الكرملين: اتفاق روسي أمريكي على تشكيل لجان خبراء لتسوية الأزمة الأوكرانية
لا يوجد أصدق من المثقف لتشخيص اللحظة الراهنة ولا يوجد أفضل من المبدع لاستشراف المستقبل ووضع خارطة طريق لتجاوز مأزق الواقع إلى رهافة الحلم.
هنا يتحدث عدد من المثقفين والأدباء والشعراء السوريين لـ"إرم نيوز" عن رؤيتهم لما يحدث في بلادهم وأحلامهم لسوريا ما بعد الأسد.
كيف يرون الماضي وكيف يكتشفون الحاضر، والأهم كيف يتطلعون إلى المستقبل؟
منذ فجر الثامن من كانون الأول، كلما استيقظتْ صباحاً الكاتبة الروائية ريما بالي تنظر إلى المرآة وتذكّر نفسها وهي تقول: "ارفع راسك فوق أنت سوري حر"، ثم تبتسم.
"أن تكون سورياً وحراً في الوقت ذاته، لهي معادلة لم نعتدها"، تقول ريما وتضيف: "تجرأنا على الحلم بتلك المعادلة قبل 13 عاماً، ثم اغتُيل هذا الحلم، أو ربما اعتُقل ورُمي في أحد أقبية سجون النظام، وخرج اليوم إلى النور متعباً، محطماً، مصاباً، لكن مبتسماً وشامخاً، ومتعطشاً للحياة".
وبحسب الروائية السورية التي وصلت روايتها "خاتم سليمي" إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العالمية "البوكر" في دورتها الماضية، فإنه "لا عودة إلى الوراء، اليوم، ومن يترحّم على النظام السابق والحقبة التي أمضتها سوريا تحت سيطرته، مشكوك بإنسانيته ووطنيته، بعيداً عن سياسة التخوين المقيتة."
وحول المخاوف من المستقبل، تكتسب نبرة ريما بالي الكثير من الوضوح وهي تُذكّر بقول المتنبي: "أنا الغريق فما خوفي من البلل؟"، مؤكدة أن "السوريين يشبهون اليوم غريقاً طالعاً من البحر إلى جزيرة مجهولة لاحت له بعد ضياع طويل".
وتضيف: "هم ليسوا متأكدين مما ينتظرهم فيها، إمكانيات النجاة موجودة إلى جانب إمكانية الموت. بكل الأحوال، هم سعداء أن ربحوا فسحة صغيرة من الأمل، اليوم استلموا مشروع دولة وسيحاولون بكل الإمكانيات أن ينفذوا هذا المشروع، يعون تماماً حجم التحديات الكبيرة التي قد تلامس حدود الاستحالة، لكنهم تعلموا من الحياة أن لا شيء مستحيل".
وترسم بالي ملامح الحلم والمستقبل المنشود قائلة: "نطالب بدولة مدنية، ونحلم بحكومة تمثل كل أطياف الشعب، وقبل ذلك، بدستور يضمن حقنا في اختيار السلطة ومحاسبتها وحجب الثقة عنها إن هي أخلفت عهودها ولم تحسن التنفيذ".
وتعترف الروائية والناقدة سوسن جميل حسن أن "سقوط الديكتاتوريات يترك خلفه بصمة ألم مديدة، وجرحاً يلزمه وقت كي يشفى، ووعياً مشوشاً أيضاً، فهذه النقطة مهمة ويجب أن تبقى في البال كي نفهم كل المظاهر وردّات الفعل التي تصدر عن شرائح متنوعة في المجتمع".
وترى أنه "هنا يكمن دور المثقف ومسؤوليته في رصد أداء الطرف الذي يستلم إدارة البلاد في هذه المرحلة، ورصد التفاعل الشعبي معه، وقول كلمته عند اللزوم، فمستقبل سوريا اليوم على المحك، والضجيج والفوضى والترقب سيدة الموقف".
وبحسب صاحبة "اسمي زيزفون" و"خانات الريح" و" النباشون"، فإنه "على المثقف السوري التذكير دائماً بأن الصراع هو بين الاستبداد والديمقراطية، فالشعب الذي انتفض في 2011، انتفض من أجل الحرية والكرامة وتحرير الدولة من قبضة نظام جعل منها دولة قمعية فاشلة، لا من أجل إحلال نظام شمولي متطرف".
وترى سوسن أنه "منذ اليوم التالي لسقوط نظام الاستبداد، تبدأ مسيرة أخرى نحو الغد، مطلوب من المثقفين مواكبة هذه المسيرة وحماية دربها، وهذه مسؤولية جسيمة تكتنفها تحديات كبيرة، يمكن لهم ممارسة دورهم، باجتماعهم وتشكيل قوى ضاغطة أمام الرأي العام، والتعبير عن آرائهم من على كل المنابر بمنتهى الوضوح والجرأة والنزاهة".
وتحذر من "بعض المثقفين الذين يمكن أن يسارعوا إلى إشهار علامات التأييد كرفع علم الثورة على سبيل المثال، من دون أن يترجم هذا السلوك إلى فعل مقترن بموقف ينسجم مع أطروحاتهم حول الشعارات التي تنادي بها ثورات الشعوب الطامحة بالتحرّر".
وتشدد سوسن على مجموعة أهداف تتمنى أن تبقى بكامل زخمها منها "التعددية، الديمقرطية، سلطة الشعب، التركيز على دور المرأة وحمايته، المواطنة مقابل محو كلمة أقليات كما يجري تداولها".
ويؤكد الشاعر والكاتب هوشنك أوسي على جملة من الحقائق التي يجب ألّا تغيب عن البال منها أن "سوريا مجتمعٌ متنوع ومتعدِّدُ القوميّات والأديان والطوائف والمذاهب، فشل الحزب القومي الأحادي الجانب في إدارتها، وستفشل أي جماعة دينيّة أحاديّة في إدارتها"، مشيراً إلى أن "السوريين لم ينتفضوا على نظام الأسد كي يستبدلوا استبداد الحزب والطائفة والعائلة والزعيم الأوحد، باستبداد وفاشيّة الجماعة الدينيّة."
وبحسب الكاتب الذي فازت روايته "وطأة اليقين" بجائزة "كتارا" عام 2017 ، فإن "النظام في (سوريا المستقبل) ينبغي أن يكون مرناً، عادلاً، متوازناً، لا مركزيّاً، ليبراليّاً، مدنيّاً، ديمقراطيّاً، وطنيّاً، يستجيب لاستحقاقات التنوّع القومي، الديني، المذهبي،الثقافي، السوري".
إدارة التنوع إذن وتحويله من بؤرة توتر إلى أحد مظاهر الثراء الوطني هو هاجس لا يكاد يفارق الكثير من المثقفين السوريين ومنهم الشاعر هاني نديم الذي يعلق قائلاً: "لا يوجد بين يدي خارطة طريق، ولكن لا أجد عنواناً أنصع من المدنية والتعددية وفصل الدين عن الدولة".
ويضيف: "تاريخ سوريا المدني ضارب بالعمق ولا أعتقد أن الحركات الراديكالية ستوقفه وتحاصره في زاوية، على العموم، أنا متوجّس من قضم البلاد من الخارج مثلما أنا متوجس من قضم المدنية من الداخل".