logo
منوعات

السلمية.. من مدينة للشعر إلى مركز للزلازل (صور)

السلمية.. من مدينة للشعر إلى مركز للزلازل (صور)
مدينة السلمية المصدر: مواقع التواصل الاجتماعي
18 أغسطس 2024، 2:44 م

لم يتخيل أهالي مدينة سلمية وسط سوريا، أن بلدتهم ستتصدر واجهة الأنباء المحلية والعالمية، فالمدينة الشهيرة بالشِّعر والفكر والفقر، تحولت فجأة إلى مركز للزلازل الخطرة، وخلال أيام، شهدت عدة هزات تجاوزت 5 درجات، ما أثار التكهنات والمخاوف، فانقلبت حياة الناس جذريًّا.

وتشتهر سلمية تاريخيًّا بارتفاع نسبة الثقافة والتعليم، وإليها ينتسب شعراء كبار مثل محمد الماغوط وسليمان عواد وعلي الجندي وفايز خضور وأحمد خنسا، وغيرهم. وتكثر فيها الملتقيات والتجمعات الثقافية المهتمة بالأدب والفنون، التي استمرت بنشاطاتها رغم حدوث الزلازل.

0f446684-7f81-49de-85dc-727ae53261a3

بعضهم استشعر خطر الهزّات، من اسم البلدة المشتق من "سَلِمَ مئة" تبعًا لياقوت الحموي في "معجم البلدان"، إذ يقول إن مئة شخص نجوا من قوم أُبيدوا بالكامل، سكنوها في الماضي، وآخرون قالوا إن المدينة دمرتها الزلازل قديمًا، وحذروا من تكرار الأمر.

وفي هذه المرحلة، يضطر معظم أهالي مدينة سلمية، إلى المبيت في الشوارع والأماكن المفتوحة والخيم التي وفرتها المنظمات الأهلية، خوفًا من زلزال ضخم يضرب المنطقة.

ويرفع وتيرة القلق عند السكان، كثرة المحللين والمنجمين، الذين يطلّون يوميًّا عبر السوشيال ميديا، فيثيرون هلع الناس، ومنهم العالم الهولندي فرانك الذي قال إن الهزات الأرضية في سلمية، تمهيد لزلزال ضخم سيضرب المنطقة.

رغم إعلان المركز الوطني للزلازل في سوريا، أن الهزات التي حصلت في مدينة سلمية طبيعية، وتصنف ضمن الخفيفة والمتوسطة، فإن الإشاعات ومحاولة بعض المنجمين التحول إلى "تريند"، قضَّ مضجع الناس وزاد قلقهم.

من الحرب إلى الزلازل

ويستقبل المشفى الوطني في المدينة، عشرات من الإصابات في إثر كل هزة، معظمهم من الأطفال المصابين بحالات هلع وخوف. وتقول "أم أحمد" لـ"إرم نيوز": خلال الـ15 عامًا الماضية، لم يبقَ نوع من المخاطر إلا وأصابنا، فلم نصدق أننا نجونا من القذائف المنهالة على المدينة، حتى أتتنا الزلازل.

وتضطر أم أحمد، لحمل ابنتها "صبا"، والخروج بها لمكان آمن، عند حصول الهزة، وتضيف "تفقد ابنتي قدرتها على الحركة من شدة الخوف، فأضطر لحملها".

ويحرص الناس في المدينة، على إبقاء حقيبة طوارئ يضعون فيها الأشياء الضرورية لحملها في أثناء الهرب عند وقوع الزلزال، أما سكان الطوابق العليا فيسلمون أمرهم لله؛ لأنهم لا يملكون الوقت الكافي للهروب.

ويقول سامر لـ"إرم نيوز": لا نستطيع المبيت في الشارع أو الساحات والحدائق، فأطفالي صغار ومن الصعب علينا التنقل بين المنزل والحديقة كل يوم.

الحياة في خيمة

ووفرت المنظمات الأهلية في المنطقة، مجموعات من الخيم، وزعتها في الأماكن المفتوحة، لاستقبال الحالات الطارئة، والباحثين عن مأوى، ممن تضررت منازلهم، وأصبح البقاء فيها خطرًا.

