logo
العالم

ألمانيا.. هل تُشكل الانتخابات الإقليمية صورة مُصغرة عن "التشريعية" المُقبلة؟

ألمانيا.. هل تُشكل الانتخابات الإقليمية صورة مُصغرة عن "التشريعية" المُقبلة؟
شخص يُدلي بصوته في انتخابات سابقة ألمانياالمصدر: رويترز
26 أغسطس 2024، 8:30 م

بينما تترقب الأوساط السياسية والحزبية والثقافية في ألمانيا الانتخابات التشريعية العامة، المقررة بعد عام تقريبا، تتوجه الأنظار إلى 3 ولايات في الشرق الألماني، هي ساكسونيا وتورينغن وبراندنبرغ، التي ستشهد الشهر المقبل انتخابات إقليمية.

وقد تعكس إفرازات الانتخابات الإقليمية، "صورة مصغرة"، وتُشكل مؤشرًا أوليًا لنتائج الانتخابات العامة، التي تأتي وسط أجواء أوروبية مشحونة بمزاج يميني متطرف.

"هدية دموية"

وتجري الانتخابات المحلية على وقع تصاعد اليمين المتطرف، الذي يبدو على مستوى الألماني أكثر وضوحا في الشطر الشرقي من البلاد، والذي كان مواليا، قبل الوحدة، للاتحاد السوفييتي السابق، إذ ترتفع أصوات اليمين المتطرف هناك دون تردد أو تحفظ.

وجاء الهجوم بالسكين، الذي وقع في زولينغن، غرب ألمانيا، وأودى بحياة 3 أشخاص وإصابة آخرين بمثابة "هدية دموية" لليمين الألماني، بعدما أظهرت التحقيقات مسؤولية شاب سوري ينتمي لتنظيم "داعش" عن الهجوم، الذي عزز رواية اليمين المتطرف بضرورة طرد الكثير من اللاجئين.

أخبار ذات علاقة

عشية الانتخابات الإقليمية.. شبح صعود اليمين المتطرف يخيم على ألمانيا

 ورأت مجلة "بوليتيكو"، أن الهجوم الجديد يزيد الضغوط السياسية في البلاد، إذ إنه "يغذي رواية اليمين المتطرف بأن حكومة المستشار أولاف شولتز تتحدث كثيراً وتتصرف قليلاً".

وسارع حزب البديل إلى التنديد بالهجوم، إذ تساءل متحدث باسمه عبر منصة "إكس"، "كم مرة سنكون ضحايا للإرهاب الإسلامي قبل أن يتم تنفيذ برنامج طرد (للأجانب)؟".

ويرى خبراء أن أحد أبرز أسباب صعود اليمين الألماني، هو تزايد أعداد المهاجرين القادمين في غالبيتهم من بلدان إسلامية، وبعض الحوادث الأمنية التي صاحبت هذا الوجود، وأسهمت بتغذية "الإسلاموفوبيا"، التي يرفعها اليمين كشعار معلن.

وخشية فوز اليمين في الانتخابات الإقليمية، وسط هذا الاستقطاب الحاد، تظاهر عشرات آلاف الأشخاص في مناطق بشرق ألمانيا ضد هذا التيار  قبل أسبوع من موعد انتخابات يبدو فيها حزب "البديل من أجل ألمانيا"، اليميني المتطرف، في وضعية جيدة، إذ تمنحه الاستطلاعات نحو 30% من نوايا التصويت.

أما أحزاب الائتلاف الحكومي أي الحزب الديمقراطي الاشتراكي بزعامة شولتس، وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر (ليبراليون)، في وضعية حرجة في الولايات الثلاث.

ترمومتر

ويرى خبراء أن الصوت العالي لحزب البديل في الانتخابات الإقليمية الوشيكة، يعد مؤشرًا مبكرًا على نتائج الانتخابات التشريعية العامة في ألمانيا، والتي من المتوقع أن يحرز فيها البديل مركزا متقدما.

وتُعد الانتخابات الإقليمية بمثابة "ترمومتر" لقياس مزاج الناخب الألماني، وتوجهاته في الانتخابات التشريعية، فإن نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، التي جرت في شهر حزيران/يونيو الماضي، كانت بمثابة جرس إنذار، بصوت مدو.

وفي الانتخابات الأوروبية، جاء حزب "البديل"، اليميني المتطرف في المرتبة الثانية، على مستوى ألمانيا بحصوله على نسبة 15.9% من الأصوات، فيما فاز التحالف المسيحي (المكون من الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري) بـ30% من الأصوات ليحصل على المركز الأول على مستوى ألمانيا.

واعتبر حصول حزب البديل على هذه النسبة مفاجأة من "العيار الثقيل"، قد تتكرر بصورة أقوى في الانتخابات الإقليمية، وكذلك في الانتخابات التشريعية في خريف العام المقبل.

تحولات

ويرى متابعون للشأن الألماني أن الأحزاب التقليدية، التي امتلكت زمام السلطة لعقود، بات رصيدها يتقلص، مثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي المنتمي إليه المستشار أولاف شولتس، والذي يقود الائتلاف الحاكم.

ومن المعروف أن الحزب الاشتراكي، تاريخيًّا، كان أحد الأحزاب المهيمنة والمؤثرة في السياسة الألمانية، على عكس حزب البديل، الذي تأسس عام 2013، وأصبح يزاحم الكبار، محدثا ضجيجا وصخبا في المشهد السياسي الألماني الذي دأب، عبر عقود، على الهدوء والاعتدال السياسي، إن جاز الوصف.

ونتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، وتلك المُنتظرة من الانتخابات الإقليمية المرتقبة في شرق ألمانيا، تعكس جملة من التحولات، التي أصابت القارة العجوز، وألمانيا، بصورة خاصة، إذ تبددت التحفظات السابقة حيال أحزاب متطرفة بوصفها "ظواهر خطابية شعبوية واحتجاجية عابرة"، بل أصبحت حقيقة ملموسة.

أخبار ذات علاقة

بيورن هوكي.. رجل سيجعل ألمانيا يمينية مجددا

 وتعتبر ألمانيا من أكثر الدول الأوروبية استقبالًا للاجئين والمهاجرين، وتضم البلاد الكثير من الأعراق والطوائف والأديان، ولا شك في أن أي طرح متطرف يسيء إلى هذا التنوع قد يؤدي إلى صدامات، وهو ما تتحسب له السلطات والأحزاب التي تحاول تحسين أدائها حتى موعد انتخابات خريف العام المقبل.

وما يشير إلى التحول العميق، هو أن الناخب الألماني، على مدى العقود الماضية، كان يتجنب التصويت للجماعات اليمينية المتطرفة؛ بسبب وصمة العار التاريخية المرتبطة بالنازية، لكن هذه القاعدة الراسخة باتت تتعرض للاهتزاز، فالقضايا التي اعتبرت من الخطوط الحمراء، وتطرح خلف الأبواب المغلقة باتت تناقش الآن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الفضاء العام.

ورغم أن خريطة التحالفات والاستعداد للانتخابات في ألمانيا غير واضحة حتى الآن، إلا أن ثمة حافزا مشتركا للتصدي لليمين المتطرف، لكن من دون أن تكون ثمة نتائج مضمونة.

ويعتقد خبراء أن السيناريوهات كلها مطروحة في الانتخابات العامة المقبلة، لكن المعطيات المتوفرة تقدم صورة عن ميول الناخب الألماني، الذي بات "يطرب وينتشي" لبرامج اليمين التي تروج أن سبب تردي الوضع الاقتصادي هم اللاجئون وما يشكلونه من عبء على الاقتصاد، فضلا عن الدعم اللامحدود لأوكرانيا مثلا، وهو ما ينعكس سلبا على الرخاء الاقتصادي الذي عاشته ألمانيا لعقود.

وفي غياب حلول سحرية لدى الائتلاف الحاكم، خلال الفترة المتبقية حتى موعد الانتخابات التشريعية، في تهدئة مخاوف الناخب الألماني من الهجمات الإرهابية، وكذلك القدرة على تحسين الوضع المعيشي، وترحيل اللاجئين إلى بلدانهم، فمن المرجح أن الألمان سيذهبون إلى اختيار "أفضل السيئين"، وفق تعبيراتهم، وهو حزب البديل".

ولا يعني ذلك أن "البديل" سيحصل على نسبة تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده، فذلك أمر مستبعد، لكن حصوله على أصوات تقترب من نسبة الـ20% المتوقعة يُعد بمثابة ثورة في المزاج الانتخابي الألماني.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC