رحيل الكاتب جان دايه.. مكتشف تزوير نصوص جبران خليل جبران
تجربة غنية من البحث والتوثيق، تُطوى برحيل الكاتب اللبناني جان دايه، "1936-2024"، كان أشهرها فضحه عملية تزوير نصوص جبران خليل جبران، وإعادة طباعتها بعد إجراء تعديلات عليها.
رحل جان دايه، وفي جعبته أكثر من 45 كتاباً تناولت أعلام الفكر، مثل الكواكبي وجبران وأمين الريحاني وفارس الخوري وهشام شرابي وغيرهم، بالإضافة لتحقيق وكتابة مقدمة 28 كتاباً للأديب المسرحي الساخر سعيد تقي الدين، إلى جانب الكثير من المقالات في الصحف العربية المختصة.
وأمضى جان دايه، عشر سنوات متنقلاً بين مكتبة الكونغرس في واشنطن، ومكتبة "شابل هيل" في نورث كارولينا، عاد فيها إلى كل الصحف والمجلات التي كتب فيها جبران خليل جبران، حتى تمكن من إنجاز مؤلفه "عقيدة جبران".
كما اكتشف الباحث دايه، 50 نصاً مجهولاً لجبران، ترجمها عن الصحافة الأمريكية ثم نشرها، وبعودته إلى النصوص الأصلية لرسائل جبران ونصوصه، كشف دايه التزوير الذي مُورس على صاحب "الأجنحة المتكسرة"، عندما اعتدى عدة باحثين على نصوصه، بدوافع مختلفة.
وتعرض جبران خليل جبران للتزوير من عدة كتّاب، حاول بعضهم إلباسه الصفة المذهبية، وآخرون ذهبوا به باتجاه "اللبننة"، وهذا ما أثبته دايه عبر العودة إلى نصوص جبران الأصلية، التي تثبت أنه كان علمانياً، وصاحب أفق قومي أوسع من قريته "بشرّي" أو جبل لبنان.
ومن الشخصيات والكتّاب الذين تورطوا في تزوير كتابات جبران وكشفهم دايه، أنطوان خوري رئيس لجنة جبران الأسبق، ووهيب كيروز في كتابه "عالم جبران الفكري"، والصحفي رياض حنين صاحب كتاب "رسائل جبران التائهة"، وجميل جبر في كتاب "رسائل جبران".
وإلى جانب كتاب "عقيدة جبران" ألّف دايه كتاب "لكم جبرانكم ولي جبراني"، وألقى الضوء فيه على شخصية جبران وفكره من خلال نصوصه الأصلية قبل أن يطالها التزوير.
وأدت اهتمامات جان دايه البحثية، إلى كشف تزوير المترجمين لعنوان كتاب فيليب حتي بالإنجليزية "تاريخ سوريا ومن ضمنها لبنان وفلسطين"، ليصبح بعد الترجمة "تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين".
وخلال ندواته الكثيرة، أكد الراحل جان دايه، أهمية الالتزام بنصوص المؤلفين الأصلية دون إجراء تحوير فيها لأغراض شخصية أو حسابات ضيقة؛ لأن ذلك يؤثر على ذاكرة الأجيال، ويعيق العملية النقدية التي ستتخبّط نتيجة التعديات على النصوص.
وتمكّن جان دايه خلال مسيرته، من التعرف إلى أحفاد المفكر عبد الرحمن الكواكبي بحلب، فاطّلع على أوراق ومستندات احتفظوا بها عن جدهم، وعلى إثرها أصدر كتاب "صحافة الكواكبي".
كما اكتشف دايه، صحيفة أصدرها الكواكبي في مصر اسمها "العرب"، قبل اغتياله بعامين، وكانت مجهولة تماماً بالنسبة للباحثين.
مسيرة جان دايه حول رواد النهضة، بدأت العام 1981، ببحث عن المعلم بطرس البستاني، ثم تناول مجموعة من الرواد مثل جرجي زيدان، والدكتور شبلي شميّل، والدكتور خليل سعاده.
ويصف الكاتب غسان الخازن، جان دايه، بحارس النهضة العربية، ويقول في كلمة ألقاها خلال تكريمه في يونيو/ حزيران الماضي ببيروت: "حسب جان داية فخراً أن أبحاثه وكتبه تبقى ممرّاً إلزامياً لكلّ باحث مقبل على دراسة عصر النهضة.. لا تعطوا جان دايه، بل خذوا منه وهكذا تكرمونه".
