وول ستريت جورنال: نشر نظام صواريخ أمريكي جديد في الفلبين يضع مواقع استراتيجية صينية في مدى الضربات
يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإسرائيل ما زالتا تبحثان عن موطئ قدم لمشروعهما القاضي بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة. واليوم تدخل سوريا كأحد الخيارات المحتملة لإعادة توطين أهالي غزة فيها، من ضمن خيارات أخرى كالصومال والسودان.
ونقلت شبكة "CBS News"، عن مصادر مطلّعة، قولها إن هذه الخطوة تأتي استناداً إلى الطرح الذي كان ترامب قد قدمه، وتبنته حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية.
و وفقاً لتقرير الشبكة، فإن إدارة ترامب أبدت اهتماماً بسوريا كوجهة محتملة لتهجير الغزيين. وقال أحد المصادر: "حاولت الإدارة الأمريكية التواصل مع الحكومة السورية الجديدة عبر طرف ثالث".
هذا الطرح لم يكن وليد اللحظة، بل طُرح منذ أكثر من شهر في تقارير متعددة دون أي نفي جاد أو حاسم لا من دمشق ولا من واشنطن، مما يترك المجال مفتوحاً أمام احتمالية أن يكون المشروع قيد الدراسة الفعلية.
ووفقا للعديد من المراقبين للشأن السوري وللأوضاع في المنطقة ككل، فقد نشهد تمرير هذا المخطط في الأراضي السورية، لأكثر من سبب؛ منها داخلي سوري وبعضها خارجي يتمثل بصراع القوى الإقليمية والدولية على الأراضي السورية.
عناصر حماس وليس غزة
الكاتب والمحلل السياسي السوري مازن بلال يرى أن "كل مسألة التوطين هي أداة ضغط حتى الآن، وبالنسبة لسوريا هي أحد الخيارات المطروحة التي يمكن استخدامها لترحيل عناصر من حماس وليس سكان غزة"، مشيرا إلى أنه ليس بالضرورة أن تقبل السلطات السورية بهذا الأمر، خاصة أن الترحيل مازال افتراضيا.
يضيف بلال "نحن أمام تصعيد في كافة أرجاء المنطقة، وهو ما يفتح احتمالات غير متوقعة. ومن الممكن أن تحدث تسويات مختلفة ولكن في النهاية هناك تحولات مستمرة واحتمالات مفتوحة".
ويقارن الكاتب السوري بين الوضع السوري حاليا وقبل سقوط نظام الأسد، فيقول "بعكس الشرعية السورية سابقا، التي استندت للقوة الداخلية حتى ولو كانت استبدادا، فإن الشرعية الحالية هي نتيجة توافقات إقليمية ودولية، لذلك يمكن أن تتبنى قرارات وفق المسار الدولي".
رابح - رابح
الكاتب والباحث السوري د. مالك الحافظ يقول من جهته إن السلطة الانتقالية في سوريا وجدت نفسها تحت وطأة ضغوط متزايدة وإحراجات متكررة بسبب التدخل الإسرائيلي المتكرر داخل الأراضي السورية دون أي نية واضحة لاتخاذ موقف مضاد. وإن كان هناك أي تفكير بالرد، فمن المرجح أنه لا يدور حول المواجهة بقدر ما يتعلق بكيفية استغلال هذا الواقع لمصلحة جميع الأطراف المتداخلة.
ويوضح الحافظ في حديث مع "إرم نيوز" أن السلطة الانتقالية تنظر كما يبدو إلى هذا الملف، سواء من زاوية استمرار التصعيد الإسرائيلي أو من زاوية إمكانية الاعتراف الإسرائيلي الأمريكي بها، من منظور مبدأ "رابح-رابح"، وهو نهج لن تتردد إسرائيل في تبنيه. فهي تدرك مدى هشاشة البيئة التي تتحرك فيها السلطة الانتقالية، وستسعى لدعم أي مشروع يضمن استقرار هذه البيئة طالما أنه يخدم مصالحها الاستراتيجية.
وينوه الحافظ إلى أن هذا السيناريو قد لا يكون كامل الواقعية على الأقل حاليا، لكنه يظل احتمالا واردا إذا ما قررت واشنطن فرضه كخيار استراتيجي في المنطقة، بخاصة في ظل وجود سلطة انتقالية في سوريا قد تسعى لفعل أي شيء لتثبيت دعائم حكمها اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.
تفتيت الدولة السورية
يرى الباحث مالك الحافظ أن "ما يجب التوقف عنده هنا هو أن القبول بمثل هذا المشروع لا يعني فقط تثبيت السلطة الانتقالية، بل يعني أيضا تفتيت الدولة السورية إلى أجل غير معلوم. فصفقة من هذا النوع لن تمر دون فرض اتفاقيات تُحوّل سوريا إلى كيان متعدد الجنسيات تُدار مصالحه عبر مجلس سياسي يمثل كل دولة لها نفوذ في المنطقة وتسعى لاستثماره من خلال الأراضي السورية.
"لا أضع السلطة الانتقالية في خانة التخوين، لكن من يسعى لترسيخ سلطته السياسية على حساب تضحيات السوريين، قد يجد نفسه في لحظة ما مضطرا لخوض مقامرة قد تجرّ البلاد والمنطقة إلى واقع لا يمكن التراجع عنه" وفقا لما يحذر منه الحافظ.
ويلفت الحافظ إلى الجانب الأمني في المخطط فيقول "إلى جانب الشروط الاقتصادية وإعادة الإعمار، لا يمكن إغفال البعد الأمني الذي سيكون عاملاً حاسماً في أي اتفاق من هذا النوع، خاصة فيما يتعلق بوضع الجنوب السوري. فمن غير المحتمل أن تمر أي تسوية دون أن تلعب إسرائيل دورا رئيسا في تحويل الجنوب إلى منطقة عازلة منزوعة السلاح، تفرض من خلالها نفوذها على الآليات الأمنية والإدارية التي ستتحكم بإدارة المنطقة. وهذا السيناريو سيمنح تل أبيب اليد العليا في رسم ملامح الوضع الأمني، مما يعني أن أي سلطة مستقبلية في سوريا ستكون مجبرة على التعامل مع إسرائيل كضامن لهذه الترتيبات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر".
معضلة أمنية مزدوجة
في المقابل، يبقى التحدي الأمني الآخر، بحسب الباحث السوري، متمثلاً في ملف المقاتلين الأجانب الذين لا يزال الشرع يحتفظ بهم داخل الأراضي السورية، بل ويصرّ على إبقائهم ضمن معادلة القوة، حتى أنه منح بعضهم الجنسية السورية، مما يخلق معضلة أمنية مزدوجة لكل من السلطة الانتقالية وإسرائيل.
ويرى أن تل أبيب ستنظر إلى هذا الأمر كعامل تهديد مباشر لا يمكن التغاضي عنه، خاصة في ظل المخاوف من امتداد نفوذ هؤلاء المقاتلين خارج الحدود السورية. أما بالنسبة للسلطة الانتقالية، فإن إبقاء هؤلاء ضمن المعادلة سيعني استمرار حالة عدم الاستقرار الداخلي، حيث سيكون من الصعب دمجهم أو تفكيك قوتهم دون أن يؤدي ذلك إلى تداعيات قد تهدد تماسك السلطة نفسها. ومن ثم، سيظل هذا الملف أحد أكثر العوائق حساسية لأي ترتيبات مستقبلية، سواء فيما يتعلق باعتراف إسرائيل بالسلطة الانتقالية، أو بقدرة الشرع على فرض رؤيته الأمنية دون الاصطدام بمعادلات إقليمية ودولية تفوق قدرته على المناورة.
أما تركيا، باعتبارها الحليف الأكثر موثوقية حالياً للسلطة الانتقالية، كما يقول الكاتب، فقد ترى في هذا الطرح فرصة لترسيخ وجودها في سوريا عبر تثبيت قواعد نفوذ دائمة ليس فقط في الشمال، بل ربما حتى في وسط البلاد. ومن جانبها، تدرك السلطة الانتقالية هشاشة البيئة التي تحكم فيها، وهي بحاجة إلى طوق نجاة حقيقي يمكن أن يتمثل في الاعتراف الأمريكي والقبول الإسرائيلي؛ ما يمنحها شرعية دولية تعزز موقعها في معادلة الحكم، وفقا للحافظ.
ويحذر الباحث السوري من أن الثمن الذي قد تطلبه إسرائيل مقابل ذلك لن يكون بسيطا، "فالأمر لا يقتصر على دعم إعادة الإعمار أو منح السلطة الانتقالية مظلة مالية ضخمة لتثبيت حكمها، بل يمتد إلى اعتبارات سياسية وأمنية تفرض ضغوطا داخلية وخارجية كبيرة. على المستوى الشعبي، هناك رفض واسع في الأوساط السورية والعربية لأي طرح يؤدي إلى إعادة هندسة المشهد السوري وفق الرؤية الإسرائيلية؛ ما يجعل تمرير المشروع بحاجة إلى وقت غير محدد، خاصة مع غياب موقف واضح وحاسم من السلطة الانتقالية تجاه هذه المسألة الحساسة".
