منذ إعلان عبدالإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية المغربي، تجميد عضويته وقطع علاقاته مع أبرز وزراء الحزب، رداً على مصادقة الحكومة المغربية على مشروع قانون "تقنين زراعة القنب الهندي"، أضحى هذا الكيان السياسي محاطاً بالكثير من التساؤلات حول مستقبله، والدلالات التي تحملها خطوة بنكيران، وما إن كانت تمهد لظهور حزب جديد يقوده هذا الرجل المثير للجدل للعودة إلى السلطة من جديد.
وظل الإعلان الذي نشره بنكيران، قبل أيام قليلة، على صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، حديث الساعة في الصحافة المغربية، بالنظر إلى مكانة بنكيران في الحزب وتأثيره في اللعبة السياسية بالبلاد.
على صفيح ساخن
في الوقت الذي كان فيه حزب "العدالة والتنمية" يرتب صفوفه استعداداً للاستحقاقات الانتخابية البرلمانية والبلدية المقررة الصيف المقبل، بعثر بنكيران أوراق زميله سعد الدين العثماني الذي يقود الحكومة والحزب معاً، وفتح نيران المواجهة مع إخوانه في جل الاتجاهات بسبب بنود مشروع هذا القانون المثير للجدل.
ووفق المذكرة التقديمية للمشروع، يطمح المغرب إلى جلب استثمارات ضخمة، من خلال استقطاب الشركات المتخصصة في الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي في الأغراض الطبية والصناعية.
ويبدو أن هذا الصراع سيتخذ أشكالاً مختلفة مع مرور الأيام؛ بدءا بتزايد عدد الاستقالات وتحريك القواعد ضد الأمانة العامة التي تضم رموز الحزب.
وأكد مصدر حزبي لـ"إرم نيوز" أن حزب "العدالة والتنمية" يعيش مرحلة دقيقة منذ تأسيسه من المرتقب أن تقوده إلى منعطف جديد.
وأضاف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن الحزب الإسلامي ورغم رفضه التعليق على خطوة بنكيران بشكل مباشر، إلا أنه يشهد نقاشاً محموماً في صفوفه خصوصاً وسط شبيبة العدالة والتنمية المقربة منه، مؤكداً أن هذا الحزب سيعقد دورة استثنائية للمجلس الوطني (برلمان الحزب) يومي السبت والأحد 20 و21 مارس/آذار الجاري، لتدارس مجموعة من الملفات الآنية.
رسالة مشفرة
قال المحلل السياسي المغربي محمد بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية، معلقاً على خطوة بنكيران وتداعياتها على الحزب، إن الرجل يحاول من خلال قراره أن يوجه رسالة إلى جهة ما غير معلنة، مشيراً إلى أنه كان بالأحرى أن يوجه بنكيران رسالته بشكل مباشر إلى هياكل ومؤسسات حزبه كي تتضح الصورة بشكل أكبر.
وأضاف بودن في تصريح لـ"إرم نيوز"، أنه من الناحية الموضوعية فإن قرار بنكيران ليس عقلانياً، بل هو مبني على معطيات سيكولوجية وعاطفية، معتبراً أن الأمين العام السابق ينطلق من تفسير ذهني للاستعمالات المشروعة للقنب الهندي ولا يريد أن يستمع للطرح العلمي لهذا الموضوع المهم.
وفي تعليقه على إمكانية تزعم بنكيران جبهة معارضة أو حزبا سياسيا جديدا بعد تجميد عضويته - وهذا من بين التوقعات التي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي - أكد المتحدث أن تأسيس حزب جديد من قبل بنكيران سيشكل ضربة موجعة للعدالة والتنمية، وسيكون بداية لـ"تحلل" هذا النظام السياسي، لكنه لا يضمن لبنكيران استرجاع توهجه السابق.
وزاد: "من الناحية العمرية بنكيران يتقدم في السن، والأهم من هذا أن الحزب يُبنى على فكرة وبرامج واضحة وليس على نزوة" على حد وصفه.
وبيّن رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية، أن الحزب الحاكم منهك حالياً بالمشاركة في السلطة ومتعب بالملاحظات الموجهة إليه، لافتاً إلى أن المؤتمر السابق أظهر العدالة والتنمية منقسماً من حيث الولاء، وهو الآن مهدد بالانشقاق.
ويعتقد بودن أن حزب العدالة والتنمية في وقتنا الراهن "لا يرتكز على إنجازات كبيرة ليقدم نفسه إلى الناخبين، وبالتالي فإن هذه المعطيات التي ذكرناها تجعل من وضعيته ورغم ثبات قواعده، غير قادر على الإقناع، وغير قادر على التبرير، ولا يمتلك الحجج لرفع الشعارات الكبيرة".
حزب جديد
دافع عبدالعزيز أفتاتي، القيادي البارز في حزب العدالة والتنمية، عن زميله عبدالاله بنكيران، مؤكداً أن هذا الأخير يسهم في النقاش العمومي بصوت مرتفع لإشراك الناس في القضايا الكبرى.
وأضاف أفتاتي في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن موضوع المقاربة البديلة في القنب الهندي خلافي وسجالي ويحتاج إلى الهدوء وتوسيع نقاش مجتمعي ومؤسساتي، معتبراً أن الوقت الحالي "ليس مناسباً لمناقشته إذا كنا نبحث عن إنتاج تشريعي مفيد للمجتمع في مواجهة المافيات".
وفي هذا الصدد، أكد المتحدث أن جل المغاربة لديهم إجماع على قطع الطريق على المافيات، والبحث عن بدائل لصغار المزارعين المختصين في القنب الهندي، وضعاف الأسر، قصد إخراجهم من براثن الاستغلال.
وأردف أفتاتي أن مسألة التجميد وما شابه لا يملك تفعيلها كليا أو جزئيا أو عدم تفعيلها إلا المعني بها، معتبراً أن "أمثال بنكيران لا يحتاجون لنياشين ورتب ومواقع للقيام والإسهام كما هو معتاد في قيادة مواجهة الاستبداد والفساد"، وفق تعبيره.
ورداً على ما يروج في الأوساط السياسية من قبيل أن الحزب الحاكم مهدد بالانقسام بسبب التطورات الأخيرة، أكد أفتاتي أن رموز المشروع لديهم اقتناع بالوحدة والانسجام مهما كانت الظروف، و"لا أحد في العدالة والتنمية مقتنع بالذهاب دون الآخرين"، مشيراً إلى أن "الكل يعتقد أنه لا بديل عن العمل الجماعي في كل الأحوال والظروف".
وشدد بالقول: "لا تهديد لا بانقسام ولا بانشقاق العدالة والتنمية، وكل هذه الأمور تعكس ضراوة الصراع الذي يخوضه الحزب ضد تهديد الاستبداد".
"نفاق"
يرى مراقبون أن الحزب الإسلامي عاش تحولات جذرية في مواقفه خلال السنوات الأخيرة لتجنب الصدام مع مصالح الدولة المغربية، ويظهر ذلك من خلال سلوكه السياسي خصوصا ما ارتبط بملف التطبيع مع إسرائيل، وتقنين القنب الهندي، ومسألة الحريات الفردية، وغيرها من القضايا المثيرة للجدل.
وأكدت وسائل إعلام محلية أن قرار بنكيران سيُحدث تصدعاً كبيراً في البيت الداخلي للإسلاميين، خصوصاً أنه لم يتجاوز بعد تداعيات "التطبيع" مع إسرائيل.
ووفق مصادر مطلعة، فإن بنكيران يستغل ورقة "تقنين القنب الهندي" للضغط على تيار العثماني في الحزب للعودة إلى الأضواء مجدداً، "وهذا ما يفسر الهجمة الشرسة التي يشنها الرجل على الحكومة كلما أتيحت له الفرصة".
وأشار إلى أن موقف بنكيران فيه نوع من "النفاق" ولا ينبني على أمور آيديولوجية كما يروج لها، لأنه عندما كان قائدا للحكومة ارتفعت مداخيل الدولة من مبيعات الخمور والجعة.
وبسبب هذه النقاط، من المرتقب أن تتفاقم حدة المشاكل الداخلية في صفوف "إخوان" المغرب، من خلال بروز كثرة الاستقالات التي ستؤثر على تجانس الحزب قبيل موعد الاستحقاقات الانتخابية.