النيجر: مقتل 44 مدنياً في هجوم بجنوب غرب البلاد

logo
منوعات

"ساعة الحائط" في رمضان.. أداة للوقت أم مرآة للنفس؟

"ساعة الحائط" في رمضان.. أداة للوقت أم مرآة للنفس؟
تعبيرية
19 مارس 2025، 3:55 م

لشهر رمضان المبارك خصوصيته "النفسية" والاجتماعية، التي تُخرج الصائمين من روتين عام كامل تتشابهُ أيامه، إلى جوٍّ من الطقوس والشعائر التي تفرض حالةً من الإيمان والورع لا تخلو من التحدي، في سعيٍ حثيث لنيل ثمار الشهر الكريم من رحمةٍ ومغفرة وعتق من النار.. 

ورغم جهاد الصائمين في "ضبط النفس"، فإن الطبيعة الإنسانية تغلب كثيرين منهم في لحظات.. إلا من رحم ربّي..

فماذا لو انقلبت الأدوار خلاله، وخرجت الجمادات عن صمتها الرمزي لتصبح جزءاً من وعينا الجمعي..؟

كلسان حال "ساعة الحائط" مثلاً.. تلك القطعة التي تبقى معلقة على الجدار طيلة العام دون أن تكون لافتة للنظر إلا كقطعة "ديكور"، لا بل ربما يعمد البعض إلى اجتثاث عقرب الثواني منها، في محاولةٍ لسلبها أبسط أدواتها للفت الانتباه، وفجأة تتحوّل في الشهر الفضيل إلى رمز فلسفي حيّ، وإلى مرآة صادقة تعكس علاقتنا بالزمن والانتظار.

أخبار ذات علاقة

تنفرد بها تونس.. "حشيشة رمضان" لا تزال تثير الجدل بين الصائمين

وبالذات في اللحظات التي تسبق أذان المغرب.. إذ تصمت الأحاديث وتتوجَّه الأنظار إلى عقارب الساعة، بانتظار لحظة تختزل معاني الصبر واليقين.

هي دقائق معدودة فقط، يدرك الإنسان خلالها حجم عجزه أمام الزمن، لكنه يوقن أيضاً أن "الانتظار" ليس فراغاً، بل مساحة يتعلّم فيها "الرضا" بشجاعة، وكما وصفه الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو: "الانتظار هو أن تتحلى بالشجاعة أمام الزمن".

لأن "الزمن" هو أمر لا يمكننا الإمساك به، إذ يقول الفيلسوف المعروف بتأملاته فيه "سانت أوغسطين": "نحن نعرف ما هو الوقت، لكن إن سأَلَنا أحدٌ أن نشرَحهُ، عجِزنا".

وربما هنا تكمن حكمة الساعة في رمضان، إنها تعلمنا أن الزمن ليس أداة بيدنا، لكنه معلّم صامت يرشدنا دون كلمات.

أخبار ذات علاقة

إبراز طقوس رمضان عادة لها حكايتها في أوزبكستان

وفي كل يوم عند الدقائق التي تسبق الإفطار، يدخل كل فرد في حالة مواجهة مع ذاته. وليس الجوع فقط هو ما يوضع تحت الاختبار، بل القدرة على الانتظار، والسيطرة على الشعور بالقلق أو الغضب، والإيمان بأن الفرج حتمي.

وغالبُ الظن أن يُستثنى هنا من يقضي نهاره صائماً "نائماً" خارج التحديات.. في تجسيدٍ للحكمة الصينية القديمة التي تقول: "من يعرف كيف ينتظر، يجني ثمرة كل شيء".

حتى الأطفال الصغار، الذين يتعلمون عبر عقارب الساعة معنى الدقائق الطويلة، يدركون للمرة الأولى أن الترقّب جزءٌ من الحياة.. وخلف الصبر تختبئ الأشياء الجميلة.. يقول الشاعر والمتصوف جلال الدين الرومي الذي تحدّث عن الصبر والانتظار كجزء من "رحلة الروح": "كن صبوراً، فالأشياء الجميلة تحتاج إلى وقت".

أخبار ذات علاقة

في حادثة نادرة.. برنامج رمضاني يشهد بكاءً جماعياً للمقدم والضيوف (فيديو)

وفي اللحظة التي يصدح فيها الأذان، تنفرج الأسارير وينقلب التوتر إلى راحة جماعية، ويعود الجميع ليتحلّقوا حول المائدة، تاركين الساعة معلقةً على الجدار، لتنعم بشيء من الخصوصية بعد نهار طويل من أنظار شاخصةٍ إليها تترقب كل ثانية تخطوها، فتنتهز الفرصة لتلتقط أنفاسها وقد أدّت دورها كحارسة خفية لأدق لحظات الإنسان.

لتثبت "ساعة رمضان" في النهاية أنها ليست أداة لقياس الزمن فحسب، بل جزءاً من فلسفةٍ عميقة، تؤكد أن الانتظار يصنع فينا قوة داخلية لا نراها، وأن الزمن لا يُعطي إلا لمن يُحسن الترقب. وكما يقول "طاغور" المفكر الهندي الحائز على نوبل: "الإيمان هو الطائر الذي يشعر بالنور، ويرى الفجر قبل أن تشرق الشمس".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC
مركز الإشعارات