logo
منوعات

مكتبات المبدعين.. "تركات" للورثة أم لوزارة الثقافة؟‎

مكتبات المبدعين.. "تركات" للورثة أم لوزارة الثقافة؟‎
مكتبات دمشقالمصدر: غيتي
17 أغسطس 2024، 11:17 ص

كتبٌ ببطاقات شخصية، وتواقيع، وآثار أصابع بين الصفحات، تثبت أنها عاشت يومًا على رفوف مكتبةٍ ما، قبل أن يموت صاحبها، وتُباع بثمن بخسٍ، لمكتبات الرصيفّ!

يقول أبو إياد، إن أبناء الشاعر، أو الروائي، أو الباحث الراحل، جاؤوا بكتب أبيهم، إلى مكتبات الرصيف تحت جسر الرئيس بدمشق، ولم يعرفوا أن بين تلك المجلدات، مراجع نادرة وكتب قديمة، تعدُّ ثروة اليوم.

الإهداءات وعبارات الإطراء خلف الأغلفة، بطاقات شخصية تثبت ذلك، ويضيف أبو إياد في حديث لـ"إرم نيوز": "الأبناء لا يحبون القراءة، فماذا يفعلون بالكتب وقد ضاق بها المكان؟".

غالبًا، لا يترك المبدعون وصية بشأن مكتباتهم، كأن تُهدي للمكتبات الوطنية أو وزارة الثقافة، خاصة إذا كانت ثرية بالمخطوطات والعناوين النادرة، التي تزيح عنها صفة الملك الشخصي، لتكون ثروة وطنية، والأمثلة كثيرة عن مكتبات تبدّدت، وهي تحوي هذا النوع من المطبوعات.

يقول الكاتب أسامة عجاج المهتار لـ"إرم نيوز": "الحل يبدأ، في أن يتعامل المبدع مع مكتبته وهو حيّ، وبوضع صحي جيد، فيتصرف أو يوصي بها كما يشاء ويرغب، مع إعطاء الأهمية لحفظ المكتبة".

ويرى الشاعر فاتح كلثوم، أن لمكتبات المبدعين الخاصة، أهمية كبرى، فهي بمنزلة مرجع للنقاد، يستدلون من خلالها على مرجعيات المبدع التي اعتمد عليها في إنتاجه الفكري، ويضيف كلثوم لـ"إرم نيوز":

"أؤيد إهداء مكاتب المبدعين للمكتبات الوطنية، في حال خُصص جناح يعرض كتب المبدعين الراحلين فيها، إذ تعطي فكرة عن ينابيعه الفكرية، وتسهل الطريق أمام النقاد لدراسته علميًّا".

يذكر لنا أبو إياد، صاحب إحدى مكتبات الرصيف بدمشق، أسماء كتّاب رحلوا في الآونة الأخيرة، وباع الورثة كتبهم، ويتمنى ألا نذكر أسماءهم، ويضيف: "في الحقيقة، يوجد مطبوعات تستحق الاحتفاظ في المكتبة الوطنية، وليس لدى الأفراد".

أخبار ذات علاقة

بعد منافستها على "كتارا".. "جني الجزر" رواية تخاطب جيل "Z"

 

ويقول الشاعر سرجون فايز كرم، أستاذ الترجمة واللغة العربية وآدابها في "معهد الدراسات الشرقية والآسيوية" بجامعة بون في ألمانيا، إن الحفاظ على الكتب النادرة والمخطوطات، بعد وفاة أصحابها يشكل هاجسًا للمهتمين والمؤسسات. ويضيف لـ"إرم نيوز":

"في إحدى المرّات دخل مبنى معهدنا للدراسات الاستشراقيّة، ثلاثة شبان قالوا إنهم ورثوا كتابًا عن العائلة، يودون معرفة محتواه، كان الكتاب إنجيلًا مكتوبًا على صفحات من الجلد، وشكله يوحي أن عمره ينوف عن مئات السنين".

ويشير كرم إلى نظرة القانون لهذه الحالة، رغم أن الكتاب يعدُّ وثيقة تاريخية كبرى، ويضيف: "من الناحية القانونيّة، هم الورثة، والكتاب ملكهم الخاصّ، على الرغم من أنّهم الجيل الخامس الذي ورث الكتاب".

ويذكر كرم، مثالًا آخر، يؤكد إشكالية التعامل مع كتب المبدعين الراحلين، ويضيف: "كنت أفتش عن إحدى شخصيّات عصر النهضة، أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وتبيّن لي أن مخطوطًا له معروض بالسوق السوداء، وعندما سألت أحد المؤرخين الأصدقاء، أجاب: للأسف الورثة جهّال".

ولأجل التغلب على هذه المعضلة، يقترح الكاتب أسامة المهتار، تأسيس لجان محلية في كل بلد، تدرس الموضوع، ويضيف: "يمكن لتلك اللجان وضع أسماء المبدعين المهمين أصحاب المكتبات القيمة، والتواصل معهم للبحث في مصير مكتباتهم بعد موتهم".

ولكن الشاعر فاتح كلثوم، ورغم تأييده لإهداء المكتبات الخاصة، للمكتبات الوطنية الكبرى، فإنه يشترط عدم إهمالها وإتاحتها بسهولة للجمهور:

"في حال كانت كتب الراحلين، ستحنط في زاوية ميتة، وكأنها دفنت مع صاحبها، فالأفضل أن تبقى بيد الورثة، حتى لو لم يكن لهم علاقة بالثقافة، فعند بيعها لمحلات الكتب المستعملة، تعود الحياة إليها، عند شرائها من قبل مستخدمين آخرين".

ويشرح كرم تفاصيل المواد القانونية التي تحكم أمر المكتبات الخاصة، ويؤكد أنها تدخل ضمن "التركة"، ولا يمكن قانونيًّا مصادرتها من قبل أي سلطة أكاديمية أو حكومية، ويضيف:

"الموضوع مرتبط بالوعي، فهذه المخطوطات، ولو كانت ملكًا خاصًّا، إلا أنها في نهاية الأمر جزء من التراث الثقافي الوطنيّ، السلطات الوطنية يجب أن تتدخل إن علمت أن هذا الإرث معروض على الأرصفة، وفي السوق السوداء".

ويبين الباحث كرم، أن طريقة التعامل مع المخطوطات القيمة، وأسلوب تخزينها وحفظها يتطلب دراية كبرى، ويضيف: "عمليّة جمع المخطوطات، متعلقة أيضًا بالمكان الذي ستخزن فيه، وطريقة التعامل معها في أثناء التخزين، والتبويب والتجهيز للعرض، وهذا أمر يمكن فقط أن تضطلع به دولة، فالجامعات والمكتبات الوطنية لا تملك الإمكانية لاحتواء هذه الكنوز".

ويمكن أن نضيف، موضوع توفر الميزانيات اللازمة لشراء كتب المبدعين الراحلين المهمة، فوزارات الثقافة العربية، هي الأقل دعمًا من قبل الحكومات، في حال قررت شراء مكتبات المبدعين بعد رحيلهم.

فكرة تخصيص الكتاب بأجنحة خاصة في المكتبات الوطنية تبدو جيدة، فهي تشجعهم على إهداء الكتب النادرة والمخطوطات لتلك المكتبات قبل رحيلهم، عوضًا عن ضياعها في مكتبات الرصيف وتجار الوثائق التراثية.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC