تزداد أهمية العلاقة بين الملابس والصحة النفسية، إذ تشير الأبحاث إلى أن ما يرتديه الأفراد يمكن أن يؤثر بشكل كبير في مزاجهم ودافعيتهم ونظرتهم العامة للحياة.
ويؤكد خبراء علم النفس والسلوك، بحسب تقرير نشرته شبكة ”سي ان ان“، أنه حتى التعديلات البسيطة في الملابس يمكن أن تشكل التجربة اليومية، من خلال تعزيز الثقة والإنتاجية والحالة العاطفية.
علم النفس وراء العلاقة بين الملابس والمزاج
توضح الدكتورة باربرا غرينبرغ، الأخصائية النفسية في كونيتيكت، أن هناك ارتباطًا مباشرًا بين ارتداء الملابس والشعور بالدافعية. وتقول: "عندما ترتدي ملابس معينة، تشعر بثقة أكبر، وهذه الثقة تعزز دافعيتك".
ويتماشى هذا المفهوم مع الأبحاث النفسية التي تشير إلى أن التغيرات السلوكية قد تسبق التحسن العاطفي، وليس العكس.
ويُعرف هذا التأثير بمفهوم "الإدراك المغلف"، وهو يشير إلى كيفية تأثير الملابس في العمليات النفسية.
وتوضح المعالجة الأسرية ماريسا نيلسون أن الملابس ترسل إشارات ليس فقط للآخرين، ولكن أيضًا لمن يرتديها. وتضيف: "ما ترتديه يؤثر حتمًا في مزاجك. إن اختيار الملابس بوعي يمكن أن يعزز العقلية المناسبة للإنتاجية أو التركيز أو الاسترخاء“.
ارتداء الملابس لإحداث تغيير إيجابي
تعمل الملابس كمحفزات تعزز أدوارًا وسلوكيات معينة، فمثلاً ارتداء ملابس الرياضة يزيد احتمال ممارسة النشاط البدني، تمامًا كما يمكن للملابس المهنية أن تعزز الأداء في بيئة العمل. وغالبًا ما تعتمد المدارس الزي الموحد استنادًا إلى مبادئ مماثلة لتعزيز الانضباط والاستعداد الذهني لدى الطلاب.
وتشير نيلسون إلى أن تأثير الملابس يختلف من شخص لآخر، قائلة: "بالنسبة للبعض، قد تمنحهم البدلة الرسمية شعورًا بالقوة والتحكم، بينما قد توفر لهم سترة ذات قيمة عاطفية شعورًا بالراحة والاطمئنان". والمفتاح، كما توضح، هو اختيار الملابس التي تتماشى مع الحالة العاطفية أو الهدف السلوكي المرغوب فيه.
السلوك يسبق الشعور
تتحدى غرينبرغ الفكرة الشائعة بأن على الفرد أن يشعر بالدافعية أولًا قبل اتخاذ أي خطوة. وتقول: "يعتقد الناس أنهم بحاجة إلى تغيير موقفهم أولًا، ثم يتبع ذلك التغيير السلوكي، لكن في الواقع، يحدث العكس في كثير من الأحيان. عندما يتغير السلوك، تتغير المشاعر تبعًا له".
وهذا المبدأ مهم بشكل خاص لأولئك الذين يعانون انخفاضا في المزاج أو الطاقة. فبدلًا من انتظار الشعور بالحافز، يمكن لاتخاذ خطوات صغيرة، مثل ارتداء الأحذية، أن يكون بمثابة حافز للمشاركة في أنشطة مفيدة.
وتضيف غرينبرغ: "إذا ارتديت ملابس التمارين الرياضية، فمن المرجح أن تمارس الرياضة. وإذا ارتديت ملابس العمل، فقد تشعر بمزيد من الاستعداد لمواجهة تحديات اليوم".
إزالة العوائق أمام الرفاه النفسي
إلى جانب تحسين المزاج، يمكن أن يساعد ارتداء الملابس بوعي على إزالة الحواجز التي تعيق تبني سلوكيات مفيدة. فمثلًا، يُعرف أن التفاعل الاجتماعي وممارسة الرياضة يحفزان إفراز الإندورفين، مما يحسن المزاج ويقلل من التوتر، لكن قد يواجه الأشخاص الذين يعانون انخفاض الطاقة أو الدافعية صعوبة في البدء بهذه الأنشطة.
وهنا يمكن أن تؤدي الملابس دورًا في تسهيل تبني العادات الإيجابية. وتقول نيلسون إن "اختيارات الملابس هي التزامات صغيرة لكنها ذات معنى تجاه الرفاه الشخصي. إن ارتداء الملابس بوعي يهيئ الشخص ليوم يتماشى مع أهدافه الشخصية والمهنية".
تأثير أوسع في المجتمع
لا يقتصر تأثير الملابس على الأفراد فقط، بل يمتد إلى بيئات العمل والمجتمع. إذ يدرك أصحاب العمل بشكل متزايد أهمية سياسات اللباس التي تحقق التوازن بين الاحترافية والراحة، مما يعزز الإنتاجية والرفاه النفسي.
وبالمثل، تعيد المدارس والمؤسسات النظر في سياساتها بما يتماشى مع المبادئ النفسية التي تدعم التركيز والدافعية.
ورغم أن اختيار الملابس وحده لا يمكن أن يحل المشكلات العميقة للصحة النفسية، فإنه يمثل أداة بسيطة لكنها فعالة في تعزيز العقلية الإيجابية.
وبالنسبة لمن يعانون صعوبات مستمرة، يوصي المتخصصون في الصحة النفسية باللجوء إلى الدعم المهني. لكن بالنسبة للكثيرين، قد يكون التغيير البسيط في الملابس خطوة أولى نحو يوم أكثر دافعية وإشراقًا.