مساعد بوتين: الرئيس الروسي يولي اهتماما كبيرا بكل القضايا خلال الحوار مع واشنطن

logo
العالم

الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في أوكرانيا.. صراع يمتد من "الميدان إلى الأديان"

الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في أوكرانيا.. صراع يمتد من "الميدان إلى الأديان"
راهب يسير أمام كاتدرائية أوسبنسكي في كييفالمصدر: (أ ف ب)
28 أكتوبر 2024، 12:14 م

تشهد الحرب الروسية الأوكرانية اتهامات متبادلة من نوع خاص، ففيما تعتبر موسكو تقارب كييف مع الغرب تخطياً للتقاليد الأرثوذكسية و"كفرًا" بها، تتهم أوكرانيا روسيا باستغلال الكنيسة الأرثوذكسية في كييف لتحقيق مطامعها "الإمبريالية التوسعية".

يأتي ذلك في الوقت الذي أبدى فيه الغرب ملاحظاتهم على خطة "النصر" الأوكرانية، التي عرضها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي على حلفائه خلال الأسبوع الماضي.

وتعتبر الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في أوكرانيا، الأكبر في أوروبا، ويُقدّر عدد التابعين لها بنحو 150 مليونًا، لذا تصفها موسكو بـ"روما الثالثة" بعد روما والقسطنطينية، إذ تقف الكنيسة بقوة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وباركت بطريركية موسكو بوتين بعد انتخابه رئيسًا في العام 2018.

ومع هذا التقارب الكنسي مع النظام الروسي، لجأت الحكومة الأوكرانية إلى شن حملات للحصول على كنيسة مستقلة معترف بها رسميًا، بعيدًا عن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وبالفعل أنشأت كييف في العام 2018 كنيسة أرثوذكسية أوكرانية مستقلّة عن موسكو.

وفي خطوة مفاجئة، قرر البرلمان الأوكراني الموافقة على مشروع قانون يقتضي حظر الكنيسة الأرثوذكسية التابعة لبطريركية موسكو، وكتبت النائبة الأوكرانية، إيرينا غيراشتشينكو، على تليغرام مشروع القانون "قرار تاريخي يحظر فرعًا للدولة المعتدية في أوكرانيا".

وسرعان ما ردت موسكو، على لسان سفيرها للمهام الخاصة، غينادي أسكالدوفيتش، مؤكدًا أن واشنطن وحلفاءها وبطريركية القسطنطينية وراء الانقسام الأرثوذكسي واضطهاد الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في أوكرانيا.

وأشار أسكالدوفيتش إلى أن واشنطن التي تخطط منذ وقت بعيد للقضاء على العقيدة الأرثوذكسية الروسية في أوكرانيا، وساهمت بطريركية القسطنطينية بكل الطرق الممكنة في استحداث الكنيسة المنشقة عن بطريركية موسكو في أوكرانيا ومنحتها الاعتراف، وأن واشنطن وكنيسة القسطنطينية مسؤولتان بشكل مباشر عن الشقاق في الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا.

وتعليقًا على الاتهامات الروسية لواشنطن وحلفائها وبطريركية القسطنطينية بالوقوف وراء الانقسام الأرثوذكسي، واضطهاد الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في أوكرانيا، يؤكد خبراء أن تحول القتال من الميدان إلى الأديان يرجع إلى محاولة الإعلام الأوكراني لإشغال الرأي العام بأمور ثقافية ثانوية، بعيدة عما يعصف بالداخل الأوكراني من أزمات اجتماعية واقتصادية وعسكرية وسياسية.

ويقول مدير مركز "JSM" للأبحاث والدراسات الروسية، الدكتور آصف ملحم، إن الإساءة والتهجم على الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية بدأ منذ زمن بعيد، وبالتحديد بعد تسلم زيلينسكي السلطة في أوكرانيا.

وأضاف أن الأسباب وراء ذلك متعددة، منها الفشل على جبهات القتال مع روسيا وتراجع الاقتصاد، وعدم قدرة الرئيس الأوكراني على إجراء تعبئة مناسبة لمتابعة الحرب في أوكرانيا، لذلك بدأ يتحول إلى المستوى الثقافي بالهجوم على اللغة والدين والتاريخ، وبهذه الطريقة يستطيع أن يملأ الفضاء الإعلامي الأوكراني بمسائل جديدة مصطنعة، وتشتيت الانتباه عما يعصف بالداخل الأوكراني من أزمات اجتماعية واقتصادية وعسكرية وسياسية.

