يرى محللون سياسيون أن الاشتباكات المسلحة الجارية عبر الحدود اللبنانية السورية، تخرج هذه الحدود عن نطاق السيطرة ما يجعلها "نقطة ساخنة متحركة" ضمن مشهد شرق أوسطي تجري إعادة رسمه حاليا.
ويشيرون إلى أن هذا الواقع يتضمن اختراقات جغرافية وحروب تهريب سلاح ومخدرات، إضافة إلى التهجير السياسي والطائفي.
وذكر المحللون بـ "إرم نيوز" أن ما شهدته الحدود السورية اللبنانية في الأيام القليلة الماضية من اشتباكات مسلحة، أحد تداعيات تغيير النظام في سوريا والحرب في غزة وجنوب لبنان، والخسارات الإيرانية الباهظة التي تصرّ طهران على تعويضها في أكثر من موقع حدودي وجبهة إقليمية.
وكانت اشتباكات عنيفة تواصلت لمدة ثلاثة أيام عبر الحدود بين بعض فصائل الجيش السوري والعشائر اللبنانية، وأسفرت عن وقوع عدد من القتلى والجرحى من الجانبين، ثم توقفت ظهر يوم الأحد، قبل أن تعاود الاشتعال، لتصدر رئاسة الجمهورية اللبنانية توجيهات للجيش بأن يتدخل ويرد على النيران السورية بما يقتضيه إسكاتها.
المحلل السياسي زين الدين بني نمر قال في حديثه لـ "إرم نيوز"، إن هذه الاشتباكات التي انفتحت في الحدود الشرقية للبنان وطالت عشائر محسوبة على البيئة الاجتماعية لحزب الله، تتزامن مع تواصل الجبهة الأخرى المفتوحة على حزب الله في جنوب لبنان على الحدود مع إسرائيل.
وأضاف بني نمر: من مفارقات هذه الاشتباكات أنها ترافقت مع بيانات رسمية ملتبسة ومتفاوتة اللغة صدرت من القصرين الجمهوريين في دمشق وبيروت.
ورأى أن هذا التفاوت يفسر عدم توقف الاشتباكات رغم الوساطات القوية، ثم التصعيد من قبل لبنان بإدخال جيشه في المواجهة بعد أن كانت مقتصرة على أسلحة العشائر.
وكان جرى اتصال هاتفي بين الرئيس اللبناني جوزيف عون والرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، يوم الجمعة الماضي، وصفته الرئاسة السورية بأنه جاء "لتعزيز التعاون والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين الشقيقين، ودعما من لبنان لوحدة الأراضي السورية واستقلالها وسيادتها".
وأضاف بيان دمشق أن "الرئيس الشرع أكد من طرفه على الروابط التاريخية والجغرافية التي تجمع البلدين، مشيرا إلى التاريخ المشترك والعريق لدولتي سوريا ولبنان".
وعلى عكس البيان السوري الذي لم يشر إلى الاشتباكات الجارية على طرفي الحدود في البلدين، تضمن البيان اللبناني القول إن الرئيس عون "أجرى اتصالا هاتفيا بالرئيس الشرع هنأه فيه بتسلم مسؤولياته الرئاسية، وإن الرئيسين تناولا خلال الاتصال الاشتباكات الجارية على الحدود اللبنانية-السورية، واتفقا على التنسيق لضبط الوضع ومنع استهداف المدنيين".
ورأى المحلل السياسي بني نمر أن الاشتباكات تشير إلى "نوع من الأزمات المركبة، ظاهرها ملاحقة المهربين وتجار الكبتاغون، وباطنها استحقاقات لشبكة من القضايا الثنائية العالقة بين البلدين، بالإضافة إلى عوامل خارجية أخرى ذات علاقة بإنهاء وجود الميليشيات الإيرانية وحزب الله في الأراضي السورية بعد سقوط النظام السابق".
ولا يستبعد بني نمر أن تكون هذه الاعتبارات وغيرها حاضرة بشكل خفي في المواجهة المسلحة التي يخوضها النظام الجديد في دمشق، وهو الذي أنهى الدور الإيراني القوي في سوريا وترك طهران تبحث عن صواعق تزرعها في وجه نظام الشرع بأمل أن يضطر مرة ثانية للتعاون معها.
من جهته أشار المحلل السياسي لطيف أبو نبوت إلى أن هذه الحدود بين لبنان وسوريا غير مرسّمة وأنها مفتوحة للتنقل؛ ما جعلها بيئة مثالية للمهربين الذين تقول سوريا إن عمليتها العسكرية تستهدفهم.
وذكر أبو نبوت أن التهريب يشمل عمليتين، الأولى: تهريب السلاح الإيراني لحزب الله، وهو الحال الذي استدام سنوات طويلة وجاء النظام السوري الجديد لينهيه ويكسر ما يسمى بالهلال الشيعي الذي يربط طهران مع البحر المتوسط.
وأضاف أن الثانية: تهريب المخدرات والكبتاغون الذي طلبت الدول الخليجية من الشرع أن يوقف مافيات تصنيعه وتهريبه إلى أراضيها.
ولفت المحلل أبو نبوت إلى بُعد ثالث للعملية العسكرية السورية عبر الحدود مع لبنان، وهو البُعد الديموغرافي وما يكتنفه من تهجير طوعي أو قسري للمجاميع الطائفية التي تتوزع وتتنقل بين البلدين.
وخلص المحللان السياسيان إلى أن حيثيات وتوقيت الاشتباكات التي يتولاها من الجانب السوري فصيل هيئة تحرير الشام الذي التحق بجيش النظام، هي اعتبارات مركّبة تستهدف في بعضها البيئة الاجتماعية لحزب الله، وذلك في سياق ترتيبات إقليمية أوسع تعيد ترسيم الحدود ولا تستثني التهجير السياسي والطائفي.