الجيش الإسرائيلي: إنها "المرة الأولى" التي يطلق فيها حزب الله صاروخا نحو تل أبيب

logo
العالم العربي

إسرائيل وحزب الله.. من ينتصر التكنولوجيا أم الأيديولوجيا؟

إسرائيل وحزب الله.. من ينتصر التكنولوجيا أم الأيديولوجيا؟
علما حزب الله وإسرائيلالمصدر: رويترز
23 سبتمبر 2024، 2:27 م

لا شك في أن ما حصل في الـ17 والـ 18 من أيلول/سبتمبر من تفجير لأجهزة "بيجر" والـ"ووكي توكي"، والذي أدى إلى مقتل وجرح المئات من عناصر ميليشيا "حزب الله" في دقيقة واحدة هو تطور غير مسبوق في تاريخ الصراعات والحروب.

إزاء هذه "الضربة الكبيرة والقاسية" ظهر أمين عام الميليشيا حسن نصر الله مستعدًّا لرفع معنويات عناصر وجمهور الحزب متوعدًا "بالحساب العسير والقصاص العادل من حيث لا يحتسبون" ومهددًا الإسرائيليين بأن "الجواب ما ترون وليس ما ستسمعون".

 بعد هذا الخطاب لنصرالله، خرجت العديد من الأصوات في لبنان دعته إلى "جلسة للتفكر " في البون الشاسع بين قدرات إسرائيل العسكرية وقدرات الحزب "المحدودة" والتفوق التكنولوجي الساحق "للعدو".

كثيرون علقوا على تهديدات نصر الله واستخدامه "خطابًا عقائديًّا"لرفع معنويات عناصر ومنتسبي الحزب ومريديه. وقالوا: لا يمكن للأيديولوجيا أن تتغلب على التكنولوجيا في الحروب. فـ"التكنولوجيا تفتح الأبواب إلى العالم الكبير فيما الأيديولوجيا تفتح الأبواب إلى العالم الآخر" وفق قولهم.

لكن بالمقابل، ثمة من يرى أن الأيديولوجيا قد تؤدي دورًا كبيرًا وأساسيًّا في "النصر" ويشير هؤلاء إلى حالة "حماس" التي استطاعت بإمكانات بسيطة تحقيق أكبر خرق لأعتى القلاع التكنولوجية في المنطقة. ويرى آخرون أن الأيديولوجيا ليست حكرًا على حزب الله، فإسرائيل تقوم أصلًا على الأيديولوجيا، ولكنها بالتوازي تنتج وتبيع وتستخدم أحدث تقنيات ومنتجات الذكاء الاصطناعي.

الأيديولوجيا لا تكفي

مصدر عسكري لبناني، تحدث لـ"إرم نيوز" قائلًا إن عدة شروط تجعل من يملك الأيديولوجيات والعقائد، قادرًا على مواجهة من يعتمد في قوته على التقنيات الحديثة والتكنولوجيا، وفي صدارة هذه الشروط، أن تكون المسافة بين الجانبين في استخدام أحدث أطر التكنولوجيا في الاتصالات والتسليح والتقنيات، قصيرة للغاية أو متقاربة، وألا تكون المسافات بمئات الأميال وعشرات المراتب، كما هي الحال بين إسرائيل وحزب الله، مثلما ظهر في المواجهات الأخيرة.
 
وقال المصدر الذي فضَّل إخفاء هويته، إنه من الخطأ الظن بأن الأيديولوجيات والعقائد حافز وداعم لحزب الله فقط، إذ يوجد عقائد وأيديولوجيات بالمستوى ذاته لدى الإسرائيليين، ولكن ما جعل الاعتقاد بأنها حكر على "حزب الله" فقط، هو أن الجانب الإسرائيلي لا يعتمد عليها في المواجهة بشكل رئيس، ولا يجعلها سببًا فيما يُحرزه.
 