السوريون.. الخاسر الأكبر
يتساءل الحافظ عن الدور العربي، وكيف سيتم التعامل مع هذا الواقع الجديد. غير أن الأهم من ذلك كله كما يقول، هو أن تمرير مشروع بهذا الحجم قد يعني تفتيت سوريا إلى الأبد. فمع سيطرة إسرائيل على الجنوب السوري اقتصادياً وأمنياً، وبسط حلفاء السلطة الانتقالية لنفوذهم في مناطق أخرى، سيكون السوريون هم الخاسر الأكبر، إذ سيجدون أنفسهم أمام وطن مسلوب، تتحكم فيه التوازنات الخارجية بدلاً من أن يكون مشروعاً لمستقبل مشرق كما كانت السلطة الانتقالية تروج له.
أما الفلسطينيون، فهم يواجهون جريمة إنسانية موصوفة لا يمكن القبول بها، لكن في ظل غياب قوة مقابلة تمنع فرض هذا المخطط، قد يصبح المشروع أمرا واقعا.
ويعرب الباحث السوري عن الأسف لأن السلطة الانتقالية لم تقدم نفيا قاطعا لهذا السيناريو، بل اكتفت بتصريحات عامة، مثل كلمة (الرئيس) أحمد الشرع في قمة القاهرة الطارئة، والتي لم تتجاوز كونها خطابا موجها للاستهلاك الإعلامي، بينما كان الرد الحقيقي يستوجب موقفا عمليا تجاه الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، سواء على الأرض أو في الأجواء السورية.
التنف.. الأكثر ترجيحا
يعتقد الكاتب والباحث مالك الحافظ أنه "رغم كل العقبات التي تعترض هذا السيناريو حاليا، لكن التغيرات المتسارعة محتملة أيضاً بالتأكيد، ومن ثم فإن منطقة قريبة من قاعدة التنف الأمريكية، ضمن الحدود الإدارية لمحافظة حمص، قد تبدو الأكثر ترجيحا لاستيعاب هذا المخطط المشؤوم، الذي لا يقل خطورة على الفلسطينيين عن السوريين. منطقة قريبة من التنف هي من الناحية الجغرافية ممتدة وشاسعة وقد تكون قريبة من نفوذ القوات الكردية الحليفة للجانب الأمريكي (هذا لو سلمنا باحتمالات التقدم بهذا النموذج)، فضلا عن قرب المنطقة من التواجد الأمريكي الذي لا أعتقد بخروجه من سوريا خلال الفترة الحالية، ومن يعلم قد تصبح هذه المنطقة قاعدة أمريكية دائمة جديدة.
ويلفت إلى أن "لا احتمالات بأي تغييرات ديموغرافية أو تغيرات في هيكلة مناطق المجتمع السوري سواء في الساحل الذي تعرض لجرائم يندى لها جبين الإنسانية والوطنية، أو حتى في مناطق أخرى تحتاج إعادة إعمار كغيرها من المناطق سواء في الشمال أو غيرها. وجنوبا لا يمكن طرح منطقة بديلة لهذا المشروع المشؤوم".
ويدعو الكاتب "في ظل غياب أي قوة عربية قادرة على فرض معادلة رادعة أمام هذا المشروع"، للبحث عن أدوات فاعلة تستطيع التصدي لمخطط ترحيل الفلسطينيين من أرضهم، وإعادة تشكيل الخارطة الديموغرافية للمنطقة وفق مصالح القوى الكبرى".
ويختم بالقول:"لا يمكن النظر إلى تثبيت السلطة الانتقالية في سوريا في ظل هذا الطرح إلا باعتباره انحرافا خطيرا عن أي مشروع وطني حقيقي، ذلك أن قبول هذا السيناريو سيكون بمثابة إعادة إنتاج لمنطق الوصاية الدولية على حساب سيادة سوريا ومصالح شعبها، وتحويل البلاد إلى ساحة مقايضات سياسية لا تعكس إرادة السوريين بقدر ما تعزز سيطرة الخارج على مستقبلهم، حتى ولو كانت السلطة الانتقالية التي استماتت للتفرد بالسلطة قد تريد ذلك مقابل مصالحها الخاصة فقط." وفقا للكاتب والباحث مالك الحافظ