كلما تحركْت بناظريك في جنباتها، تجد التاريخ يطل حيًا قويًا من كل حدب وصوب، مثل طائر أسطوري لا يعرف الفناء، ليروي سيرة أمم ويرسم ملامح حضارات مرت وذكريات تعاقبت.
تلك هى النبطية، حارسة الزمن وشاهد عيان على أقدم العصور في لبنان، حتى إن الحفريات تثبت أن العصر الحجري مرّ من هنا، وأن تاريخ المكان ربما يعود إلى 20 ألف عام مضى.
هي عاصمة محافظة النبطية، تلوح مثل عروس في زيها الأبيض وسط سلسلة من الجبال شرقًا وغربًا، تبعدُ عن بيروت نحو 70 كيلومترًا، وتطل عليها أكبر قلاع لبنان الضاربة بجذورها في التاريخ وهي قلعة الشقيف.
عُثر فيها على فؤوس وأدوات صيد مصنوعة من الحجر الصوان يعود تاريخها إلى 8 آلاف عام، مدفونة فيما يشبه المقابر على عمق يمتد لـ 7 أمتار تحت الأرض.
تعاقبت عليها حضارات الفينيقيين والبيزنطيين والرومان الذين لا تزال آثارهم باقية حتى اليوم، من خلال الطرق المزينة بالفسيفساء والمغارات والكهوف التي استُخدمت أحيانًا لأغراض إدارية وعسكرية.
اختلفت الروايات في سبب تسميتها بهذا الاسم، فهناك من ذهب إلى أن الاسم كلمة فينيقية قديمة تعني "المظهر" أو "الشكل" وهناك من أكد أنه مشتق من اللغة العربية وتحديدًا كلمتي " نبط الماء" أي "تفجره وسيلانه"، في إشارة إلى كثرة الينابيع في المنطقة.
وهناك رأي ثالث يؤكد أن الاسم مشتق من مملكة "الأنباط" التي شيدها قدماء العرب في شمال الجزيرة العربية وجنوب الشام وتركوا إرثًا عظيمًا في مملكة البتراء، جنوب شرق لبنان، وإليهم يُنسب الخط النبطي.
وتعدّ قلعة الشقيف بمثابة تحفة معمارية خالدة تتيه بها النبطية على بقية مدن لبنان، بناها الرومانيون وطورها الصليبيون وأعاد ترميمها الأمير اللبناني "فخر الدين الثاني" في القرن السادس عشر.
وأصبح الجامع القديم المشيّد في حي "السراي" أحد أبرز ملامح المدينة، كونه بُني في القرن الثاني عشر الميلادي، أما "كنيسة السيدة" التي شُيّدت عام 1989 بحي "الميدان" فهي أولى الكنائس التي ظهرت في جنوبي البلاد.