، بجروحها وصعوباتها وأفراحها وسعادتها، حقق ذاته وأصبح بالغًا صادقًا مع نفسه ومع الآخرين.

يستند الإنجاز البشري الحقيقي على السعادة التي يتم تعلمها وتنفيذها من خلال سلطتنا الحقيقية، وكل هذا يتم إنشاؤه من هذا الحب الممتد، الذي لا يمكن التنبؤ به، والبسيط للغاية.





إن الطفل الذي يحظى بحب كامل دون إخفاء أسرار الحياة عنه سيحظى بإدراك عمق الحب، ويكون قادرًا في المقابل على تقديم هذا الحب بنفس الطريقة للآخرين.

كل الأطفال مختلفون ويأتون إلى آبائهم في تجسد بديهي يميزهم ويخصهم، نتعلم كل شيء من أطفالنا الذين لا يتوقفون عن إرسال إشارات تعليم بسيطة إلينا قائم على الأسس الأساسية للترحيب بالآخر كما هم. فهذا هو الحضور الحقيقي. نعم، الطفل الذي تحبه أكثر من أي شيء آخر قادر على أن يقول لك إنه سئِم من الحماية الزائدة أو الشرنقة المفروضة عليه، أو على العكس، أنه سئم من افتقاد الحب الحقيقي.

الأمر متروك لك أيها الأب لتحب طفلك كما هو، من خلال قبول ما سيقوله لك، وبالتالي مع تكييف طريقة معاملتك له.

طريقة الوجود هذه ليست من أجل أن تطمئنّ نفسك، ولكن لمساعدة طفلك على تحقيق ذاته في حياته.

نحن جميعًا قادرون على القيام بذلك كأباء وككبار. إن مسؤوليتنا الأبوية الحقيقية، كرجال ونساء هي: دعونا نحب أطفالنا كما هم ونتوقف عن الاعتقاد بأن مستقبل أطفالنا بأكمله يعتمد علينا.

أطفالنا هم المبدعون الوحيدون لوجودهم، وسيتعين عليهم بالضرورة المرور بتجارب ونجاحات. لنكن بملء قلوبنا من أجلهم.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC