عاجل

هيئة البث: الجيش الإسرائيلي سيدرب قوات البحرية على القتال البري بسبب نقص المقاتلين

logo
اتجاهات

إسرائيل والزلزال

إسرائيل والزلزال
12 فبراير 2023، 11:38 ص

كما تفعل في كل كارثة طبيعية في العالم، كانت إسرائيل من أوائل المتطوعين لإرسال طواقم إنقاذ للمساهمة في الجهود العالمية الإنسانية، وهذا جيد، بل جيد جدا؛ ففي نهاية المطاف، يجب على البشر أن يساند بعضُهم بعضًا، وهول الكارثة في سوريا وتركيا لا يترك مكانا للتقاعس في تقديم أيّ مساعدة للضحايا.

صحيح أن عدد المجندين لهذه المهمة بلغ نحو أربعمئة عنصر، من مجموع عشرات الآلاف الذين قدموا من 70 دولة، إلا أنهم خبراء في إنقاذ ضحايا الزلازل، وأطباء وممرضون وإداريون مجربون ومتخصصون في معالجة جرحى الحروب؛ ما يكسبهم خبرات ثمينة، وعملوا ليل نهار وفي ظروف بالغة القسوة وتمكنوا فعلا من إنقاذ عشرات المواطنين الأتراك والعرب والأكراد في المنطقة المنكوبة وحظوا بالإطراء من الناجين وأهاليهم..

ولكن هذه العملية أثارت تساؤلات مهمة في الشارع الإسرائيلي، ولدى الكثير من الفلسطينيين والعرب، ينبغي التفكير فيها والإفادة منها خصوصا في مؤسسات الحكم في تل أبيب..

المساهمة الإسرائيلية في إغاثة الضحايا في تركيا وعرض المساعدة المتواضعة على سوريا، رغم أهميتها الإنسانية، لا تفي بالغرض. وفيها الكثير من "شوفوني يا ناس".

أولاً: كان هناك تفضيل لتركيا على سوريا، كما هي حال غالبية الدول الغربية. وهذا التفضيل يضعف كثيرا الدوافع الإنسانية ويبين أن السياسة ما زالت فوق الإنسانية والأخلاق.

فيما يتعلق بسوريا، وضعت حكومة بنيامين نتنياهو شرطا بألا تدخل الطواقم الإسرائيلية الأراضي السورية، لدوافع أمنية، وقررت أن تقتصر المساعدة على منح مواد غذائية وأدوية وخيام وبطانيات. مهم لكنه قليل، وسوريا من جهتها رفضت تلقي أيّ مساعدة إسرائيلية، للدوافع السياسية ذاتها، وتقول إن إسرائيل قصفت الأراضي السورية مئات المرات وقتلت ودمرت بيوتا وعمارات، فلن تكون تلك مساعدة بريئة منها.

ثانيا: الكثيرون كانوا يشيرون إلى أن الحكومة الإسرائيلية أرسلت المساعدات في وقت كانت فيه قواتها الحربية تواصل عمليات قتل وقمع ضد الفلسطينيين، بينها هدم بيوت أناس أبرياء. وبسبب سياستها، هناك مليونا فلسطيني يعيشون في مخيمات لاجئين حتى اليوم، ونصف الشعب الفلسطيني يعيش تحت الاحتلال.

وفي الحروب العديدة التي شنتها على قطاع غزة، زلزلت ودمرت مئات المنازل والعمارات، وبينهم من يعود بالذاكرة الى الوراء لمجازر صبرا وشاتيلا، حيث ظهرت مشاهد دمار شامل لا تمحي من الأذهان.

وثالثا، هل إسرائيل تتعاطى مع خطر الزلازل على سكانها بطريقة توفر لهم الأمن والأمان؟

وضع البناء في المناطق الفلسطينية أسوأ بكثير من الوضع في إسرائيل، وبما أن إسرائيل تحتل المناطق الفلسطينية، تقع عليها مسؤولية جدية في مواجهة خطر الزلزال ومعالجة هذا الخطر لاحقا.

حسب تقديرات جميع الخبراء فيها، سيقع زلزال في إسرائيل حتما بدرجة عالية في سلم ريختر قريبة من درجة الزلزالين في تركيا وسوريا، وقد عُقد مؤتمر خاص بالموضوع في سنة 2021 بحضور وزير الدفاع في حينه، بيني غانتس، الذي قال إن تقديرات الخبراء العسكريين تشير إلى خطر زلزال قوي جدا يمكن أن يؤدي إلى آلاف حالات الوفاة، واعترف بأن "إسرائيل الآن غير مستعدة للتعامل مع سيناريو آخر مثل زلزال حقيقي وكبير".

ولفت إلى أن "هناك نحو 80 ألف مبنى سكني في إسرائيل معرض بشكل كبير لخطر الانهيار نتيجة أي زلزال كبير"، وبأن "أكثر من 4 آلاف مبنى آخر يمكن أن يتعرض لمثل هذه الكارثة، ويمكن أن يصل عدد الوفيات إلى الآلاف، وعشرات الآلاف من الجرحى في غضون ساعات"، وأضاف: "هذا رقم هائل لا يمكن تصوره، وهو أعلى من الكارثة التي مررنا بها خلال عام كورونا بأكمله".

وشدد غانتس خلال المؤتمر على ضرورة إيجاد حكومة فاعلة تشكل لجانا وزارية مختصة تنسق فيما بينها لأي سيناريو طارئ. بالطبع هذه اللجنة لم تقم في حينه وليست موجودة اليوم.

رابعاً: يوجد في إسرائيل قانون مهم وصائب منذ سنة 1980، يلزم كل مَن يبني بيتا أو عمارة بتوفير مخطط هندسي يضمن عدم السقوط في حالة وقوع زلزال. ومن دون ضمان البناء بهذه الشروط، لا يحصل على ترخيص.

وتضمن القانون بندا يلزم بتقوية جميع الأبنية التي بنيت قبل تلك السنة، حتى تصمد هي أيضا في وجه الزلزال، لكن هذا البند لم ينفذ بشكل كامل، بسبب الخلاف حول التمويل.

ومن مسح أولي يتضح أن هناك 2.5 مليون بيت سكن في إسرائيل، بينها 750 ألف بيت تعتبر غير آمنة إزاء الهزات الأرضية؛ نصف هذه البيوت الخطرة قائمة في البلدات العربية لفلسطينيي 48، قسم منها بُني بلا ترخيص وبإهمال، أي نتيجة لأخطاء ذاتية فاحشة لدينا، كمواطنين وكمقاولين وكبلديات، وقسم منها نتيجة إهمال حكومي.

خامساً: إن وضع البناء في المناطق الفلسطينية يعتبر أسوا بكثير من الوضع في إسرائيل، وقريب جدا من الوضع في الجنوب التركي والشمال السوري. وبما أن إسرائيل تحتل المناطق الفلسطينية، تقع عليها مسؤولية جدية في مواجهة خطر الزلزال ومعالجة هذا الخطر لاحقا، أي بعد الزلزال، ولن تجد في فلسطين كلها مَن يثق بأن الاحتلال سوف يوفر الآليات الضرورية لمواجهة أزمة كهذه لدى الفلسطينيين.

لذلك، فإن المساهمة الإسرائيلية في إغاثة الضحايا في تركيا وعرض المساعدة المتواضعة على سوريا، رغم أهميتها الإنسانية، لا تفي بالغرض. وفيها الكثير من "شوفوني يا ناس".       

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC