كلما شعر السوريون بصعوبات الحاضر، هرعوا إلى التاريخ. هنا في الشام القديمة، حيث تتجاور معالم ما قبل الميلاد، مع أبنية العصور اللاحقة، يلتقط الناس أنفاسهم في هدأة الجامع الأموي، فيؤدون الصلاة ثم يجولون في المسجد، محاولين رفع منسوب الأمل والمعنويات.
سيارات عسكرية ومقاتلون.. نساء وأطفال ووافدون من كل المناطق، امتدوا على طول السور الغربي للجامع الأموي، البعض منهم يدخل من سوق الحميدية، وآخرون يأتون من جهة مقهى النوفرة، جنود يقفون فجأة ويبدؤون التكبير، بينما يصر الأطفال على التقاط الصور التذكارية مع المقاتلين.
يسألنا أحد الجنود: لماذا محلات السوق مغلقة؟ فنخبره بأن الحذر مازال سيد الموقف عند البعض، بينما يغلق آخرون محلاتهم بانتظار استقرار السوق وأسعار البضاعة حتى لا يخسروا إذا ما ارتفعت الأسعار.
يشتهر الجامع الأموي بأذانه الجماعي، ويخبرنا الزائرون أن زيارتهم إلى دمشق لا تكتمل إلا بالقدوم إلى هنا. يقول عمر، القادم مع قوات المعارضة، إنه كان يحلم دائماً برؤية الشام القديمة، منذ أن كان طفلاً يشاهد أحياءها على التلفزيون، قال في نفسه: سأتجه من القامشلي إلى الشام يوماً، لأشفي شوقي لهذا المكان.
المدينة الحلم
أثناء الطريق، أوقفتنا سيارات كثيرة، سألنا أصحابها عن أسهل طريق للوصول إلى الجامع.. ترى ما الذي يدفع أولئك المقاتلين الناجين من المعارك، إلى التوجه مباشرة نحو المسجد، الذي أمر الوليد بن عبد الملك ببنائه عام 705م؟. يبتسم عمر ويقول: هذا تاريخنا الذي تبقى الأرواح مشتاقة إليه.
يسألنا البعض عن هذه التفرعات الضيقة وإلى أين توصل؟ نخبرهم عن الأسواق القديمة مثل البزورية وسوق العرايس ومدحت باشا.. ونخبرهم أن ينتظروا حتى تعود الحياة لطبيعتها، ليشاهدوا حيوية المكان وحجم الازدحام فيه. الكثير من الوافدين، قدموا من إدلب وحلب ومناطق الشمال، وفي أذهانهم صورة أسطورية لدمشق أو المدينة الحلم كما يسميها المقاتل عمر.
لا ينجو محل بوظة بكداش الشهير القريب من الجامع الأموي من الصور التذكارية وتدفق الناس. صحيح أن معظم الوافدين سوريون، لكنهم يبدون كالسياح، نظراً لغيابهم الطويل عن دمشق. بعضهم يتلمّس الحيطان القديمة، ويسألنا عن تلك الأعمدة والأقواس في نهاية سوق الحميدية مقابل الجامع الأموي. نخبرهم عن معبد جوبيتر التاريخي، واجتماع عدة حضارات في هذا المكان، فيعبرون عن دهشتهم ويتابعون السير.
"كل واحد يتواصل مع هذا المكان بطريقته ويأخذ طاقة كبيرة منه"، يقول ياسر، القادم من شبعا في ريف دمشق برفقة ابنه. نتابع الطريق عابرين سوق الحميدية.. المركبات والناس، يتوافدون بكثرة صوب الباب الخشبي الكبير، الذي لم يسبق أن أغلق دفتيه في وجه أحد.