كيف يؤثر تغير المناخ على صحتك الجسدية والعقلية؟

تكشف الأزمة المناخية المتصاعدة عن تأثيراتها المتزايدة في الصحة العالمية، مع ظهور عواقب خطرة عبر فئات متعددة من السكان، وقد أبرزت الدراسات الأخيرة الطرق المتعددة التي يؤثر فيها التغير المناخي على صحة الإنسان، من الإصابات الجسدية المباشرة إلى الحالات المزمنة.

وحسب تقرير جديد نشره موقع Financial Express، تشير الأبحاث إلى أن الشباب في الثلاثينيات والأربعينيات من العمر في مجتمعات الصيد في سريلانكا يأتون إلى المستشفيات مصابين بفشل كلوي في مرحلة متأخرة. 

على الرغم من أن السبب الدقيق لا يزال غير واضح، فإن الخبراء يعزون هذه الحالة إلى الحرارة الشديدة، والتي تفاقمت بسبب تغير المناخ، إذ يُعتقد أن الإجهاد الحراري الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي دورًا مهمًّا في هذه الظاهرة المقلقة.

وبالمثل، سلطت دراسة حديثة الضوء على وجود علاقة مقلقة بين تغير المناخ ونتائج صحة الأطفال حديثي الولادة، إذ أظهرت أن درجات الحرارة غير المثالية، سواء أكانت المرتفعة أم المنخفضة بشكل مفرط، أسهمت في 4.3% من وفيات الأطفال حديثي الولادة من عام 2001 إلى عام 2019 في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. 

وأثارت منظمة العمل الدولية مخاوف كبيرة بشأن الآثار الصحية لتغير المناخ على القوى العاملة العالمية.

ووفقًا لتقريرها "ضمان السلامة والصحة في العمل في مناخ متغير"، فإن تغير المناخ يعرض 2.4 مليار عامل لمخاطر صحية مختلفة، بما في ذلك السرطان، وأمراض القلب، والأوعية الدموية، وخلل وظائف الكلى، والإصابات الجسدية. 

ويشير التقرير إلى أن الحرارة المفرطة تؤثر في 70% من القوى العاملة العالمية البالغ عددها 3.4 مليار، ما يؤكد الحاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية للتخفيف من هذه المخاطر.

 كيف يرتبط تغير المناخ بصحة الإنسان؟

ويؤكد الخبراء أن تغير المناخ مرتبط ارتباطًا وثيقًا بصحتنا، إذ يؤثر في كل شيء، بدءًا من الطعام الذي نتناوله إلى الهواء الذي نتنفسه، ويشير الدكتور فينيت تالوار، مدير قسم الأورام الطبية في معهد راجيف للسرطان في دلهي، إلى أن "التأثير قد يكون مباشرًا مثل الإصابات الجسدية الناجمة عن الفيضانات والأعاصير، أو خبيثًا مثل الضرر الطويل الأمد الناجم عن الانحباس الحراري العالمي، وتفاقم تلوث الهواء".

إن تأثيرات تغير المناخ على الصحة واسعة النطاق، وتشمل مشاكل الجهاز التنفسي، والقلب والأوعية الدموية التي تتفاقم بسبب التغيرات في الرطوبة، ودرجة الحرارة، وملوثات الهواء، ويمكن أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى أمراض مرتبطة بالحرارة مثل ضربة الشمس، ومشاكل القلب، والأوعية الدموية، وأمراض الكلى. 

وفي الوقت نفسه، يمكن أن تتسبب الأحداث الجوية المتطرفة مثل الفيضانات والأعاصير في حدوث إصابات وغرق ومشاكل الصحة العقلية، بالإضافة إلى ذلك يسهم تغير المناخ في زيادة تلوث الهواء، ما يؤدي إلى تفاقم أمراض الجهاز التنفسي والحساسية. 

وتنتشر الأمراض المنقولة بالنواقل مثل الملاريا وحمى الضنك إلى مناطق جديدة؛ بسبب ارتفاع درجات الحرارة، على حين يؤدي انعدام الأمن الغذائي والمائي إلى سوء التغذية والأمراض المنقولة بالمياه.

ويؤكد الخبراء أن الفئات السكانية الضعيفة، بما في ذلك الأطفال وكبار السن، وأولئك الذين يعيشون في المناطق ذات الدخل المنخفض، تتأثر تأثرًا غير متناسب في هذه التأثيرات الصحية. 

بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يؤثر تغير المناخ في صحة الأم والطفل على نحو مباشر وغير مباشر، على سبيل المثال، قد يؤدي التعرض للضغوط البيئية إلى نتائج سلبية، مثل الإجهاض وانخفاض الوزن عند الولادة، ومشاكل الجهاز التنفسي عند الرضع.

وكشف تقرير حديث في مجلة "لانسيت" أن مرضى أمراض الكلى المزمنة في البلدان الأكثر سخونة يعانون انخفاضًا سنويًّا بنسبة 8% في وظائف الكلى مقارنة بمن يعيشون في مناخات معتدلة. 

وعلاوة على ذلك، فإن ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة يزيد خطر دخول المستشفى بسبب أمراض الكلى بنسبة 0.9٪، ويؤدي هذا الارتفاع في درجة الحرارة إلى زيادة الجفاف والإجهاد الحراري، ما يسهم في خلل وظائف الكلى. 

وتشير الأبحاث أيضًا إلى أن تغير المناخ من المرجح أن يزيد حالات الإصابة بأنواع مختلفة من السرطانات، خاصة المرتبط بمناطق الفم والرئة وعنق الرحم، وعلاوة على ذلك يسهم تلف طبقة الأوزون، وزيادة الأشعة فوق البنفسجية في زيادة حالات الإصابة بسرطان الجلد، ومن المتوقع أيضًا أن ترتفع التأثيرات المسرطنة للمبيدات الحشرية والمواد الملوثة في الماء مع ارتفاع درجات الحرارة.

وبهذا، فإن التأثيرات الصحية لتغير المناخ هائلة وعميقة، وتؤثر في كل شيء، من الأمراض المزمنة إلى الأزمات الصحية الحادة، لذا تؤكد الأدلة على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من تغير المناخ، وتكييف الأنظمة الصحية؛ لحماية الفئات السكانية الضعيفة.