logo
منوعات

تزوير اللوحات الفنية.. أثرياء من "إبداعات الغير"

تزوير اللوحات الفنية.. أثرياء من "إبداعات الغير"
مرسم الفنان التشكيلي فاتح المدرسالمصدر: إرم نيوز
24 سبتمبر 2024، 6:23 ص

شبكات كاملة، قوامها رسّامون وصالات عرض وسماسرة، يعملون ليلاً ونهاراً، في تزوير لوحات الفنانين الروّاد، وبيعها للمهتمين بآلاف الدولارات على أنها لوحات أصلية.

ورغم أن ظاهرة تزوير اللوحات الفنية قديمة، تعاني منها مختلف دول العالم، إلا أن تفاقمها في المشهد التشكيلي العربي، كان كبيراً، نتيجة استفادة اللصوص من التكنولوجيا، وعدم امتلاك معظم الدول العربية للمعدات الدقيقة التي تكشف تزوير اللوحات.

وتعتمد أجهزة كشف التزوير على مبدأ "التحليل الكيميائي" للألوان، وفحصها من قبل خبراء، بالأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء، لتحديد عمرها ومعرفة المواد المكونة منها. لكن هذا الفحص يأخذ عدة أسابيع، ما يجعل المقتنين يكتفون بآراء الخبراء فقط.

ومنذ عدة سنوات، اكتشفت في ألمانيا أكبر عملية تزوير للوحات، كان أهمها لوحة "الخيول الحمراء" لهينريش كامبندونك، التي بيعت نسختها المزورة بـ 2.4 مليون يورو.

فاتح المدرّس ولؤي كيالي أشهر ضحايا التزوير

لم يكن يعرف الفنان السوري لؤي كيالي "1934-1978"، أن اللوحات التي مزقها، إثر الانتقادات القاسية لآخر معرض أقامه، ستباع بعد موته منتحراً، بآلاف الدولارات.

الأمر نفسه، تكرر مع أشهر رواد التشكيل العربي فاتح المدرس "1922-1999"، الذي غزت المتاحف وصالات العرض، مئاتٌ من النسخ المزورة عن أعماله، وبيعت بآلاف الدولارات.

يقول الفنان التشكيلي إسماعيل نصرة لـ"إرم نيوز": تتعرض أعمال المدرس وكيالي، للانتهاك بشكل محزن، وتنسب إليهما أعمال لم يرسماها، عدا عن تزوير أعمالهما الأصلية، وهو أمر مخزٍ يسيء إلى تجربتين عظيمتين في الفن".

ويقول الفنان التشكيلي عصام درويش، المعروف بجهوده الكبيرة في كشف عمليات تزوير لوحات الفنانين الرواد، إنه إلى جانب لوحات المدرس وكيالي، فإن لوحات الفنانين نصير شورى ومحمود حماد تتعرض لتزوير كبير هي الأخرى.

 

35032310-a441-4808-b5e5-b4b4fcb14658

ويضيف درويش لـ"إرم نيوز": عمليات تزوير لوحات الفنانين الرواد، أساءت للمشهد التشكيلي ودور العرض ومحبي الفنون، الذين صاروا يترددون في اقتناء أعمال الرواد؛ بسبب كثرة التزوير وصعوبة كشفه.

ويرى الفنان التشكيلي نبيل السمان، يرى أن تزوير أعمال الفنانين، يسيء لتاريخ الفن، ويشوه عمليات توثيقه نتيجة الغش الحاصل. ويضيف لـ"إرم نيوز": التزوير يضلل العملية النقدية المتعلقة بتجربة كل فنان، كما أنه يسيء للذاكرة البصرية عند عشاق الفن.

اكتشاف مئات اللوحات المزورة

وخلال السنوات الماضية، قام الفنان عصام درويش بالتعاون مع شكران الإمام زوجة فاتح المدرس، بتوثيق أعماله الفنية الموجودة في منزله، كما كشف عمليات تزوير كبيرة طالت أعمال المدرس.

ويقول درويش "اكتشفنا أكثر من 200 لوحة مزورة لفاتح المدرس، وبالتأكيد هناك أكثر من ذلك، وقد اعتمدت لاكتشاف التزوير، على خبرتي بأسلوبه في التلوين، وتوقيعه بخط صعب التقليد على وجه اللوحة وخلفها".

 

ab998ea3-6da1-42c2-80ac-7b12d596a35e

ويشرح درويش، كيفية اكتشاف لوحة مزورة للمدرس منذ أيام، حيث وقع المزور بخطأ في كتابة اسم الفنان باللغة الإنكليزية خلف اللوحة، حيث قدم حرفاً على آخر، عكس ما يكتبه فاتح عادة. وللأسف كان المقتني قد وقع في الفخ، واشترى اللوحة بـ7000 آلاف دولار.

وتشير أعداد اللوحات المزورة المتداولة بين المقتنين والجهات الخاصة، إلى كارثية ما يجري؛ فالراحل لؤي كيالي، رسم خلال حياته قرابة 200 لوحة كما يقدرها درويش، لكن اللوحات المتداولة له في الوسط تتجاوز 500 لوحة.

ضرورة الأرشفة والتوثيق والحماية

لم تكن عمليات التوثيق والأرشفة، تأخذ اهتماماً كبيراً عند الفنانين الرواد، بسبب عدم التطور التقني، إضافة إلى عدم انتشار ظاهرة التزوير في ذلك الوقت. ويؤكد درويش أهمية تلك العملية للحد من السرقة والتزوير. ويضيف "عُرف عن الفنانين الرواد، إهداؤهم الكثير من الأعمال للأصدقاء، خلال مسيرتهم الفنية؛ ما جعلها موزعة عند أشخاص وجهات مختلفة. لم تكن الحسابات المالية لسعر اللوحة قائمة، كذلك الأمر بالنسبة للتزوير".

وسبق لدرويش أن طالب بتشكيل لجنة من الأمن الجنائي، خاصة بكشف تزوير اللوحات الفنية، مؤكداً وجود شبكات كاملة تعمل في هذه المهنة، بمساعدة رسامين يقلدون أعمال الفنانين الأصلية. ويضيف درويش "بتنا نعرف شخصية المزور من أسلوبه في اشتغال اللوحة. وهو ما يؤكد وجود شبكات تقوم بتوظيف كوادر كاملة تقوم بهذه المهمة. اكتشفنا مزوراً من العراق وآخر من مدينة الرقة السورية".

أخبار ذات علاقة

وفاة سارق لوحة "الصرخة" للرسام النروجي إدفارد مونك

حقوق الملكية الفكرية

وتحرص وزارات الثقافة العربية، على وجود دائرة لحماية حقوق المؤلف ضمن هيكلها الإداري، حيث يمكن لصاحب المنتج الإبداعي حمايته، حتى لا يتعرض للاعتداء أو التزوير. حول ذلك يقول الفنان السمان "هناك من يستخف بأهمية هذه الخطوة التوثيقية التي تحمي اللوحة بشكل قانوني، فتسجيل العمل في دائرة حقوق الملكية، يتيح ملاحقة المزورين ولصوص الأعمال الإبداعية".

لكن المشكلة التي يشير إليها الفنان درويش، تتعلق بصعوبة حماية أعمال الفنانين الرواد الراحلين منذ زمن بعيد. حيث لا توجد إحصاءات دقيقة لأعمالهم، وأماكن توزعها؛ ما يجعل تزويرها أمراً وارداً بقوة.

متحف للفن الحديث

وخلال سنوات سابقة، خُصّص مكان في دمشق، لإقامة متحف للفن الحديث يضم أعمال الفنانين الرواد والحديثين في المراحل المختلفة، لكن الخطوة توقفت بسبب الحرب، رغم قيام إيطاليا بتقديم مخطط هندسي لبناء المتحف.

ويقول درويش، إن وجود متحف للفن الحديث، يحمي الأعمال الفنية من السرقة والتزوير. ويضيف "التزوير يسبب مشكلة مستقبلية عند الأجيال اللاحقة، تتعلق بفهم تجارب الفنانين الرواد، وكيفية الحكم عليها نقدياً، في ظل تزوير الكثير من أعمالهم".

ويوافق الفنان نصرة على أهمية الخطوة ويقول "لدينا مشكلة في طريقة حفظ اللوحات بعيداً عن عوامل الطقس والظروف المختلفة، فحفظ اللوحة يشبه التعامل مع الآثار في المتاحف، له قواعد وأصول علمية".

واللافت أن كشف مئات عمليات التزوير، تم على يد فنانين خبراء، كانوا مقربين من الفنانين الذين تم السطو عليهم، ومثال ذلك تمكن الفنان درويش من اكتشاف مئات عمليات التزوير التي طالت المدرس، باعتباره تلميذه وصديقه.

ويقول الفنان نصرة "أولئك الفنانون المؤسسون الرواد، لم تعد تجاربهم ملكاً شخصياً، بل هم جزء من ثقافة المجتمع، وقد ساهموا بتطوير ذائقته البصرية، ومن ثم يمكن اعتبارهم إرثاً وطنياً، يجب حمايته من التزوير".

يذكر أن بعض لوحات المدرس، يصل سعرها إلى 300 ألف دولار، كذلك الأمر بالنسبة للفنان كيالي، وهو ما جعل هذين الفنانين عرضة للصوص والمزورين، الذين يعتبرون العملية صفقة تجارية مربحة جداً.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC