وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني: ملتزمون بتعزيز الاستقرار في سوريا والمنطقة

logo
منوعات

البيروفي الساحر.. من هو ماريو فارغاس يوسا؟

البيروفي الساحر.. من هو ماريو فارغاس يوسا؟
الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوساالمصدر: رويترز
15 أبريل 2025، 8:44 ص

من روايته الأولى "المدينة والكلاب" إلى عمله الأخير "أهبك صمتي"، ترك الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا، الذي رحل الأحد عن 89 عامًا، أرشيفًا أدبيًا ساحرًا توزع على نحو سبعين مؤلفًا.

ويعد يوسا، الذي نال جائزة نوبل للآداب العام 2010، أحد أبرز كتاب أمريكا اللاتينية، وآخر ممثل للجيل الذهبي إلى جانب أسماء أخرى مثل غابرييل غارسيا ماركيز وبورخيس وخوليو كورتازار وكارلوس فوينتس وخوان رولفو وأليخو كاربنتيير وسواهم.

أخبار ذات علاقة

رحيل الروائي ماريو فارغاس يوسا عن عمر 89 عاما

تُرجمت روايات يوسا إلى حوالى ثلاثين لغة، وبيعت منها ملايين النسخ، وقد استقبلت لغة الضاد غالبية رواياته.

وللإنصاف هنا، لا بد من القول إن الفضل في ذلك يعود، بالدرجة الأولى، إلى المترجم الفلسطيني الراحل صالح علماني الذي ترجم الكثير من نتاجات قارة أمريكا اللاتينية المكتوبة بالإسبانية.

وكان ليوسا نصيب وافر من هذا الجهد، فقرأنا باكرًا وبتوقيع علماني روايات يوسا من قبيل "امتداح الخالة"، "حفلة التيس"، "قصة مايتا"، "ليتوما في جبال الأنديز"، "بانتاليون والزائرات"، "حرب نهاية العالم"، "شيطنات الطفلة الخبيثة"، "حلم السلتي"، "الفردوس على الناصية الأخرى"... وغيرها.

نبذة 

ولد يوسا في أريكيبا في جنوب بيرو في 28 آذار/مارس 1936 لعائلة من الطبقة المتوسطة، ونشأ على يد والدته وعائلتها في بوليفيا ثم في بيرو. 

بعد دراسته في الأكاديمية العسكرية في ليما، حصل على شهادة في الأدب واتخذ خطواته الأولى في الصحافة.

انتقل في العام 1959 إلى باريس حيث أمضى سنوات "حاسمة"، إذ كتب هناك أولى رواياته "المدينة والكلاب" التي صدرت مطلع ستينيات القرن الماضي، وكان يقول إنه "بفضل الأديب الفرنسي غوستاف فلوبير" تعلم أسلوب العمل الذي يناسبه وكيفية أن يصبح "الكاتب الذي أراد أن يكون".

241e6174-8ae6-4792-bd55-7e53ab454ca9

وفي باريس أيضًا، حيث عمل يوسا مترجمًا ومعلمًا للغة الإسبانية، تزوج من خوليا أوركيدي، التي كانت تكبره بعشر سنوات، والتي ألهمت المؤلف لاحقًا لكتابة "العمة خوليا والكاتب".

وبعد سنوات قليلة انفصل عنها وتزوج من قريبته باتريشيا يوسا، وأنجب منها ثلاثة أبناء وظل معها لمدة 50 عامًا.

ومع تحقيقه النجاح بروايته الأولى تكرس اسمه وتتالت أعماله الروائية من قبيل "البيت الأخضر" سنة 1966، ورسّخ حضوره في الساحة الأدبية مع "حوار في الكاتدرائية" العام 1969، تبع ذلك "بانتاليون والزوار"، و "حرب نهاية العالم".. وغيرها. 

"حفلة التيس"

تشكل رواية "حفلة التيس" علامة بارزة في تجربة يوسا، إذ يستعيد من خلالها مرحلة تاريخية قاتمة في حياة جمهورية الدومينيكان الصغيرة، أنزل خلالها تروخييو بشعبه من المصائب والأهوال ما يتسامى القلم عن تدوينه. غير أن قلم يوسا وثّق هذه المرحلة عبر رسم "نموذج مرعب" للطاغية عبر تقديم صورة متكاملة "للقائد التاريخي الملهم" في تحوله إلى ديكتاتور مزمن مع مرور السنين، فأصبح البلد معسكر اعتقال قضى فيه الآلاف من المواطنين نحبهم في السجون والمعتقلات، وتحت التعذيب لمجرد التشكيك في ولائهم لـ "القائد العظيم" الذي حكم الدومينيكان لأكثر من ثلاثة عقود في الفترة من 1930 إلى 1960.

استطاع يوسا أن يمسك بمهارة بخيوط الزمن، فهو يبحث في ذاكرة الشخصيات المثقلة بالآلام متنقلًا من زمن إلى آخر عبر سرد روائي ممتع. 

يعتمد الروائي على ضمير الغائب حينًا وعلى ضمير المتكلم أحيانًا. وهو ينقل الصورة الحية المعيشة في مدينة سانتو دومنغو التي كانت تسمى مدينة تروخييو في عهد الطاغية عبر ذاكرة أورانيا التي تروي قصتها بعد مرور 35 عامًا من مقتل تروخييو لتكون الرواية وبهذا المعنى وثيقة تاريخية عن مرحلة عصيبة.

"حلم السلتي"

في رواية "حلم السلتي"، يخوض يوسا مرة أخرى، كما هي الحال مع "حفلة التيس"، في صفحات التاريخ. وإذا كان يوسا قد أرّخ لنموذج الديكتاتور في تلك الرواية، فإنه في هذه الرواية يدوّن سيرة مناضل عتيد، إذ يعود يوسا إلى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين مستلهمًا سيرة مناضل ايرلندي هو روجر كيسمنت ( 1864 ـ 1916)، ومستعيدًا حكاية الكولونيالية الأوروبية في القارة السمراء وفي أميركا اللاتينية.

خدم كيسمنت، كما تقول سيرته، في السلك القنصلي البريطاني، وتمتع بلقب "سير". كان يخفي خلف ديبلوماسيته الهادئة روحًا متوثبة؛ تواقة إلى الحق والحرية والعدالة. خلال سنين عمله، كشف عن الفظائع التي كانت ترتكب في الكونغو في عهد الملك البلجيكي ليوبولد الثاني، وفضح فظائع مماثلة وقعت في منطقة بوتومايو في الأمازون بأميركا اللاتينية. 

 تعج الرواية بقصص وحكايات مأساوية، ودائمًا يكون الشاهد عليها والمحقق فيها هو كيسمنت الذي وثق كل تلك الانتهاكات، لتكون الرواية، والحال كذلك، مرافعة انسانية عن الجروح الغائرة التي أحدثها التوسع الأوربي الكولونيالي.

"ليتوما في جبال الأنديز"

روايته "ليتوما في جبال الأنديز"، هي من الروايات القليلة التي تقتفي دروب بلاده الوعرة "البيرو"، وتسبر تلك الجغرافيا القلقة؛ المسكونة بالكوابيس والألغاز. تجوب قراها وبلداتها وأقاليمها. تلج الكهوف المليئة بكتابات ورسوم غامضة. تصغي إلى رسائل الأسلاف المدفونة في أخاديد الوديان وسفوح الجبال...يوسا يرصد الموزاييك المزدحم لبلاده، ويقتحم عزلة البشر في تلك الأقاليم النائية، ليقدم نصًا مشغولًا بعناية؛ يقترب من أجواء الواقعية السحرية"، العلامة الخاصة بكتاب أمريكا اللاتينية. 

ويبدو أن هذه الصفة اكتسبت شرعيتها من الفضاءات الملغزة التي ترسمها تلك الأعمال، إذ تختلط الحقائق بالخرافات، وتتلاشى الحدود بين الحلم والواقع. 

"بانتاليون والزائرات"

رواية "بانتاليون والزائرات" ليوسا هي من أكثر نصوصه طرافة وخفة، تدور أحداثها في الثكنات العسكرية، لكن لا شيء عسكريًا سوى مسرح الأحداث. لا معارك ولا حروب، فالعتاد في المخازن والأمن مستتب. وسط هذا السلام، ثمة حكاية أخرى يرويها يوسا هي حكاية الملازم بانتاليون بانتوخا المعروف بنزاهته وتفانيه، وهو ما يدفع قادته إلى اختياره للقيام بمهمة غير متوقعة.

676e5ecd-384e-4cc5-b0b1-e7c204fcca20

شكاوى كثيرة ترد من الأهالي القاطنين في تلك الأدغال النائية إلى قيادة الجيش، تحتج على تصرّفات الجنود وتحرشهم بنساء المنطقة. 