أخبار ذات علاقة

عقب حظر الكنيسة الأرثوذكسية.. البابا فرنسيس يدعو أوكرانيا لعدم المساس بالكنائس

 

مجموعات التأثير

وأكد ملحم، لـ"إرم نيوز"، أنه فيما يتعلق بالبطريركية القسطنطينية يوجد 3 مجموعات تأثير، المجموعة الأولى يقودها متروبوليت عمانويل وهو يدعم الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية كما هي، والمجموعة الثانية يقودها اثنين هما المتروبوليت هيلاريون رودريك، وهو متروبوليت الكنيسة الأرثوذكسية في كندا، والثاني هو المتروبوليت جوب جيتشا، أما المجموعة الثالثة فيقودها المطران ميخائيل، وهي مجموعة معزولة.

وأشار إلى أن المجموعة الثانية يبدو أنها تحت تأثير الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، في محاولة لإعادة صياغة الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، ما يعني إعادة صياغة وعي المجتمع الأوكراني في علاقته مع روسيا.

وتابع ملحم أن التأثير في المجتمعات تتم على عدة مستويات، تشمل المستوى الفكري والفلسفي، والمستوى الثاني التاريخي من خلال إعادة قراءة التاريخ، والمستوى الثالث هو المستوى الإعلامي بقراءه الأحداث الحالية بطريقه مغايرة وفقًا للمصالح السياسية، وتسمى المستويات الثلاثة بالمستويات المعنوية؛ لأن التأثير فيها يكون على الفكر والوعي.

وتابع ملحم: "المستويات الثلاثة الأخرى هي المستويات المادية، وتشمل المستوى الاقتصادي بالتلاعب باقتصاد الدول، والمستوى الصحي مثل حرب الأفيون وتشجيع تداول المخدرات والترويج لها وكذلك الكحوليات، والمستوى العسكري لإحداث التغيير"، لافتًا إلى اعتماد تلك المستويات الستة في مجلس الدوما الروسي.

وأضاف ملحم، أن تلك المستويات تتبعها الولايات المتحدة للتأثير في المجتمعات، مشيرًا إلى أن إعادة صياغة الكنيسة الأرثوذكسية هو هدف سياسي بحت، لعزل الشعب الأوكراني بحيث يكون معاديًا لروسيا.

كما أن زيلينسكي أصدر قانونًا، لمنع الكنيسة الأرثوذكسية من التعامل مع روسيا، بهدف خلق حالة عداء مستمر داخل المجتمع الأوكراني مع روسيا، وفق ملحم.

بدوره، بين الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، رامي القليوبي، أنه في العام 2018 قام الرئيس الأوكراني آنذاك، بترو بوروشنكو، بتأسيس كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية المنشقة عن الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة تاريخيًا لبطريركية موسكو، حيث كان بوروشنكو معروفًا بولائة للغرب، ورافعًا شعار ثالوث اللغة والجيش والدين بهدف إبعاد أوكرانيا عن روسيا .

وقال القليوبي، لـ"إرم نيوز"، إن هذا الانشقاق تفاقم مع دخول الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى مرحلة الحرب المفتوحة العام 2022، حيث اتخذت الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية عدة خطوات لإظهار استقلالها عن موسكو، حتى أنها توقفت عن ذكر بطريرك موسكو أثناء القداسات لتسوية أوضاعها.

وكشف القليوبي، الخبير في الشؤون الروسية، أن السلطة المركزية في أوكرانيا وضعت يدها على دير "كييف بيشيرسك لافرا"، الذي يعد مهدًا للرهبانية في روسيا وأوروبا الشرقية، وقامت باعتماد كنيسة جديدة تابعة للدولة، هي كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية.

النموذج الكنسي الأوروبي

وأوضح أن هذا الوضع لم يغير شيئًا على المستوى الشعبي، مشيرًا إلى أنه رغم تغيير تاريخ الاحتفال بعيد الميلاد المجيد من 7 يناير/كانون الثاني إلى 25 ديسمبر/كانون الأول، إلا أنه لا يزال أغلبية الشعب الأوكراني يحتفلون بعيد الميلاد في 7 يناير/كانون الثاني، كما هو معتاد وفقًا للمعتقدات الدينية.

وأضاف القليوبي أن الاحتفالات بالأعياد تعتبر من التقاليد الراسخة في عقول السكان والعائلات، ولا يمكن تغييرها بسهوله بقرار من السلطة السياسية.

واعتبر أن كل تلك الإجراءات هدفها اعتماد النموذج الأوروبي في أوكرانيا، الذي يقوم بإخضاع الكنيسة للدولة بشكل كامل، وتحويلها إلى العلمانية.

وأكد القليوبي أن ذلك بالطبع لا يقارن بالانشقاق العظيم الذي حدث العام 1054 بين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، والكنيسة الشرقية الأرثوذكسية، لافتًا إلى أن هذا الانشقاق الذي يحدث الآن يضر بكل الكنائس في أوروبا.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC
مركز الإشعارات