ويتحدث الناس لـ"إرم نيوز"، عن الانقلاب الذي عصف بحياتهم منذ ما يزيد على عشرة أيام مليئة بالهزات المتوسطة والخفيفة، ويفضل بعضهم اللجوء إلى الخيمة في الليل فقط، على حين دفع الخوف آخرين للسكن دائمًا في الخيمة خوفًا على الأطفال.

d1919005-5772-403a-84c0-3b29c170054e

ويقول "علي"، إنه يفضل النوم العميق في الخيمة، بلا قلق، على النوم المتقطع في المنزل، ويضيف "في الأيام الأولى عانيت الإرهاق بسبب قلة النوم، فقررت قضاء الليل في الخيمة يوميًّا".

واضطرت بعض الأسر الساكنة في الطوابق العليا، إلى الاستقرار في الخيم، بعد أن تعذّر عليهم استئجار منازل أرضية مؤقتًا؛ بسبب ارتفاع الإيجارات نتيجة زيادة الطلب عليها.

ويضيف علي لـ"إرم نيوز": تعاون الناس في أثناء الكوارث، يبعث على الاطمئنان، فالجميع يحاولون تقديم المساعدات، لمن ترك منزله، واستقر في الخيمة.

آراء وأبحاث

وبسبب انتشار تفسيرات غير الاختصاصيين وكثرة تهويلات المنجمين، عمد المهندس فادي وردة مع الخبير عباس عفارة، إلى إعداد دراسة علمية عادا فيها إلى الخرائط العالمية وتاريخ المنطقة في الزلازل.

وطمأنت الدراسة الناس، وخلصت إلى أن "شقوق وادي الطاحون، مركز الهزات الأرضية، شقوق مفردة سطحية لا علاقة رئيسة عميقة مباشرة لها بفالق الغاب أو فالق الطي التدمري، والحد الأقصى للهزات فيها 5.5 فقط".

ويقول المهندس فادي وردي لـ"إرم نيوز": انتقل المنجمون من الاهتمام بالأبراج، إلى توقع الزلازل وتقديم النصائح للناس، مقابل مبالغ مالية، وهو ما دفعنا لإعداد تلك الدراسة العلمية، حتى لا يقع الناس فريسة للاحتيال.

مسرحة المعاناة

ويعرف أهل المنطقة، بأسلوبهم الساخر في التعامل مع الأحداث، وقد جسد تلك الروح الشاعر الماغوط في مسرحياته الشهيرة مع دريد لحام، إلى جانب الشعر الساخر صاحب الكوميديا السوداء في التعبير كتجربة الشاعر منذر الشيحاوي.

ويقول المسرحي محمد الشعراني لـ"إرم نيوز": "يعتقد كثير من الناس أن الهزات الأرضية مفتعلة! ويبرهنون على ذلك بأنها تحصل في الليل، وعندما حدثت في النهار، قالوا: أرأيتم لقد غيروا موعدها، فأصبحت تحدث في النهار!".

ولا يستغرب المتابع أن يحضر أمسية شعرية لشاعر، يفاجئ الجمهور بردة فعل سريالية، كما فعل الشاعر خضر العكاري في إحدى أمسياته، عندما استدار وشرع بقراءة القصائد للجدار؛ لأن الجمهور لم يكن منتبهًا انتباهًا جيدًا لإلقائه.

وتشهد الحدائق العامة خلال الزلازل، عروضًا سينمائية وأخرى خاصة بالأطفال، ترعاها مؤسسات أهلية وفنانون شاؤوا تهدئة أعصاب الناس عبر الفن.

3391f162-43aa-4853-b127-cb5faa4df418

ويضيف الشعراني "الزلازل شجعت على الاستمرار في الأنشطة الثقافية والفنية، ومعظم الناس لا تبالي بسبب العجز عن مواجهتها، ولأنهم جربوا كل أنواع المخاطر خلال الحرب".

لطالما اشتهرت سلمية، بوصفها مدينة للشعر، واليوم تنال لقب "مركز الزلازل"، ويتساءل المواطنون في المنطقة ساخرين: ألا تعطينا المنظمات الدولية جوائز، لنيلنا لقبين كبيرين خلال وقت قصير؟

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC