يركز مسلسل "ترتيب خاص"، الذي كتبه مخرجه ميار النوري، بالشراكة مع فؤاد يمين ورواد عواد، على الوجودية الخاصة التي تتمتع بها شخصية "أحمد أصابيعي" (مكسيم خليل)،ب الدمج بين واقعها المأساوي، وأحلامها الشاسعة، ورومانسيتها المديدة.
وعلى اختلاف تركيز تلك المكونات بين حلقة وأخرى، فإن المخرج بتصديره لها بفنتازية جميلة، بقدر ما جعلنا نتعاطف معها، فإنه أجبرنا على محاكمتها أخلاقياً، وفي الوقت ذاته محاكمة الواقع الذي أنتجها.
ترتيب خاص
ورغم عدم الكشف عن ماضي هذه الشخصية، فإنه منذ الحلقة الأولى تتكشَّف محبتها للتقرُّب من الآخرين ومحاولة معالجة مشكلاتهم، ولو كان ذلك سبباً بتعميق معاناتها، وهو ما حصل؛ إذ طُرِد من مطعم الوجبات السريعة نتيجة جَدَله المستمر مع الزبائن في أثناء تلقيه طلباتهم على الهاتف، هذا إلى جانب اختلاسه بعض المال من صندوق المطعم بسبب فقره المُدْقِع.
هذا الفقر جعله يتأخر عن سداد أجرة منزله أربعة أشهر متتالية، لكن المُؤجِّرة الرؤوم؛ وبسبب محبتها له ومساندته لزوجها العجوز، تساهلت معه، وهو ما أجبره على الاكتفاء بوجبة إندومي مع بيضتين مسلوقتين طيلة النهار، واستبدال دخانه الجيتان بالسيدرز الأقل سعراً في لبنان.
أما المفارقة التي جعلته يلتقي شيئاً من حلمه، فكانت عندما تزامن مروره بجانب جمهرة حول رجل انتحر من الطابق السابع، إذ سمع على مقربة من ذاك التجمع هاتف المُنتحر يرن، ليكتشف أنها ابنته الصغيرة التي تنتظره على العشاء، ومنها عرف أن اسمه "منير" وأن طفلته ستترك مدرستها لعدم قدرة أبيها على سداد قسطها، ومن خلال ذاك الهاتف يتصل "أحمد" بمركز لمكافحة حالات الانتحار والتخفيف منها اسمه "صانعو الأمل" (Hope maker)، وهنا يبدأ ترتيبٌ خاص وجديدٌ لحياته.
فبعد أن يسجل على تطبيق المركز طلباً لوظيفة فيه، يزور مقر صانعي الأمل، فيتجاهله المدير وليد (فؤاد يمين)؛ بسبب زيارة مفاجئة للمحافظ صاحب المركز الذي يطلب الاجتماع بالموظفين، وفي تلك الأثناء يسمع رنين أحد هواتف الخدمة، فيرد بعفوية، وينقذ حياة طفل ينوي الانتحار بمسدس أبيه بعدما تنمر زملاؤه عليه، ويتم تصوير هذا الاتصال، ويثني المحافظ على أداء "أحمد" ويستفيد من الفيديو في حملته الانتخابية، فيضطر وليد لتوظيفه رغم عدم قناعته بذلك.
طابع سريالي
بعض أحلام "أحمد" تتحقق من خلال الخدمات الإنسانية التي يقدمها عبر الهاتف، لكنه لا يكتفي بذلك، بل يطمح لأن يصبح شخصية مشهورة قادرة على التأثير، ويحاول تحقيق ذلك من خلال توطيد علاقته بمذيعة جسَّدتها (نتاشا شوفاني) بعدما ساعدت زميلته (كارول حاج) التي تم اتهامها بأنها كانت وراء انتحار منير.
وبسبب صعوبة وضعه على أرض الواقع، إلا أنه في أحلام يقظته يستطيع أن يكون البطل الذي يريده، فمرَّة يحلم بأنه يدافع عن جارته المُعنَّفة من زوجها، وفي أخرى يساعد امرأة سرق أحد راكبي الدراجات النارية حقيبتها..
لكن شيئاً فشيئاً تتحول أحلام اليقظة تلك إلى واقع حقيقي، ومنها أنه طُرِد من المركز بحجة لقائه "هند" (لين غرة) وهي إحدى المتصلات الدائمات به، وهذا خط أحمر في صانعي الأمل.
لذا، فلحزنه المديد ونتيجة لعب الكحول برأسه، هجم على منزل زميلته التي ظَلَمَها زوجها، ووقف بصف من يقول إنها سبب انتحار ذاك الرجل.
العلاقة بين أحمد وهند تأخذ طابعاً سريالياً، فهي شخصية تتبنى الطابع الهيبي ومصابة دائماً بالملل الذي تداويه بشرب الحشيش والاتصال بصانعي الأمل، والآن بات أحمد أحد مسلياتها لطيبته وظرفه وإنسانيته، وفي سعيها لمساعدته تسببت بطرده.
هذا ما كشف عنه مسلسل "ترتيب خاص" حتى حلقته السابعة، ومن جمالياته أنك لا تستطيع توقع أحداثه، ويفاجئك باستمرار بسياقات وتفاصيل جديدة..
كما أن المواءمة المثالية بين النص والصورة جعلت له طابعاً خاصاً، وهو ما يحسب لميار النوري في أولى تجاربه التلفزيونية، بعد اشتغاله عدة أعمال سينمائية قصيرة.
وإضافة لذلك، فإن اجتهاد الممثلين على تجسيد شخصيات خارج الأنماط المتعارف عليها درامياً، يعد نقطة جاذبية إضافية، ليكون هذا المسلسل السوري اللبناني الذي أنتجته شركة "فالكون فيلمز"، ويعرض على منصة أمازون، بمثابة رؤية جديدة على صعيد الكتابة والإخراج لا تُقارب المألوف، وتحقق ما قاله النجم عباس النوري الذي يشارك كضيف على العمل من أن "ترتيب خاص" هو دراما خارج الصندوق.
