عاجل

واللا: على قادة الجيش التكيف في حال تعيين ساعر وزيرا للدفاع وإلا ستحدث استقالات بين كبار القادة

logo
منوعات

الزجاج اليدوي السوري.. تراث عالمي يواجه شبح الاندثار

الزجاج اليدوي السوري.. تراث عالمي يواجه شبح الاندثار
01 فبراير 2024، 2:24 م

يشكل "التراث اللامادي" هوية الدول، ويسهم في تأريخ حياتها، ومن ذلك "نفخ الزجاج" في سوريا التي احتفلت، مؤخرًا، في خان أسعد باشا في العاصمة دمشق، بإدراج الزجاج المنفوخ اليدوي السوري على لائحة التراث الإنساني.

وفي معرض بعنوان "جمال التكوين وعراقة الصنعة" أكدت وزيرة الثقافة لانا مشوح أن سوريا لديها الكثير من عناصر التراث التي تعاني من مشكلة بسبب الحرب وأجواء الحصار المفروضة، وقالت: "هناك مواد أولية من الصعب تأمينها، ونقص في الكهرباء والوقود، وكل هذا وغيره يؤثر على الحرفيين".

ونجحت سوريا، نهاية العام الفائت، في إدراج عنصر سادس باسمها على قوائم التراث الإنساني العالمي، بعد الصقارة والقنص، ومسرح خيال الظل، والوردة الشامية، والقدود الحلبية، وصناعة الأعواد والعزف عليها.

وقالت منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم (اليونسكو) إنه تم إدراج "نفخ الزجاج السوري التقليدي"، وهو حرفة أصيلة على قائمة التراث الثقافي "اللامادي" الذي يحتاج إلى صون عاجل.

وتشير عبارة "الصون"، بحسب اتفاقية "صون التراث الثقافي اللامادي" التي أقرتها اليونسكو، في أكتوبر/ تشرين الأول العام 2003، إلى "تدابير ضمان استدامة العنصر التراثي بما في ذلك تحديده، وتوثيقه، وإجراء البحوث بشأنه، والمحافظة عليه وحمايته وتعزيزه وإبرازه ونقله، وإحياء مختلف جوانبه".



أبًا عن جد طيلة 300 عام

محمد الحلاق، الذي يصر على وصفه بلغة أجداده الدمشقيين (شيخ حرفة النفخ على الزجاج وليس شيخ الكار باعتبارها كلمة تركية) يؤكد في لقاء مع "إرم نيوز"، أن "الدمشقيين هم أول من نفخ الزجاج في العالم، حيث كانت المعامل منتشرة في دمشق، وخلال الحرب أغلقت جميعها ولم يبقَ إلا معملنا".

وقال الحلاق (أبو نعيم): "أعمل اليوم و 5 فقط من أفراد عائلتي (الشهيرة ببيت القزّاز) في هذه المهنة التي توارثناها أبًا عن جد طيلة 300 عام، وما زلنا نمارسها بذات الطريقة التقليدية".

ويشرح الحلاق: "يقوم الحرفي بوضع قطع من الزجاج داخل فرن من الطوب مصنوع يدويًا حتى تنصهر، ثم يلف الزجاج المنصهر حول أنبوب حديدي مجوف ينفخ فيه حتى يمتلئ الزجاج، مستخدمًا ملقطًا معدنيًا لتشكيله بالشكل المرغوب ومن ثم يستخدم نقطة من الماء لفصل قطعة الزجاج عن الحديد".

ويضيف: "يتميز نفخ الزجاج الدمشقي باستخدام الأصباغ لتلوينه أثناء ذوبانه أو للتزيين بعد التبريد بالألوان الأبيض والأزرق والأخضر والقرمزي، لكن نعاني، اليوم، من غلاء المواد المستخدمة في صباغة الزجاج ومنع استيرادها بسبب العقوبات على سوريا".

كما يستذكر الحلاق كيف اضطُر وشقيقيه إلى العزوف عن ممارسة الحرفة لمدة 8 سنوات بسبب الحرب وتساقط القذائف في المنطقة التي يقع فيها مشغله بباب شرقي على أطراف دمشق، بالقول: "لكن الحرب فشلت في إجبارنا على إغلاق المشغل يومًا واحدًا منذ افتتاحه العام 1969".



وقال الحلاق: "مهنة نفخ الزجاج، فن، تحتاج إلى السرعة والمهارة والدقة العالية والصبر على التعامل مع النار صيف شتاء معتمدين فقط على مراوح هوائية، تعلمها البشر من الجن "الخيّرين" في عهد سيدنا سليمان، كما روى لنا الأجداد".

وأضاف: "ظل توارث الحرفة حتى وقت قريب حكرًا على الأولاد الذكور والأحفاد منهم ولم يكن من المسموح لابن الصهر (زوج البنت) تعلمها وأخذ سرها، وهذا ما هدد باندثارها كمعظم حرف العائلات الدمشقية".

ويستدرك الحلاق: "أصبح هذا الاحتكار من الماضي، يسعى الحرفيون، اليوم، إلى تعليم وإحياء حرفهم بتعليمها للجيل الجديد"، وهذا ما أكده رئيس جمعية الحرفيين السوريين فؤاد عربش كجزء من الإستراتيجية الوطنية لصون هذا التراث.



وقال عربش: "تحت شعار (حرفتي هويتي)، أطلقت وزارات الصناعة والثقافة والشؤون الاجتماعية بالتعاون مع اتحاد الحرفيين والأمانة السورية للتنمية ووثيقة وطن، دورات تدريبية على الحرف التراثية، بالمجان، في خان الزجاج بباب شرقي".

وأشار عربش أن "الصعوبات التي تواجه من بقي من الحرفيين بعد أن هاجر من هاجر وأغلقت معظم الورش تتمثل بالغلاء، وارتفاع سعر الصرف أثر سلبًا على أكثر من 40 حرفة تراثية والتي لحقت أسعار موادها الأولية بالدولار ما انعكس على السوق الداخلي وضعف القدرة الشرائية للمواطن على مجاراة أسعار القطع المشغولة يدويًا".

إضافة إلى "توقف السياحة بسبب الحرب والمشاركات الضعيفة في المعارض الخارجية والتي اقتصرت خلال سنوات الحرب على الهند وإيران، وغلاء أسعار المحروقات، وارتفاع نسبة الضرائب المفروضة على الحرفيين". 

وفي ورقة بحثية بعنوان "التراث الثقافي السوري" قدمها الصحفي السوري نضال معلوف، في العام 2018، لمنصة "الحوار التقني السوري لدى برنامج الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا"، قال معلوف: "مع أنه لا توجد دراسات أو تقارير تشير كيف تأثرت بعض المهن بالحرب، إلا أنه وبمقارنة منطقية نخشى أن يكون كثير من أوجه هذه المهن والفنون المرتبطة بالتراث الثقافي قد تأثرت بشكل سلبي، لناحية عدم القدرة على تسويق نتاجها وتأمين الموارد الأولية والمادية لاستمرارها".

وأضاف معلوف: "مصادقة سوريا على اتفاقية صون التراث، العام 2004، لم تنعكس على التشريعات والقوانين السورية، ولم يسبق أن وضعت إستراتيجية وطنية لصونه.. وبالتالي، فإن قياس موضوع تراجع الخدمات في هذا القطاع غير ممكن لحداثة عهد اهتمام الحكومة السورية بالتراث غير المادي".

واستدرك: "لكن يمكن القول إن الخدمات في هذا الخصوص تأثرت إيجابيًا، حيث اتخذت بعض الخطوات لحصر وتوثيق الأنشطة ضمن هذا القطاع من قبل وزارة الثقافة بالتعاون مع الأمانة السورية للتنمية"

سباق مع الزمن

قبل 12 عامًا، وتحديدًا قبل اندلاع الحرب بأشهر، أطلقت سوريا حملة وطنية لتوثيق تراثها الثقافي "اللامادي"، بهدف إحيائه ووقف اندثاره، لا سيما الشفاهي منه.

هذا التراث الذي يمثل روح المجتمع السوري وخلاصة مخزونه الفكري الإبداعي وهويته الإنسانية، والمتوارث جيلاً عن جيل، كان على الدوام مهدد برحيل من يحفظونه ويعيشونه من الآباء والأجداد قبل أن يتوارثه عنهم الأبناء والأحفاد.

ويشمل التقاليد والأمثال الشعبية والعادات والطقوس في الأفراح والأحزان، والفلكلور الشعبي كالأهازيج والرقص والدبكة والمولوية والغناء والموسيقى والأساطير والسير الشعبية والحكايات ومسرح خيال الظل (كراكوز وعواظ)، وكذلك المهارات المرتبطة بالحرف التقليدية. ثم جاءت الحرب، وعصفت بكل تلك الجهود.

وساهمت جهود الأمانة السورية للتنمية، وهي منظمة سورية غير حكومية، وتعمل كجهة استشارية معتمدة في اليونسكو، في مجال صون التراث الثقافي اللامادي والترويج له في الإشراف على إعداد ملفات ترشيح لعناصر التراث الثقافي اللامادي لتسجل على قوائم التراث الإنساني في المنظمة.

وقام مشروع روافد، وهو المشروع الثقافي لدى الأمانة والذي تركز برامجه على الاستفادة من نقاط القوة في القطاع الثقافي السوري. قام بتوثيق 100 عنصر من عناصر التراث الثقافي السوري اللامادي، كما ويسعى لبناء إطار قانوني أكثر شمولاً لحماية التراث الثقافي السوري.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC