مصادر طبية بغزة: ارتفاع حصيلة القتلى إلى أكثر من 230 قتيلا إثر غارات إسرائيلية
ستكون عيون الأمريكيين على اختلاف توجهاتهم السياسية مركزة هذا الأربعاء على اللقاء الأول من نوعه المرتقب بين الرئيسين المنتهية ولايته جو بايدن والمنتخب دونالد ترامب في لحظة معقدة المشاعر والمعاني.
حتى وإن كان هذا اللقاء يندرج ضمن تلك التقاليد السياسية التي درج عليها الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون، ومن الحزبين، باللقاء في المكتب البيضاوي مباشرة في أعقاب انتهاء الانتخابات الرئاسية وإعلان الفائز فيها، فإن هذا اللقاء يأتي مباشرة بعد تلك المشاهد غير المسبوقة التي حدثت في انتخابات العام 2020، وهي الانتخابات التي شهدت سابقة غياب الاستقبال الرسمي للرئيس الفائز في الانتخابات عن الاستقبال في البيت الأبيض بسبب أن الرئيس الخاسر وقتها دونالد ترامب رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات ورفض توجيه الدعوة لخلفه الفائز بايدن بالحضور إلى المكتب البيضاوي.
وأكثر من ذلك فإن ترامب رفض حضور حفل أداء اليمين الدستورية لخلفه في الرئاسة الأمريكية، كما نفذ أنصاره هجوما على مبنى الكابيتول، في سابقة تاريخية، وهددوا حياة المشرعين من الحزبين وسلامة نائب الرئيس وقتها مايك بنس، ما جعل الأجواء متوترة بالكامل في الأسبوعين الأخيرين قبل تسلم بايدن السلطة من سلفه ترامب.
علاقة بايدن وترامب معقدة منذ وقت سابق، وتحديدا منذ إعلان الرئيس جو بايدن الترشح لانتخابات الرئاسة عام ألفين وثمانية عشر، وتأكيده أن الجمهورية تواجه الخطر، وأن الديمقراطية الأمريكية كما يعرفها الناس باتت مهددة بوجود ترامب في البيت الأبيض.
هذا العداء بين الرجلين كان واضحا للعيان خلال المناظرات الرئاسية الثلاث التي جمعتهما قبل إجراء الانتخابات، حيث لم يتصافحا في المناسبات التي جمعتهما وقتها، وكان العذر الخوف من انتشار فيروس كورونا وشروط وقيود أزمة الوباء، لكن الشتائم بينهما لم تغب عن مشهد المناظرة لرجلين كان كلاهما في النصف الثاني من السبعينيات من عمره، وهو ما أثار موجة مخاوف كبيرة جدا حول قيم الممارسة السياسية الأمريكية.
هذه الصور والمشاعر تعود إلى الواجهة مرة أخرى هذا الأربعاء. وحتى في مطلع الصيف الماضي، عندما التقى الرجلان على منصة المناظرة الرئاسية الأولى والأخيرة بينهما، والتي أدت إلى انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق الرئاسي بسبب سوء أدائه خلال المناظرة، لم يتصافح الرجلان، كما لم يستطيعا تجنب تكرار سيناريو الشتائم المتبادلة بينهما.
يلتقي الرجلان مرة أخرى هذا الأربعاء وفي محيط مختلف تماما عن كل اللقاءات السابقة بينهما فبايدن سيكون هو الرجل المهزوم هذه المرة بسبب خسارة نائبته السباق، وخسارة حزبه مجلس الشيوخ وربما أيضا مجلس النواب لاحقا، فيما سيكون ترامب هو الرئيس المنتخب العائد إلى البيت الأبيض في سابقة تاريخية لا مثيل لها في التاريخ الأمريكي سوى مرة واحدة كانت قد حدثت العام ألفين وثمانية، إضافة إلى نجاحه في إلحاق واحدة من أكبر الهزائم التي يتلقاها أي حزب حاكم في التاريخ الأمريكي الحديث بخسارة شاملة في الانتخابات.
هناك شعور أكيد بالحسرة سوف يلازم بايدن خلال هذا اللقاء، في حين أن شعورا مناقضا تماما سوف يصحب ترامب وهو يعتلي سلالم مدخل البيت الأبيض، بالزهو والفخر وإعادة الاعتبار لذاته أمام الرجل الذي هزمه قبل أربع سنوات وأخرجه من البيت الأبيض.
لم يتوقف بايدن يوما عن جعل خطابه السياسي للأمريكيين مبنيا على التحذير من خطر ترامب وأنصاره على وحدة المجتمع الأمريكي، وعلى عنصرية هذا الخطاب، كما أنه لم يفوت الفرصة يوما لتجديد التأكيد في جميع المناسبات أن عودة ترامب إلى البيت الابيض ستكون تهديدا حقيقيا للديمقراطية الأمريكية.
في مقابل ذلك لم يتوقف ترامب هو الآخر عن تقديم صورة سوداء عن أمريكا تحت إدارة الرئيس بايدن ووصفه بالرئيس النائم، إضافة إلى سوء إدارته للاقتصاد والهجرة في الداخل وانعكاس ضعف إدارته على صورة وهيبة الولايات المتحدة في الخارج.
يتحدث الديمقراطيون بفخر عن الإيجابية التي أظهرها بايدن وهاريس على التوالي منذ اليوم الأول لإعلان نتائج الانتخابات، وذلك من خلال اتصال هاريس بترامب لتهنئته بالفوز، وكذلك الرئيس بايدن، إضافة إلى إعلان بايدن توجيه الدعوة لترامب للحضور إلى البيت الأبيض وبدء إجراءات تسلم السلطة، وكذلك تسهيل إجراءات نقل السلطة بين الفريقين، وحديث بايدن إلى الأمريكيين عن ضرورة احترام نتائج الانتخابات، مشددا على قيم وثوابت الممارسة الانتخابية، ومعززا موقفه الشخصي بالإشارة إلى أن جدية وسلامة النظام الانتخابي في الولايات هما ما مكن لترامب الفوز في انتخابات أشرفت عليها إدارته وأدت إلى خسارة نائبته فيها.
يقول مقربون من بايدن إن الرئيس السادس والأربعين اختار دائما التصرف بصفته رئيسا لكافة الأمريكيين، وهو ما تجلى واضحا خلال اتصاله الهاتفي الشخصي مع ترامب في مناسبتي تعرضه لمحاولة الاغتيال الأولى في ولاية بنسلفانيا والثانية في ولاية فلوريدا.
هذا اللقاء بأجوائه الودية في جانب، والحذرة في الجانب الآخر، لن يكون جديدا على الرجلين، لأن ترامب عاش التجربة ذاتها العام ألفين وستة عشر عندما استقبله الرئيس الأسبق باراك أوباما في البيت الابيض وقضيا معا تسعين دقيقة كاملة ووصف كلاهما اللقاء بالجيد مع تبادل الثناء حول طريقة وكيفية الاستقبال وإدارة الحوار بينهما في ما يتعلق بالمسائل التي كانت محل بحث بين الرئيسين.
كان ذلك اللقاء قد حدث وتكرر مرة ثانية في يوم تسلم ترامب السلطة من أوباما على الرغم من انعدام الود بين الرجلين، وهو الأمر الذي تكرر في جميع المناسبات الانتخابية سواء منها في الانتخابات الموالية التي جاءت ببايدن إلى البيت الأبيض أم الأخيرة التي دعم فيها أوباما هاريس بقوة وكذلك في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس عندما دعم فيها أوباما مرشحي الحزب الديمقراطي ضد مرشحي ترامب وحركته "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى".
قصة هذه اللقاءات الرئاسية في التاريخ الأمريكي طويلة، بدأت العام ألف وتسعمئة ستين من القرن الماضي عندما استقبل الرئيس المنتهية ولايته وقتذاك آيزنهاور الرئيس جون كينيدي في لقاء ودي كما وصفه كلاهما وكان مخصصا لبحث المشكلات القائمة في البلاد وكذلك تبادل المعلومات، كما تجدد اللقاء بينهما مرة أخرى قببل استلام كينيدي السلطة بصفة رسمية في شهر يناير كانون الثاني من نفس العام.
وفي العام ألف وتسعمئة وثمانية وثمانين كانت هناك سابقة أخرى عندما استقبل الرئيس المنتهية ولايته في ذلك الوقت رونالد ريغان نائبه جورج بوش الأب الذي خلفه في البيت الأبيض.
ومنذ ذلك اليوم سن الرئيس ريغان تقليدا جديدا بترك رسالة شخصية لخلفه على المكتب البيضاوي عادة ما تتضمن مشاعر ودية وأمنيات طيبة بالنجاح في المهام الرئاسية للوافد الجديد إلى البيت الأبيض.
وفي العام ألف وتسعمئة واثنين وتسعين التقى الرئيس جورج بوش بخلفه بيل كلينتون في لقاء وصفه كلينتون بأنه كان رائعا، وبدأت من لحظتها علاقة صداقة شخصية بين الرجلين رغم الخلافات الحزبية والخسارة السياسية لبوش الأب ضد كلينتون ولم تنقطع إلا عند وفاة الرئيس بوش الأب قبل سنوات قليلة.
باراك أوباما من جانبه استقبل من قبل الرئيس جورج بوش الابن العام ألفين وثمانية في البيت الأبيض كما تلقى منه رسالة أمنيات طيبة، وكذلك فعل الرئيس أوباما مع خلفه وقتها دونالد ترامب قبل أن يتوقف هذا التقليد في آخر انتخابات رئاسية نتيجة عدم استقبال ترامب لبايدن في المكتب البيضاوي على أن يعود إلى الحياة مجددا هذا الأربعاء عندما يستقبل الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن خلفه وغريمه التقليدي الجمهوري دونالد ترامب مرة أخرى في البيت الأبيض.