القيادة العسكرية تجد حلًا وحيدًا يتمثل في الانصياع لرغبات الجنود عبر تأسيس جهاز "خدمة الزائرات" ليتكفل بتوفير المتعة لهم. لكن من هو الضابط الأصلح لإدارة هذه الخدمة السرية؟ الاختيار يقع، بالطبع، على بانتاليون، وهنا سنعثر على الكثير من المفارقات والمواقف الطريفة.

"شيطنات الطفلة الخبيثة"

في رواية "شيطنات الطفلة الخبيثة" يعود يوسا نصف قرن إلى الوراء ليبدأ بسرد حكاية حب غريبة ونادرة. الشرارة الأولى بدأت من ليما (عاصمة البيرو) حيث كان العاشقان يعيشان طفولة تتلمس المفردات الغامضة الأولى لحب راح يتشكل بخجل وبراءة. لكنه انطبع كوشم على قدريهما، إذ ظل متأججًا خلال المحطات القادمة في باريس خصوصًا، ولندن، وطوكيو... إلى أن انتهت في مدريد برحيل الطفلة الخبيثة .

"دفاتر دون ريغوبيرتو" 

الميزة الرئيسة لهذه لرواية لا تكمن في الحكاية بمقدار ما تنبع من براعة السرد، ومن كم المعلومات العلمية، والإشراقات الأدبية الواردة بين سطورها، فهي، بهذا المعنى، تكاد تكون بحثًا أدبيًا في «الايروتيكا» لا بالمعنى الإباحي المبتذل لهذا المصطلح، بل بالمعنى الثقافي العميق، إذ يعود الكاتب إلى مراجع ومصادر تاريخية، وإلى أفلام سينمائية ومسرحيات، وإلى لوحات تشكيلية بغرض إغناء الموضوع الذي يقدم ضمن قالب روائي رشيق. 

وهو يسند بطولة العمل إلى شخصية مثقفة، هي شخصية دون ريغوبيرتو، الموظف في شركة تأمينات، والذي يكتب مذكراته، وأحلامه في دفاتر تعج بملاحظات وعبارات ومقاطع شعرية مؤثرة، وهو مهووس، على طريقته الخاصة، بالكتب واللوحات. 

واللافت في هذه الحبكة الروائية، أن يوسا يستثمر سيرة الرسام النمسوي ايغون شيلي (1890 ـ 1918)، عبر الحديث عن حياته وفنه طوال صفحات الرواية. إنه يخصص مساحة واسعة من الرواية لإظهار التراجيديا التي عاشها هذا الفنان في حياته القصيرة، إذ رحل في الثامنة والعشرين إثر إصابته بـ "الإنفلونزا الإسبانية"، بعدما عاش الأيام الأخيرة للإمبراطورية النمسوية ـ الهنغارية. 

حياة شيلي القصيرة العاصفة، وحضوره المدوي في فيينا. نرجسيته وعزلته تتبدى في صفحات هذه الرواية التي تقدم سيرة مغايرة لهذا الفنان، صاحب التجربة النافرة في تاريخ التشكيل العالمي.

"أهبك صمتي"

تعد هذه الرواية آخر أعمال يوسا، وقد صدرت أواخر العام 2023، وتتميز بأنها تجمع بين الفن والسياسة والخيال في آنٍ واحد، وتعبر عن الحلم بالمدينة الفاضلة التي لطالما راودت يوسا في أعماله: عالم يمكن أن تزيل فيه الثقافة والفن الحواجز بين البشر.

أخبار ذات علاقة

وفقا لوصيته.. الكاتب ماريو فارغاس يختار حرق جثمانه (فيديو)

تدور الرواية حول شخصية تُدعى أدريان أورغاندو، وهو ناقد موسيقي في بيرو، يقرر كتابة مؤلف عن عازف غيتار أسطوري يُدعى ماوتو تيرايا، والذي يؤمن أن الموسيقى، وتحديدًا موسيقى الكريولا (الموسيقى التقليدية البيروفية)، يمكن أن توحد شعب بيرو الممزق سياسيًا وثقافيًا.

الرواية تسبر العلاقة العميقة بين الموسيقى والهوية، وتطرح فكرة أن الفن قادر على تجاوز الانقسامات العرقية والسياسية والاجتماعية. 

وتتسم الرواية بأسلوب يوسا المعهود: سرد متعدد الأصوات، تداخل الأزمنة، وخطابات داخلية تعكس صراعات نفسية وفكرية، إلى جانب استخدام مكثف للتفاصيل الثقافية والسياسية المحلية.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC
مركز الإشعارات