logo
منوعات

"خيال صحرا".. مسرحية يُلونها ممثلان قناصان

"خيال صحرا".. مسرحية يُلونها ممثلان قناصان
من عرض مسرحية "خيال صحرا"
09 أغسطس 2024، 11:00 ص

لو كان عرض "خيال صحرا" مقتصرًا على قناصين يتمركزان في موقعين نقيضين في زمن الحرب الأهلية اللبنانية ومكاشفاتهما عن الواقع السياسي والاجتماعي البائس، لكان تقليديًا، لكن أن تضيف للعمل اسم المؤلف جورج خباز، المشارك في التمثيل إلى جانب عادل كرم، فإن المعادلة هنا باتت بمفاعيل كثيرة، على رأسها النص المتقن، الذي يرفده باقتدار أداء تمثيلي متقن لهذه الثنائية المسرحية الجديدة. 

العرض، الذي شهده مسرح كازينو لبنان، يبدأ من بيروت المُدمَّرة في سبعينيات القرن الماضي وانقسامها المرير بين شرقية وغربية، بما يعنيه ذلك من انقسامات طائفية، كل طرف منها يرى أنه يمتلك الصواب، وأن الطرف الآخر هو سبب كل هذا الخراب، يتجسد ذلك على الخشبة بقنَّاصين يتحصَّن كل منهما بمتراسة من أكياس الرمل ليحمي خطوط تماس منطقته مع المنطقة الأخرى، وإلى جانبهما شاشتان تعرض الأولى القناة السابعة، والثانية تعرض القناة الحادية عشرة في إشارة إلى الانتماء السياسي لكل قناص. 

وفي زمن هدنة قصيرة تبدأ الأحداث، فكلا القناصين ينتظر ما سيصدر عن قمة بغداد بشأن وقف الحرب، وهنا تبدأ العلاقة تتوطد بينهما، رغم أنهما ظلا على شكوكهما، ولم يستطيعا ترك السلاح من يديهما، لتتكشف مع الوقت أنهما ليسا خصمين، وإنما يتبادلان الود مع بعضهما، لكن ثمة من يأمرهما بتعزيز التناحر، وعدم الرضوخ لسلطة العقل، فالمصالح هي الآمرة في زمن الحرب ولا شيء غيرها. 

أخبار ذات علاقة

مسرحية "صنع في الكويت" تبدأ عروضها في الإمارات

 

وللتخفيف من نبرة المحاكمات المنطقية، يلجأ خباز إلى تعزيز فكرة وهم الاختلاف بين سكان بيروت الغربية والشرقية، إذ إنه من خلال أحاديث القناصين نكتشف أنه إن كان الساسة من كل طرف يعتبرون أنفسهم الأقوى والأجدر بقيادة لبنان، أما الشعب بصرف النظر عن انتماءاته، فإنه يعيش المأزق الوجودي ذاته المفروض عليه.

ومن خلال حوارات ذكية ومقارنات ساخرة بين الطرفين المتصارعين، لها علاقة بالعادات وتصميم البيوت والأبنية والأزياء ومستوى نظافة كل منطقة، يتلمس المتلقي روح الفكاهة السوداء التي أرادها المؤلف والمخرج من خلال تأكيده على تلك التمايزات الواهية واختراقه المقصود للبنية الثقافية للمجتمعين المتخاصمين، دون أن ينسى التنويه إلى المنافقين من الطابور الخامس الراغبين باستمرار الحرب وإلغاء الهدنة تحقيقًا لمصالحهم الشخصية. 

ركز العرض من خلال حوارات القناصين على الأحلام المكسورة، والخسارات المديدة، والقلق المزمن من استمرار التحارب، ولم ينسَ التطرق إلى الحب وأهميته، وإلى حميمية العائلة، لتنتهي المسرحية بنوع من التكثيف الرمزي لعنوان العمل بحيث يبقى أن كل ما عاشته الشخصيتان في زمن الحرب ما هو إلا سراب، وإن ظل الحال على ما هو عليه من انقسام وما يستتبعه من المآسي، فإن ذلك لن يؤدي إلى بناء الوطن. 

وإلى جانب بطولة النص بشكل أساس، فإن جورج خباز وعادل كرم كانا ممثلين قناصين بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إذ أتقنا تصويب أدائهما للحد الأقصى، وانتهجا منهج الواقعية بسحريتها الخاصة، متسلحين بمحبة الجمهور، الذي أوصلا إليه رسائلهما بأسلوب الكوميديا السوداء، وبرقي هائل سيترك أثره مديدًا في الذاكرة، لا سيما أن "خيال صحرا" سيستمر شهرًا في كازينو لبنان ليتابع بعدها عروضه في أكثر من 14 دولة عربية وأوروبية.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC