دلالات ميدانية أفرزتها الضربة الإسرائيلية على إيران, انعكست على استمرار التهديدات بالرد والرد المقابل، وسط أجواء من الضبابية في تحديد الأهداف والغايات لطرفي الصراع، ما يجعل احتمال توسع دائرة المواجهة ممكنا.
فمنذ السبت الماضي، والعالم في حالة انقسام بشأن الضربة الإسرائيلية لإيران وتأثيرها في مجريات الصراع المتلاحقة, الأمر الذي استدعى المزيد من التقييم والقراءة لجغرافية الصراع وتوازناته الإقليمية, وفقا لكتاب ومعلقين سياسيين.
وهنالك من يرى بأن نتنياهو أدرك صعوبة النيل من إيران, على الأقل في المرحلة الحالية, بسبب انشغاله بضرب حلفائها الذين يطوقون إسرائيل, بما يعرف بـ"حزام النار"، بينما يرى آخرون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي استجاب لمطالب الولايات المتحدة, بعدم مهاجمة منشآت نووية أو نفطية إيرانية, خشية اتساع رقعة النيران، التي قد تشعل أسعار البترول.
مراقبون: نتنياهو يتحيّن الفرص لضربة أكبر
الإعلام الإسرائيلي عاود الحديث عن استعدادات لضربة ثانية تستهدف إيران, وذلك ردا على استهداف منزل نتنياهو في محاولة لاغتياله بمسيّرة, قيل إنها أطلقت من لبنان في التاسع عشر من أكتوبر الجاري، وفقا لما تناوله موقع"سروجيم"العبري, اليوم الثلاثاء.
وبحسب مراقبين, فإن مؤشرات أخرى تنبئ بأن كلمة "النهاية" للمواجهة الإسرائيلية الإيرانية المباشرة, لم تكتب بعد، ذلك ان نتنياهو المصر على"تحجيم إيران"، كما قال في كلمته أمام الكنيست الإسرائيلي, أمس الاثنين، توعد بأن"يد إسرائيل الطويلة ستصل إلى كل مكان يسعى إلى تدمير إسرائيل" وهو لن يهدأ حتى يحرم الإيرانيين من حلمهم النووي, كما يرى مراقبون.
وتجسدت حدة الصراع أثناء تبادل السفيرين الإسرائيلي والإيراني في الأمم المتحدة الاتهامات, أثناء اجتماع مجلس الأمن الذي عقد أمس الاثنين, بشأن الجهة المسؤولة عن إشعال فتيل الحرب وتأجيج الصراع في المنطقة.
نتنياهو بانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية
الباحثة في علم النفس السياسي, د.مريم الشمري, تقول "يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المحاصر داخليا بملفات عدة, يرى في استمرار الصراع المباشر مع إيران فرصته الذهبية لإسكات خصومه من المعارضة, وأعتقد أنه يحاول استرضاء ساكني البيت الأبيض بشن هجمات محدودة حتى ظهور نتائج الانتخابات, في الخامس من نوفمبر".
وفي حديث لـ"إرم نيوز"، تضيف الشمري: "في حال فوز الرئيس السابق, دونالد ترامب, فأعتقد أن نتنياهو لن يفوت الفرصة التي ينتظرها لتوجيه ضربة أكثر تدميرا وقوة لأهداف داخل إيران, فهو يرى في ترامب حليفا أكثر تطابقا في المواقف إزاء السياسات التي تنتهجها طهران".
الجغرافيا في معادلة الصراع الإقليمي
وفي قراءة للمتغيرات العسكرية في المنطقة, يقول رعد الشهابي، المحلل العسكري: "إيران (2024) ليست العراق (2003) وإسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة, تدركان أن المواجهة المباشرة معها قد تتحول إلى حرب مفتوحة في المنطقة, كما أن الإيرانيين واثقون من أن الجغرافيا تلعب دورا لصالحهم في هذه المواجهة, لذلك يدفعون بمليشياتهم لتلك المواجهة".
ويواصل في حديث لـ "إرم نيوز": "على الرغم من القدرات والتقنيات العسكرية المتطورة, فإن الإسرائيليين والأمريكان, لن يكون بمقدورهم تغيير النظام السياسي في إيران بسهولة, واحتمالات بقاء النظام لن تحسم الصراع, بل تدفع الشرق الأوسط لمزيد من الانفجار ربما غير المسيطر عليه, خاصة من الأذرع الإيرانية وخلاياها النائمة".
أولويات إيران بين الحرب والسلام
وفي تشخيص لسياسات طرفي الصراع, يرى الباحث السياسي, نزار السامرائي, أن"معطيات الواقع الإيراني تؤكد محاولة مؤسسات الحرس الثوري التخلي تدريجيًا عن نهجها في التواري وراء المؤسسة الدينية, وتخندقها الجديد وراء مؤسسات الدولة, في مفهوم مغاير يكسبها شرعية إضافية لاحتواء الداخل".
ويستعرض السامرائي في حديث لـ"إرم نيوز"، ما يعتبره بدايات لهذا التحول السياسي, بقوله: "الانعطافة في السياسية الإيرانية كانت نتيجة للضغوط التي أفرزتها مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر, واتضحت أكثر من خلال تصريحات الرئيس مسعود بزشكيان في محاولته ترطيب الأجواء مع الأمريكان واعتبارهم إخوة، فضلا عن ممارسة دبلوماسية أكثر لينا, جسدتها الجولات المكوكية لوزير الخارجية عباس عراقجي".
ويضاف الى ما سبق وجود صعوبات ومحاذير تكتنف الصراع الدائر بين إيران وإسرائيل, يتلخص بتعذر أي مواجهة تقليدية بينهما لأسباب البعد الجغرافي بين البلدين, والذي يبلغ أكثر من 1700 كم، (المسافة بين تل أبيب وطهران تبلغ 1890 كم) ووجود دول أخرى بين طرفي الصراع، ما يحتم اللجوء إلى الحرب الصاروخية والقصف الجوي، وهو ما يعني أنه لن تكون أي دولة في المنطقة خارج تأثيراته, عسكريا وسياسيا, الأمر الذي ينتج المزيد من الفوضى في الشرق الأوسط, وهذا ما لايتمنى أي ساكن جديد للبيت الأبيض.