قدموا أول أغنية في التاريخ.. كيف غيّر العرب وجه الموسيقى؟

غيّر لوح "إتش 6" المكتشف في مدينة أوغاريت القديمة بسوريا، التاريخ الموسيقي والغنائي في العالم، حيث كان اللوح جزءًا من 29 لوحًا من الصلصال اكتشفت في المكان، وتعود إلى 3400 سنة قبل الميلاد.

ونُقش على لوح "إتش 6"، أقدم كتابة موسيقية، وأقدم نص لأغنية عرفها التاريخ. ولاحقًا تطورت الموسيقى والأغنية في سوريا والعالم العربي خلال العصور المختلفة، لكن التطور توقف بعدها، وبدأت مرحلة الانحدار.

ويبدو الشباب مغرمين بالأغاني والموسيقى الأمريكية، مثل الراب والهيب هوب، كما يقلدها الكثير من المطربين الجدد، وبعضهم يتأثر بمايكل جاكسون أو شاكيرا أو غيرهما.

فهل اختلفت الذائقة؟ ولماذا نقلد أغنيات الغرب وموسيقاه، رغم امتلاكنا إرثًا موسيقيًا غنائيًا غنيًا؟ هل لأننا نجهل تاريخنا الغنائي والموسيقى؟ كيف يمكن لمن اخترع أول أغنية وأول نوتة موسيقية في التاريخ، أن يقلد الآخرين، ويهمل بصمته الخاصة؟.

قطيعة موسيقية

ويؤكد الباحث التاريخي الدكتور عبد الوهاب أبو صالح، لـ"إرم نيوز"، ثراء التاريخ السوري، ويذكر عدة مواقع أثرية اُكْتُشِفَت الآلات الموسيقية فيها، مثل شهبا في السويداء، و"حالولا" شمال حلب العائدة للألف السابع قبل الميلاد.

لكن المطرب الشاب محمود الحداد، يقرّ بأنه لا يمتلك معلومات عن أقدم نوتة موسيقية وأقدم أغنية اكتشفت في أوغاريت.

وأضاف لـ"إرم نيوز": "لا نمتلك معلومات كافية عن تاريخنا الموسيقي القديم. ربما لأن توثيقه لم يتم بشكل تام. فما وصلنا هو بعض التواشيح الدينية التي وُثقت بدمشق وحلب، لكن معرفة تلك الحقب ما زالت شحيحة".

وواكب تطور الموسيقى في الشام، تطور آخر في الرافدين. وتقول دكتورة التاريخ، عطاء رعد أبو الجدايل، لـ"إرم نيوز": "شهدت الحضارة السومرية في العراق، نهضة موسيقية منذ 3500 قبل الميلاد، فالمنحوتات والأواني والمزهريات، حملت أشكالًا متعددة للأدوات الموسيقية، وهو ما يؤكد تطور الموسيقى في ذلك العصر".

وفي العام 2008، تمكن الموسيقار السوري مالك جندلي، من وضع الإيقاع والهارموني، لموسيقى أوغاريت المكتشفة، بعد أن فكّ العالم راؤول فيتالي رموزها، وقدم مقطوعاتها برفقة الأوركسترا الروسية.

ويرى الدكتور عبد الوهاب أبو صالح، أن تأخر اكتشاف التراث الموسيقي القديم، وعدم استمرار التنقيب لإزاحة الغبار عنه بشكل كامل، أثر على الذائقة الموسيقية لدى الأجيال، وجعلهم يعيشون نوعًا من القطيعة مع تراثهم الموسيقي والغنائي.

الموسيقي السوري نزيه أسعد، قائد فرقة "أوركسترا الموسيقا الشرقية"، أكد لـ"إرم نيوز"، أن اختلاف الذائقة بين عصور ما قبل الميلاد، والعصر الحاضر، أمر طبيعي، وأضاف: "لكن اكتشاف أقدم نوتة موسيقية في أوغاريت، يمنح ذائقة الشباب حصانة من التقليد الأعمى للآخرين".

"إرم نيوز"، استطلع آراء عدد من الشباب المغرمين بموسيقى الراب والأغنيات الأجنبية، حول التراث الموسيقي القديم ونوتة أوغاريت الشهيرة، فأكدوا جهلهم بها، رغم تقديمها في عدة أمسيات منذ العام 2008، ووجود تسجيلات لها على الإنترنت.

 

التقليد أعمى

ويعترف قائد فرقة "أوركسترا الموسيقا الشرقية"، الموسيقي السوري نزيه أسعد، بأن ذائقة السماع ليست نفسها عبر العصور، بل تتطور وتختلف بشكل طبيعي. لكنه يرفض الجهل بالتاريخ الموسيقي أو اللجوء لتقليد الآخرين، ويضيف:

"التقليد الأعمى للثقافات الأخرى، فشل إبداعي. والتقليد المبصر، يمكن أن يتحول لنجاح، في كل الأحوال لا بد من الاعتماد على ينابيع الموسيقى الشرقية الخالية من الشوائب والهشاشة".

ويعود أسعد إلى العصر الأموي والعباسي والأندلسي، وما رافقهم من نهضة موسيقية غنائية كبيرة، يجب أن ينهل منها فنانو اليوم. ويضيف:

"نسي هذا الجيل أن العرب وضعوا أسس الموسيقى قبل غيرهم. وأن الموسيقى الشرقية، عالمية بإبداعها. وهذا لا ينفي الموسيقى الشعبية والكلاسيكية عند الشعوب الأخرى في العالم".

وتقول الدكتورة عطاء: "تطور الموسيقى ودورها في الحياة الاجتماعية، أمر تثبته التنقيبات الأثرية، هو دليل تطور حضاري في جميع مناحي الحياة، تلك الينابيع يجب أن ينهل منها الجيل الجديد".

ويحذر أسعد، من الفنون "الفقاعية"، التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتشوه أجيالًا كاملة. ويضيف:

"يجب تسويق الموسيقى الجادة، لتتمكن الأجيال من معرفتها بشكل جيد؟ فشباب اليوم وجدوا أنفسهم مضطرين لتبني التشوه، في ظل غياب الوعي الموسيقي، والجهل بالتراث، وجيلنا هو السبب".

ما سمّاه أسعد بانتشار كاسح للفنون الفقاعية، كرّسته السوشيال ميديا، بات يحتاج خطة طوارئ عاجلة، تنقذ أحفاد نوتة أوغاريت، من سطوة الراب والهيب هوب ومايكل جاكسون وشاكيرا وغيرهم.. فهل نفعل؟.