قال ناشطون سوريون، إن الوقفة الاحتجاجية التي شهدتها مدينة طرطوس الساحلية يوم أمس انتهت بإصابة عدد من المحتجين وتهديدات بالقتل للمشاركين فيها، إذا أعادوا تنظيم أي احتجاج، في مؤشر اعتبروه مهددًا لحياتهم الشخصية، ولمستقبل الحريات التي أكدت الإدارة السورية الجديدة أنها مَصونة، في أكثر من تصريح لقادتها وعلى رأسهم الرئيس أحمد الشرع.
وأكد مشاركون في احتجاج الأحد، أنهم يحضرون لوقفة احتجاجية أخرى بأعداد أكبر، كنوع من الاحتجاج على ما جرى في الوقفة الأولى من عنف وتهديد، مشيرين إلى أنهم تعلموا الدرس من النظام السابق بأن "السلطات تتغذى على خوف الشعب"، وأن التراجع لمرة سيعني أن التقدم سيكون أصعب من قبل.
"على مرأى" من الأمن العام
يقول الناشط عمار صالح، الذي كان أحد المشاركين "الشاهدين" على ما حصل، إن الوقفة الاحتجاجية قوبلت بعنف مقصود، وتحت مرأى ومسمع الأمن العام، الذي لم يتدخل لمنع الاعتداءات، رغم أن مقراته تقع على بُعد عشرات الأمتار مِن موقع الانتهاك.
وكانت محافظة طرطوس الساحلية، شهدت وقفة مدنية احتجاجية، بمبادرة من الحركة المدنية الديمقراطية وتجمع سوريا الديمقراطي وجمعية سنديان والحزب الدستوري السوري (حدْس)، أقيمت في ساحة مدينة طرطوس، ورفعت شعارات "لا للتسريح التعسفي"، و"لا للانتهاكات الجسدية" و"لا لانتهاك المواقع الأثرية" و"السلم الأهلي خط أحمر" ومعًا لبناء سوريا حرة ديمقراطية" وغيرها من الشعارات.
احتجاج يُقابل بـ"شبيحة"
وأفاد عمار صالح، "إرم نيوز" بأن المحتجين تفاجؤوا بمجموعة مضادة، راحت تهتف "قائدنا للأبد سيدنا محمد" و"حرية حرية ثورتنا إسلامية"، وكالوا الاتهامات الطائفية للمشاركين، ثم هجموا عليهم ومزقوا لافتاتهم واعتدوا بالضرب على بعضهم.
ومن الذين تعرضوا للضرب يونس سليمان، وهو معتقل سابق لدى نظام الأسد، وناشطون آخرون بينهم المحامي كنان جديد والصحفي علاء موسى. وتمّ تهديدهم بأن أي احتجاج مرة أخرى سيقابل بالدم والقتل. وقال صالح إن أحد المحتجين بادر بالاتصال بالأمن العام، الذي لا يبعد مقرّه عن مكان الاحتجاج سوى عشرات الأمتار، لكنهم رفضوا التدخل.
وذكر الناشط الذي ينتمي للحزب الدستوري السوري "حدس" والذي أُعلن عن تأسيسه بعد سقوط نظام الأسد، أن خصوصية هذا الاعتصام تكمن في كونه الاعتصام الأول المنظم في الساحل السوري، حيث دعت إليه أربع جهات مدنية وسياسية محلية؛ ما يفسر التحشيد الملحوظ لمواجهة المعتصمين السلميين، في حين لم تتعرض باقي الاعتصامات العفوية التي نُظمت لدعم قضايا متنوعة لأي مضايقات.
حملة تحريض
يؤكد الناشط صالح، أن حملة التحريض ضد الاعتصام والمنظمين (سواء أكانوا أفرادًا أم كياناتٍ) بدأت منذ لحظة الإعلان عنه، حيث تلقى بعض المشاركين والمنظمين اتصالات وتهديدات متعددة ومحاولات للابتزاز.
وأشار إلى أن "المشاركين في الاعتصام لم يقتصروا على طائفة أو منطقة واحدة، ومنهم معتقلون سابقون، والشعارات التي رفعوها، كما شاهد الجميع، تدعو جميعها إلى السلم الأهلي، والعدالة الانتقالية، وتعزيز دور الدولة وسيادة القانون".
ورغم ذلك، يقول الناشط، إن المعتدين لم يتحملوا وجودهم، وأطلقوا صيحات دينية وطائفية (معتقدين أن من شارك بالاعتصام هم من لون واحد)، مهددين بالقتل واستخدام السكاكين، بعدما تعرض عدد من المشاركين للضرب.
وأردف: لم تتدخل قوات الأمن العام رغم أن جميع هذه الأحداث وقعت أمام مركزين رئيسين لها، وهما المحافظة ومبنى فرع الحزب القديم الذي تم استخدامه كمركز للتسويات، وقد قيل إن المنظمين لم يحصلوا على إذن مسبق؛ ما يجعلهم عرضة لتحمل نتائج أفعالهم.
ولم يكتفِ المعتدون بالاعتداء على المعتصمين، بل ذهبوا إلى منزل إحدى منظمات الوقفة الاحتجاجية وتدعى "مي يونس" وهتفوا هتافات تهديد موجهة إليها وطالبوا بطردها فقط لأنها تدعم هذا الحراك المدني.
إدانات وبيانات
وعلق ناشطون سوريون على ما جرى، مذكرين بأن ما جرى في طرطوس هو إعادة للأساليب ذاتها التي كان يعتمدها نظام الأسد، لفض الاحتجاجات التي خرجت ضده في الفترات الأولى من المقتلة السورية، من تنظيم مظاهرات مضادة للاحتجاجات التي كانت تخرج منادية بالحرية في بداية الاحتجاجات التي شهدتها سوريا في عام 2011.
وحينها، كان النظام يرسل "الشبيحة" لفض الاحتجاجات السلمية بالقوة، بأسلوب عنفي سرعان ما تحول إلى اعتداءات وحشية وقتل، استجلب ما بعده من قتل وحرب أهلية وتدخلات أجنبية. وتساءل الناشطون: هل تحاول الإدارة الحالية استنساخ أساليب النظام المخلوع بعد أن تخلصنا من القمع، وهل ضاقت ذرعًا باحتجاجات السوريين حتى قبل أن تبدأ؟
وأدان الحزب الدستوري السوري (حدْس) الاعتداء على الوقفة المطلبية، وامتناع الأمن العام عن التدخل لحماية المحتجين من الأذى الذي لحق بهم، لكونه المسؤول حاليًّا عن حماية الأمن الأمن والسلم، معتبرًا هذا الامتناع شكلًا من أشكال القبول بما حدث.
وقال الحزب في بيان حصل "إرم نيوز" على نسخة منه: "نضع هذه الإدانة بين أيدي السلطة الجديدة، وخصوصًا الأمن العام في طرطوس، لشرح موقفها وملاحقة مرتكبي الضرب والإهانة بحق القائمين بالوقفة الاحتجاجية، وبين أيدي المنظمات الحقوقية السورية".
كما دعا الحزب "جميع القوى الوطنية الديمقراطية لإدانة هذا السلوك، لأن عدم إدانته والقبول به يعني أن مستقبل الديمقراطية والحريات والسلم الأهلي في خطر حقيقي" على حد تعبير البيان.