ولفت المصدر إلى أن الجيش الإسرائيلي وعناصره، يمتلكون أيضًا أيديولوجيات، ويؤمنون ويخضعون لها، وتُبنى عقائدهم العسكرية على قناعات دينية وسياسية في الأساس، يقتنعون بأن حمايتها لن تكون إلا بتطوير تسليحهم من حيث المعدات والتقنيات واتباع التكنولوجيا الحديثة والتعرف عليها وممارستها.

سام دلة: انتصار التكنولوجيا

المحلل السياسي، والاستشاري في جامعة الشارقة، الدكتور سام دلة، يرى بأن مقولة "سقوط الأيديولوجيا وانتصار التقنية" استخدمها العديد من القادة والمفكرين منذ نهاية القرن الماضي، وتعززت وتتعزز بفضل التقدم التكنولوجي.

وأوضح دلة في تعليق لـ"إرم نيوز" بأن هذه الفكرة تعبر عن جانب من الحقيقة، وليس الحقيقة كلها، فهناك تراجع مستمر للأيديولوجيا في مختلف الأدبيات وسياسات الدول بحثًا عن حلول وحوكمة أفضل ترتكز على البرغماتية، ولا أدلّ على ذلك من الجملة التي تنسب للزعيم الصيني الراحل دينغ سياو بينع "لا يهمني لون القط، المهم أن يكون قادرًا على اصطياد الفأر".

ويضيف المحلل السوري "نعم، هناك انتصار للتكنولوجيا، إذ أضحت الوسيلة أو العقيدة المشتركة لكافة الشعوب، أو على الأقل في السعي لها باعتبار أنها تقدم حلولًا أفضل (رغم المآخذ الأخلاقية والأمنية) لحياة البشر (صحيًّا، وأكاديميًّا، وعسكريًّا، وتواصلًا، وإنتاجيةً.....).

 ويلفت دلة إلى أنه "لو ربطنا الأمر بما يجري من أحداث في المنطقة، فسنرى أن من يصنع ويملك القدرات العسكرية هو من ينتصر في المعركة العسكرية، ومن يصنع ويمتلك الدواء الأفضل هو من يستطيع تقديم خدمات صحية أفضل لمواطنيه، ومن يستند فقط إلى أيديولوجيا يمكنه الاكتفاء بالشعارات والدعاء.."

لكن كل هذا، وفقًا للمحلل دلة، لا يعني اختفاء الأيديولوجيا، حيث ستبقى تُستخدم سلبيًّا كأداة بروباغندا في السياسات، وإيجابيًّا كأفكار فلسفية لمنظور ما لمقاربة سياسة أو مسألة ما.

أخبار ذات علاقة

سلاسل توريد من آسيا إلى أوروبا .. كيف يحصل "حزب الله" على قائمة احتياجاته؟

 

مازن بلال: الأيديولوجيا وليدة تقنيات

من جانبه، يرى الكاتب السياسي السوري، مازن بلال أن الفصل ليس نهائيًّا، ذلك أن الأيديولوجيا هي وليدة تقنيات، فالماركسية وليدة الثورة الصناعية، والمحافظون الجدد هم أبناء ثورة المعلومات.

لكن بغض النظر عن إشكالية العلاقة، يقول بلال، إن قياس كسر الإرادات الحالي هو بين ثورة الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات التي أوجدت القبة الحديدية على سبيل المثال، وبين عالم يملك جغرافية قديمة مرتبطة بسردية تاريخية مركبة.

ويضيف: "أن إسرائيل لديها أيضًا روايتها التاريخية المنسجمة مع طبيعة الحرب، لكن ما يميز دولتها هو عصبية ملونة إن صح التعبير، مع ثقافة أمريكية بالدرجة الأولى وشراكة علمية مع معظم جامعات الغرب.

ويلفت بلال إلى أن "المعركة ليست بين الأيديولوجيات والتقنيات، بل معركة تصورات سياسية مفقودة بين الطرفين، فكسر إرادة طرف يتطلَّب أكثر من مسألة التقنية والقدرة النارية، وهذا ما حدث في غزة فالدمار على الأقل لن ينهي تيار حماس."

ويشير الكاتب السياسي "سينتصر من هو قادر على جعل التقنية ثقافة مستقبل وهو أمر متوفر في إسرائيل، لكنه في الوقت ذاته لا يحمل تصورًا سياسيًّا".

محمد خير الجروان: صراع بين أيديولوجيتين

الخبير في الشؤون الإسرائيلية وأستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك الأردنية، الدكتور محمد خير الجروان يرى أنه "في سياق التنافس بين إسرائيل من جهة، وإيران وحلفائها من جهة، يُنظر إلى التكنولوجيا والأيديولوجيا كأدوات في سياق الصراع القائم بين الفريقين.

ويضيف أن "لكلٍّ منهما مشروعًا يهدف إلى الهيمنة وبسط النفوذ في المنطقة، وتستند مشاريعهما إلى مجموعة من الأدوات التكنولوجية والأيدولوجية التي تغذي وتسهم في تحقيق أهدافهما، وتحتل حيزًا كبيرًا من المواجهات المباشرة وغير المباشرة التي اختبرناها بشكل واسع ومعمق بعد عملية السابع من أكتوبر."

أخبار ذات علاقة

بعد ليلة مشتعلة.. "حزب الله" وإسرائيل يتبادلان التهديدات

 

ويلفت الجروان إلى أن التكنولوجيا لا تنتصر دائمًا، ويشير على سبيل المثال إلى تجربة حماس، فيقول "أمام تكنولوجيا الجدران الأمنية والمنظومات الدفاعية ذاتية التشغيل رأينا كيف استطاعت حماس بأدوات تقليدية مفاجأة إسرائيل وإحداث اختراق والتوغل داخل المناطق المحتلة، واستطاعت إلى اليوم مواجهة أحدث التكنولوجيات العسكرية للقوات الإسرائيلية، ولو كان على حساب المدنيين في القطاع.

ويرى الخبير الجروان أن أيديولوجيا حماس لعبت الدور الأكبر لصمودها في هذه الحرب، واستفادت منها على عكس التوقعات في كسب تأييد وتعاطف كبيرين داخل الضفة والقطاع وخارجهما، وإن بدأ هذا التأييد بالتراجع بعد الأزمة والكارثة الإنسانية والجرائم التي تسببت بها القوات الإسرائيلية، متسائلًا: هل انتصرت الأيديولوجيا على التكنولوجيا في هذه الحالة؟ 

ويضيف الخبير الأردني "في حالة الصراع والتنافس بين إسرائيل من جهة وإيران وحلفائها من جهة أخرى، نلاحظ كيف استطاعت التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية تدريجيًّا الكشف عن مأزق إيران ومشروعها في المنطقة، فبعد عقود من استعراض القوة ونشر أيديولوجيتها وترسيخها كإحدى الأدوات الرئيسة لبسط نفوذها في المنطقة، نجدها اليوم تعيش -مأزقًا أيديولوجيًّا- إن جاز التعبير، بعد عجزها عن تقديم رد مقنع لأيٍّ من العمليات العسكرية التي نفذتها إسرائيل سواء مباشرة داخل الأراضي الإيرانية كاغتيال هنية، أو خارج أراضيها كتدمير إسرائيل لمبنى السفارة في دمشق، أو حتى عملية "البيجر واللاسلكي" التي استهدفت الآلاف من عناصر حزب الله في لبنان خلال الأيام الماضية.

 مع ذلك، يرى الخبير الجروان أنه "من المبكر إصدار حكم نهائي حول غلبة الأدوات التكنولوجية الإسرائيلية على الأدوات الأيديولوجية لإيران، رغم أن جميع المؤشرات تدعم ذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار البراغماتية الإيرانية التي يتبعها القادة الإيرانيون حاليًّا أمام تراجع وتقهقر أيديولوجيتهم داخل إيران وبين حلفائهم، وفي عموم المنطقة.

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC