عاجل

الجيش الإسرائيلي يعلن شن ضربات على "حزب الله" في جنوب لبنان

logo
كتاب إرم

ما الذي يربط بين مظاهرات جورجيا وحرب أوكرانيا؟

ما الذي يربط بين مظاهرات جورجيا وحرب أوكرانيا؟
10 مارس 2023، 6:49 ص

للوهلة الأولى، لا يبدو أن ثمة علاقة تربط بين مظاهرات جورجيا، وحرب أوكرانيا، فاحتجاجات تبليسي خرجت للاعتراض على قانون مرتقب "يقيد الحريات"، فيما الحرب الأوكرانية نشبت جراء صراع على الأرض والسيادة.

لكن التدقيق في الحدثين، رغم التباينات الشاسعة بينهما، يظهر أن القضية تكمن، أساسا، في وجهتي نظر متناقضتين لمعسكرين أو تيارين في جورجيا وأوكرانيا، اللتين انفصلتا عن الاتحاد السوفييتي السابق، مطلع تسعينات القرن الماضي.

يمكن قراءة مظاهرات جورجيا على أنها تعكس، في أحد أوجهها، صراعا بين موسكو والغرب، تماما كما هو الحال بالنسبة لأوكرانيا.

المعسكر الأول يطمح إلى التحرر من التبعية لروسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي، والانضمام إلى حلف الناتو، والتوجه غربا عبر تكريس نمط الحياة الغربية وقيمها المتمثلة، بحسب ما يرى أنصار هذا التيار، في الحرية والديمقراطية، فيما يريد المعسكر الآخر البقاء في ظل الكرملين، والاستمرار في الموالاة لموسكو، ويبرر مناصرو هذا النهج موقفهم بالمصالح الاقتصادية والبعد الأمني.

وإذا كانت ظروف وأسباب ودوافع الحرب الأوكرانية، التي دخلت عامها الثاني، قد باتت معروفة، فإن الجديد هو مظاهرات جورجيا التي عكست حجم الهوة بين تطلعات السكان ورغبة السلطات في البقاء على الحياد مما يجري في أكرانيا، تجنبا لسيناريو مماثل.

الكثير من الجورجيين انحازوا إلى صف أوكرانيا في حربها مع روسيا، لدرجة أن بعضهم قرر التطوع إلى جانب الجيش الأوكراني، بحسب تقارير تقدرهم بالمئات، فيما فضّلت سلطات تبليسي الرسمية البقاء على الحياد، والوقوف على مسافة واحدة من الحرب القريبة.

وهؤلاء من تعاطفوا مع أوكرانيا هم بالضبط الذين نظموا الاحتجاجات لمنع تمرير ما يعرف بـ"قانون المنظمات الأجنبية"، إذ يرون فيه تقييدا لحرية الصحافة، ومسّاً باستقلالية منظمات حقوقية، واعتبروه مؤشرا على "تحول استبدادي"، يذكرهم بقانون استخدمه الكرملين على نطاق واسع لقمع المنشقين، ومن شأنه الإضرار بفرص جورجيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

ولم يخفِ المتظاهرون حقيقة نواياهم وتحركهم المناهض، إلى حد ما، لموسكو حين هتفوا: "يسقط القانون الروسي"، في إشارة إلى أن القانون الذي أثار غضبهم يعد نسخة من قانون معمول به في روسيا.

ولعل هذا ما يفسر موقف واشنطن التي دعت السلطات في جورجيا إلى احترام التظاهرات السلمية، مؤكدة "وقوفها إلى جانب شعب جورجيا"، في حين قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه يأمل في أن يحقق المتظاهرون في جورجيا "نجاحاً ديمقراطياً".

العناد مع "الدب الروسي" ليس هو السبيل الأنجع في بيئة جيوسياسية ملغومة، لا تحتاج سوى لشرارة بسيطة كي تنفجر.

الكرملين، في المقابل، أصدر موقفا معاكسا، إذ أعرب عن قلقه بشأن المظاهرات في جورجيا إثر وقوع اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمحتجين، ونفى أن يكون لروسيا أي علاقة بطرح مشروع القانون.

على هذا النحو، يمكن قراءة مظاهرات جورجيا على أنها تعكس، في أحد أوجهها، صراعا بين موسكو والغرب، تماما كما هو الحال بالنسبة لأوكرانيا، مع ضرورة الإشارة إلى أن الحزب الحاكم في جورجيا، "حلم جورجيا"، ينحاز نظريا إلى الاتحاد الأوروبي وقيمه، لكنه على الصعيد العملي يحتفظ بعلاقات طيبة مع روسيا لعوامل تتعلق بمصلحة البلاد.

هذا "التوازن السياسي" لسلطات جورجيا نضج بعد تجارب مريرة، إذ شهدت السنوات العشر بعد استقلال جورجيا اضطرابات أدت إلى استقلال إقليم أبخازيا والذي تصفه تبليسي بأنه احتلال روسي للمنطقة، وفي 2008، احتلت القوات الروسية منطقة أخرى في جورجيا وهي منطقة أوسيتيا الجنوبية الجبلية الصغيرة، لكن المنطقتين رغم انفصالهما لم تحظيا باعتراف رسمي سوى من نحو خمس دول.

وما يجري في إقليمي لوهانسك ودونيتسك الأوكرانيين حاليا، لا يختلف كثيرا عما حدث في أبخازيا وأوسيتيا، ففي الحالتين ثمة انفصاليون موالون لروسيا التي تغذي، بدورها، تلك النزعات، وتتدخل عسكريا إذا تطلب الأمر.

ونتيجة لهذه الصراعات وخشية ألا تتكرر الحروب على أرضها، تفضل جورجيا البقاء على مسافة واحدة من كييف وموسكو، غير أن المظاهرات الأخيرة تذهب في اتجاه آخر قد تنتهي بفتح جبهة جديدة إذا ما أصر المتظاهرون على توسيع قائمة المطالب بحيث تشتمل على مناهضة النفوذ الروسي، والتحرر من إرث الاتحاد السوفييتي الثقيل الذي يرخي بظلاله على مختلف جمهورياته السابقة، بينها القوقاز.

لكن مع ذلك، فإن تجارب الماضي، وأقربها التجربة الأوكرانية، تقدم دروسا قد تكون مفيدة، وهي أن العناد مع "الدب الروسي" ليس هو السبيل الأنجع في بيئة جيوسياسية ملغومة، لا تحتاج سوى لشرارة بسيطة كي تنفجر.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC