logo
تحقيقات استقصائية

"مارين".. المسكوت عنه في حرب غزة

"مارين".. المسكوت عنه في حرب غزة
06 مارس 2024، 10:24 ص

على عمق أكثر من 600 متر تحت سطح البحر، مقابل ساحل غزة، يرقد أحد أسرار الحرب المستمرة في القطاع منذ أشهر: "مارين غزة" حقل الغاز الذي يبدو الوصول إليه واستثماره، واحدًا من أبرز أسباب الحرب المستمرة في القطاع منذ أشهر، وهي حرب تجاوزت في أعداد ضحاياها، ومستوى الدمار والقتل العشوائي فيها، كل حدود الحروب السابقة؛ ما دفع إلى الاعتقاد أن ما تريده إسرائيل في الواقع هو إفراغ القطاع من سكانه.

كان واضحًا منذ الأيام الأولى للحرب أنها تتجه لتكون مغايرة عما سبقها من حروب، من حيث مدتها، وعدد الضحايا الذين تجاوزوا 30 ألفًا، وبعد بدء القصف على غزة بدا لكثيرين أن إسرائيل ماضية في إعادة احتلال القطاع، وأن الأهداف المعلنة كانت تخفي أهدافًا أبعد.

كلمة السر

 قبل أقل من شهر على بداية الهجوم الذي شنَّته حماس، أعلنت السلطة الفلسطينية أنها ستوقع اتفاقية بشأن حقل "غزة مارين" البحري مع شركة مصرية، وخلال 5 أيام على الأكثر، حسبما نقل موقع "اقتصاد الشرق" في الـ13 من سبتمبر/ أيلول الماضي عن رئيس سلطة الطاقة الفلسطينية ظافر ملحم.

إلا أن الاتفاق، وكما كان يجري خلال أكثر من عقدين، لم ير النور حتى الآن، بل إن الجانبين المصري والفلسطيني أعلنا في الـ10 من أكتوبر الماضي، وبعد ثلاثة أيام على هجوم حماس تأجيل توقيع الاتفاق حتى أجل غير مسمى.

كان واضحًا أن الحرب ماضية لتحييد كل اتفاق، لتبدو إعادة احتلال القطاع مع "تهجير" سكانه، الاحتمال الأكبر، حسب تحذيرات بضع دول عربية ودولية.

           

ما الذي يدفع إسرائيل كي تتحمل كل تلك الخسارة في أعداد قتلاها من الجنود؟ إضافة إلى عدم الالتفات إلى حياة الرهائن لدى حماس، رغم كل الضغط الداخلي، وإضافة أيضًا إلى الخسائر المادية التي قدر "بنك إسرائيل" أن تصل إلى نحو 60 مليار دولار، في نهاية العام الحالي؟

يكرر المسؤولون الإسرائيليون أن تصفية حماس، هي الهدف، لكن صرخات التحذير من "تهجير الفلسطينيين"، و"إفراغ القطاع من سكانه" و"الإبادة الجماعية" كانت تشير إلى ما هو أبعد، وثمة من يقول إن الوصول إلى شواطئ غزة، وما تحويه سواحلها يعد واحدًا من أبرز أسباب الحرب.

الحقل الهدف

 عام 1999 أظهرت دراسة لشركة "بريتش غاز" البريطانية أن سواحل غزة غنية بالغاز، وأبرمت عقدًا مع السلطة الفلسطينية للاستثمار فيها، ومضى الاتفاق في أولى خطواته، رغم اعتراض تمثل وقتها في التماس قدمته شركتان إسرائيليتان إلى المحكمة العليا في إسرائيل، لمنع السلطة الفلسطينية من ذلك الاستثمار، بدعوى أنها لا تمثل دولة ذات سيادة، إلا أن المحكمة رفضت الالتماس.

بعد أشهر على الاتفاق، وفي عام 2000، أظهر مسح الشركة البريطانية وجود حقل "مارين غزة1"، ثم "مارين2"، وباحتياطيات من الغاز عالي النقاوة، تفوق حاجة الفلسطينيين، بل يمكنهم تصدير فائض منها، وتحقيق عوائد كبيرة.

بقيت "بريتش غاز" تدرس الجدوى الاقتصادية، وأبرز ما فيها تأمين مشتر للغاز، حسب المعلن من المفاوضات آنذاك، ودخلت إسرائيل في مفاوضات مع بريطانيا عبر الشركة، إذ إنها كانت المشتري الأقرب، وكان ذلك الخيار الأقل تكلفة.

لكن إسرائيل التي كانت في حاجة كبيرة إلى الغاز، قبل اكتشاف حقول أخرى في المتوسط، وأهمها حقل "لوثيان" الأكبر والأغنى، كانت أيضًا لا تريد للفلسطينيين أن يحصلوا على مصدر دخل يضمن لهم مزيدًا من القوة والاستقلالية، وبين الخيارين كانت مصلحة إسرائيل تتأرجح.

في أيلول من ذلك العام اندلعت "انتفاضة الأقصى"، ولحقتها الانتفاضة الثانية عام 2002، وتعطل مشروع بدء الاستثمار، وقررت الحكومة الإسرائيلية برئاسة أرئيل شارون وقف العمل في الحقل، واتهمت الرئاسة الفلسطينية آنذاك ممثلة بالرئيس ياسر عرفات بأنها ستحول عائدات الحقل إلى "دعم الإرهاب"، وهو موقف تعزز بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005.

رغم ذلك، فلم تنقطع المفاوضات، وسط حاجة إسرائيل ومصلحتها في شراء غاز بأسعار زهيدة، يقابلها تخوف من زيادة قوة الفلسطينيين، لكن سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007، أدت إلى رسم مسار سياسي جديد، كان من نتائجه تعطيل المفاوضات بشأن استثمار الحقل، وقررت الشركة البريطانية الانسحاب.

عام 2010 اكتشف حقل لوثيان، وباحتياطات تزيد على "حقل مارين بنحو 17 ضعفًا، إذ قدرت بنحو 18 تريليون قدم مكعبة، وهو ما جعل ضغط الحاجة إلى الغاز أقل، ومنح إسرائيل إمكانية أكبر في التفاوض بشأن "غاز غزة" وفي تأخير استثماره.

           

حرب واستثمار

 سنوات كان فيها استثمار غاز غزة، يقبع في ثلاجة مفاوضات لم تثمر، حتى أعلنت إسرائيل أنها وافقت مجددًا على اسنتثمار الحقل وأعطت الضوء الأخضر لتطويره، في يونيو عام 2023، وقبل أشهر على الحرب المدمرة في القطاع، إلا أنها اشترطت "تنسيقًا أمنيًّا" يحافظ على احتياجاتها في المستويين الأمني والدبلوماسي، وعلى أن يبقى بيد السلطة الفلسطينية، لا حماس.

وفي الـ13 من سبتمبر، أي قبل نحو شهر على الحرب، عاد حقل مارين إلى الضوء بالإعلان عن اتفاق مصري فلسطيني لاستثماره، وهو اتفاق سرعان ما تم الإعلان عن تأجيله "حتى أجل غير مسمى" بعد أيام على بدء الحرب.

دخان القصف، الذي لم ينج منه مكان في غزة، حتى مؤسسات الأمم المتحدة، كان يحجب أيضًا الأهداف الحقيقية لتلك الحرب، ومن أبرزها إعادة السيطرة على غزة، لاستكمال السيطرة على سواحل البحر المتوسط التي أكدت المسوحات أنها تحوي كميات هائلة من الغاز ومنه ما لم يكتشف بعد.

وهكذا وفي خضم الحرب، ومشاهد القتل التي هزت العالم، كانت إسرائيل تمضي في استثمار غاز المتوسط، ومنحت في الـ29 من أكتوبر الماضي 12 رخصة عن الغاز لست شركات، بينها شركة "إيني" الإيطالية، التي ادعت عليها منظمات حقوقية فلسطينية وأنذرتها بعدم الدخول في استثمار الغاز في سواحل غزة، لأن ذلك يعد انتهاكاً للقانون الدولي، إذ إن تلك الحقول تعد مُلكًا للفلسطينيين.

وردت الشركة (التي تستحوذ الحكومة الإيطالية على نسبة تزيد على 30 % منها) أنها حصلت على الترخيص في أكتوبر الماضي، إلا أنها لم توقع أي اتفاق بشأن الاستثمار بعد.

ورغم أن ما جرى شكَّل نوعًا من الإحراج للحكومة الإيطالية، فإنه ما كان ليظهر إلى الضوء لولا لجوء المنظمات الفلسطينية إلى الادعاء القانوني، وإثارة الأمر، على أنه انتهاك للقانون، خاصة أن اتفاقات أوسلو بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، تمنح الأخيرة حق استثمار الموارد الطبيعية، رغم الوضع الذي تأزم في القطاع منذ سيطرة حماس عليه.

وسط كل ذلك، تثار المخاوف من أن ما تسعى إسرائيل إلى تحقيقه منذ بدء ردها على هجوم حماس، الذي تجاوز كلّ حدّ، هو قلب كل تلك المعادلات رأسًا على عقب، وإعادة القطاع ليس فقط إلى السيطرة الإسرائيلية بل إلى أن يكون خاليًا، ومدمرًا، بما يكفي ليكون تحت وصاية إسرائيلية تحدد مصيره وتستحوذ على كل ما فيه.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC