عاجل

الجيش الإسرائيلي يعلن شن ضربات على "حزب الله" في جنوب لبنان

logo
كتاب إرم

أهمية الاجتهاد التشريعي

أهمية الاجتهاد التشريعي
09 مارس 2023، 6:12 ص
المجتمعات التي تعطل الاجتهاد في تشريعات أمور الحياة المتجددة والمتطورة قد تلجأ لتقليد تشريعات غيرها، فتأخذ ما لا يلائم عقائدها وآدابها ومصالحها ومتطلبات واقعها.

إن الجمع بين هداية الإسلام الروحية وحضارته الدنيوية تستلزم النهوض بالاجتهاد التشريعي في عموم مناحي الحياة، لما في الاجتهاد التشريعي من تحقيق التنظيم مع الاهتمام بالقيم وحفظ الحقوق في جوانب الحياة المختلفة..

الشريعة تمتاز بتكاملها واشتمالها على خصائص الصلاح الإنساني في الدنيا والآخرة، وذلك بما تحتوي عليه من أمور الإيمان وحكم الأحكام والقيم والمقاصد والغايات والمصالح المنشودة..

والاجتهاد التشريعي المستمد من تلك الأصول بما فيها من التيسير والسعة كفيل بتحقيق أمثل النظم للحياة، وإهمال بلا شك يورث فراغا مؤثرا في وعي المجتمع ومواقفه وثقته في تنظيم الحياة المتجددة في جوانبها المختلفة..

فالإهمال يحدث حالة من الجمود والتيه، وقد يصبح المجتمع معها عالة على تشريعات غيره، فينشأ عن ذلك الكثير من الخلل في الوعي الاجتماعي والاضطراب.

ومن هذه الأهمية نرى أن السلطة السياسية في بلاد المسلمين بحاجة ماسة إلى النهوض بالاجتهاد التشريعي بالشكل الصحيح المتكامل، لأنه ركن السياسة وأساس نظامها، ولا يستقر أمر سلطة مدنية ويرتقي دون اجتهاد في تشريعاتها، لتحقيق مصلحتها العامة والارتقاء بوعي المجتمع في عموم جوانب عمارة الأرض والحياة باجتهاد تشريعي واع مستقل..

وقد أسس في الدين قاعدة عامة لذلك بقول الله: (وأمرهم شورى بينهم)، فهذه الآية مؤذنة بمشروعية الاجتهاد التشريعي وبحث الرأي الصائب في كل ما ليس فيه نص محكم، ففيها تفويض بالاجتهاد وإعمال الرأي والشورى ممن ولي أمر شأن من الشؤون العامة، لتحسين تشريعاته للوصول لأكمل المصالح، مستصحبًا في ذلك الاجتهاد التيسير، وكون الأصل في المعاملات والعادات الإباحة، وأن المحذور هو ما ثبتت حرمته باتفاق، وألا يخرج المجتهد فيه عن إطار العدل والقيم والمقاصد والغايات وحفظ الأمن والنظام العام، وملاحظة تجديد النظر فيما يتغير ويتطور ويختلف باختلاف الزمان والمكان وأحوال الناس المدنية، لأن الجمود في تلك التشريعات يفقدها قيمتها.

الحق أن إعمال الرأي والاجتهاد في مقاصد الشريعة الإسلامية وأحكامها وغاياتها وكلياتها وأصولها كفيل بتحقيق ما هو أكمل لها.

فالمجتمعات التي تعطل الاجتهاد في تشريعات أمور الحياة المتجددة والمتطورة، قد تلجأ لتقليد تشريعات غيرها فتأخذ ما لا يلائم عقائدها وآدابها ومصالحها ومتطلبات واقعها وتصبح أسيرة للتقليد ولما قد لا يلائمها، فتزداد بذلك خللا واضطرابا، وتضعف هويتها وتصبح حالها أقرب للتبعية منه للاستقلال في كل ما قلدوا فيه وقد يؤثر ذلك حتى على استقلالهم في الجانب السياسي.

فتشريعات كل مجتمع هي روحه وعنوان هويته، وبوصلة توجهاته، وسياج حماية تاريخه ونموه وحضارته، وأعظم ما قد تصاب به هوية المجتمعات المقلدة في هذا الباب، هو الاعتماد على تقليد غيرها فتفقد بذلك محاسن ما اشتمل عليه الإسلام من تكامل ورعاية للقيم والحقوق والعدل والغايات الصحيحة، فتبتلى بسلبيات تشريعات شعوب وأمم أخرى تختلف عنها ودونها، وينتهي بهم ذلك التقليد الأعمى إلى خلل وخواء واضطراب لتقليد تشريعات بعيدة عما تحتاجه في واقعها وأدنى مما يشتمل عليه دينها وثقافتها، إذ الأكمل لهم إعمال اجتهادهم بدلا من تقليد تشريعات غيرهم حتى لا يفقدوا خصائصهم ومقومات هويتهم واستقلالهم، ويذوبوا في ثقافات غيرهم.

ويعود معظم ذلك التعطيل للاجتهاد في التشريع على ظن البعض بأن الإسلام كدين لا يتيح تشريعات اجتهادية تصلح بها جوانب الحياة، وأن تشريع الأحكام المدنية والسياسية بنصوص الدين قليلة ومحدودة، وأن ما كان مناسبا للمسلمين في أول الإسلام لا يمكن تطويره في سائر الأزمنة والأمكنة، وأن الاجتهاد المستند للكتاب والسنة انقطع وأغلقت أبوابه، ولأجل ذلك حدث القصور والتقهقر في إعمال الاجتهاد في كثير من البلدان الإسلامية، واضطر بعضها للتعويض عن ذلك العجز بتقليد تشريعات لا تفي بمطالبها وواقعها في إطار دينها وثقافتها.

والحق أن إعمال الرأي والاجتهاد في مقاصد الشريعة الإسلامية وأحكامها وغاياتها وكلياتها وأصولها كفيل بتحقيق ما هو أكمل لها، فلا يعني كون الدين توقيفيًّا في العبادات، أنه غير خلاق ومتجدد في تشريعات الجوانب الدنيوية المختلفة ومطالب تطور الحياة، فمقاصد الدين وكلياته وغاياته وما اعتبره من حكم ومصالح يمكن أن يستمد منها المجتهد تشريعات ونظمًا في الإدارة والقضاء والسياسة والاقتصاد والنظم المالية وتدابير السلم والحرب والعمل والتجارة والصناعة والرياضة ومختلف الشؤون.

أخبار ذات صلة

التعددية والتكامل في الإسلام

           

فقد كان رسولنا في زمنه يشرع فيها باجتهاده، ويأخذ فيها بالشورى، ويرجع إلى أهل الشأن من أفرادها الذين هم محل الثقة في الحفاظ على مصالحها العامة، وممثلي إرادتها من العلماء والزعماء والقواد، وكان الذين من بعده كذلك، فقد اختاروا الخلفاء بطرق شتى ووسعوا شأن الدولة وإداراتها وجيوشها وأعمالها وحققوا ابداعا كبيرا في مدة قصيرة من الزمن..

وكان ذلك إعمالا للاجتهاد التشريعي عملا بقوله تعالى: ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾، وقوله: ﴿وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾، وقوله: ﴿وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾.

فقد كان الخلفاء يستشيرون أهل العلم والرأي في أمور الإدارة والقضاء والحرب والسلم والاقتصاد والوباء والخراج وغير ذلك مما لم يرد به نص في الكتاب والسنة، وكلها تشريعات اجتهادية، تسمى اليوم في عرف الحقوق والقانون تشريعًا..

وهذا هو ميدان المجتهدين والاجتهاد المتجدد الأوسع المستمد من مقاصد الدين وغاياته ومضامين النصوص ودلالاتها ومعانيها والرأي الصحيح المعتبر في كل ذلك تنظيما للواقع ووفاء بحاجة المجتمع، وهذا هو ما عمل به الرسول وأصحابه من بعده وجرى عليه العمل في خير القرون.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC