الجيش الإسرائيلي: هاجمنا بنى تحتية لحزب الله في ضاحية بيروت

logo
اتجاهات

اللهَاث بذِكرِ «السمبوسة» في التراث!

اللهَاث بذِكرِ «السمبوسة» في التراث!
08 أبريل 2022، 11:16 م

سَعُدْتُ قَبْلَ فَتْرَةٍ، بالوُقُوفِ عَلَى بَحْثٍ، صَغِير اَلْحَجْمِ، لَطِيف اَلْفِكْرَةِ، رَشِيق العبارة، أثَّر ظَرْفُ مَوْضُوعِه عَلَى سَلَاسَةِ صِيَاغَتِهِ، إِلَّا أَنَّ لُطْفَ اَلْمَوْضُوعِ، وَقِلَّةَ اَلسَّابِحِينَ فِي لُجَّتِهِ، لَمْ يَمْنَعا اَلْبَاحِثَ، اَلدُّكْتُور إِبْرَاهِيمَ اَلْمُدِيهْش، مِنْ اِسْتِخْدَامِ اَلْمَنْهَجِ اَلْعِلْمِيِّ فِي بَحْثِهِ، فَلَا يُثْبِتُ مَعْلُومَةً بِلَا دَلِيلٍ، وَلَا يُسْتَدِلُّ بِمَا لَا يَصِحُّ العَزُّو إِلَيْهِ. اَلْبَحْثُ اَلَّذِي يَقَعُ فِي نَحْوِ 90 صَفْحَة، بَعْدُ تَطْوِيرِهِ، وَالْبِنَاءِ عَلَى أَصْلِهِ، يَوْمَ كَانَ وُرَيْقَاتٍ مَعْدُودَةً قَبْل سَنَوَاتٍ، يَتَحَدَّثَ عَنْ: «السَّمْبُوسَة فِي كُتُبِ التُّرَاثِ»، نَاقِلاً تَسْمِيَتهَا: اَلسَّمْبُوسَة، وَالسِّنْبُوسَة، وَالسِّنْبُوسْكْ، وَالسِّنْبُوسَقْ، وَالسِّنْبُوسجْ، وَالسِّنْبُوسِجَة، مُبَرِّراً تَعَدُّدَ اَلْأَسْمَاءِ بِأَعْجَمِيَّة اَللَّفْظَة، مَا يُتِيحُ مِسَاحَاتٍ مِنْ اَلْحَرَكَةِ، فِي نَقْلِ اَلْكَلِمَةِ لِلُّغَاتِ الثانية. اَلسَّمْبُوسَة، انْتَقَلَتْ مِنْ اَلْفُرَسِ إِلَى اَلْعَرَبِ، فِي الدَّوْلَةِ اَلْعَبَّاسِيَّةِ، ضِمْنَ أَطْعِمَةٍ كَثِيرَةٍ، وَأَوَّلُ ذِكْرِ لَهَا وَقَفَ عَلَيهِ اَلْبَاحِث، أَوَّل اَلْقَرْنِ اَلثَّالِثِ اَلْهِجْرِيِّ، فِي قَصِيدَةِ إِسْحَاقْ اَلْمَوْصِلِي (ت 235 هـ).
وَالسِّمْبُوسَة، أَكْلَةٌ يَكْثُرُ تَنَاوُلُهَا فِي رَمَضَان، وَهِيَ مِنْ اَلْأَطْبَاقِ اَلرَّئِيسِيَّةِ، عَلى مَائِدَةِ إِفْطَارِ بُيُوتِ اَلسُّعُودِيَّةِ. يُعَرِّفها اَلْبَاحِثُ، بِقَوْلِهِ: «هِيَ عَجِينٌ، مَحْشُوٌّ بِاللَّحْمِ واَلْخُضْرَاوَاتِ، شَكلُهَا مُثَلَّثٌ، وَتُقْلَى بِالزَّيْتِ». ليتَ اَلْبَاحِثَ اَلْكَرِيمَ، اِسْتَبْدَلَ وَاوْ اَلْعَطْفِ بـ«أَوْ»، فَمِنْ اَلسَّمْبُوسَة مَا لَيْسَ فِيهَا لَحْمٌ. يَقُولَ اَلْمُدِيهْش: «هَذِهِ اَلْأَكْلَةُ اَلْعَجِيبَةُ اَلْفَارِسِيَّةُ، هِيَ اَلْوَحِيدَةُ اَلْمُعَمِّرَةُ: بِاسْمِهَا، وَوَصْفِهَا، وَمَضْمُونِهَا، لَا أَعْرِفُ لَهَا مَثِيلاً، عُمْرُهَا أَكْثَرُ مِنْ 1200 سَنَةٍ». وَمَعَ أَهَمِّيَّةِ اَلْمَعْلُومَاتِ اَلْوَارِدَةِ فِي اَلْجُمْلَةِ اَلسَّابِقَةِ، إلَّا أَنَّ فِيهَا تَعَسُّفاً، فَنَفِي مَثِيلهَا، يَحْتَاجُ مَزِيداً من الاسْتِقْصَاء، وَإِنَّ رَبطَ اَلْبَاحِث اَلْمَعْلُومَة اَلْأَكِيدَة بِحَدِّ عِلْمِهِ! وأَكَدَ الباحث، عَلَى رَدِّ اِبْنْ قُتَيْبَة عَلَى اَلشُّعُوبِيين الَّذِينَ يُعّيِّرُونَ اَلْعَرَبَ بِخُبْثِ اَلْمَطْعَمِ. وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ فَضَائِلَ اَلْعَرَبِ مُسْتَفِيضَةٌ مُنْتَشِرَةٌ، لَكِنَّ اَلْإِنْصَافَ يَقْتَضِي الاعتِرَافَ بأَنَّ اَلْعَرَبَ اَلْمُتَقَدِّمِينَ، كَانَتْ مَائِدَتُهُم فَقِيرَةً، لِأَنَّ إِنْسَانَ اَلْجَزِيرَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ، كيَّف نَفْسَهُ بمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ وُعُورَةِ أَرْضِهِ، وَصُعُوبَة حَيَاتِهِ، فَكَانُوا يَكْتَفُونَ مِنْ اَلطَّعَامِ بِمَا يُقِيمُ صُلْبَهُمْ، تَخْفِيفاً، وَنُدْرَةً، وَخُصُوصاً وَالطَّعَامُ مُرْتَبِطٌ فِي اَلْأَغْلَبِ اَلْأَعَمِّ، بِالْخُضْرَاوَات، وَالْحُبُوبُ، وَهِيَ شَحِيحَةٌ إِذَا وَافَقَ اَلْعَصْرَ قَحْطٌ، وَعَزَّت السَمَاءُ بِغَيثِها. وَهَذَا لَا يَعِيبُ اَلْعَرَبَ، بِحَالٍ، بَلْ يُمَيِّزُهُمْ، فَالتَكَيُّف معَ الوَاقِعِ لُبُّ العَقلِ.
يَقُول الدكتور جَوَاد عَلِي، فِي كِتَابِهِ اَلْبَدِيعِ: «اَلْمُفَصَّل فِي تَارِيخِ اَلْعَرَبِ قَبْلَ اَلْإِسْلَام»: «يَخْتَلِفُ أَكْلُ اَلْعَرَبِ عَنْ أَكْلِ اَلْأَعْرَابِ. (...) وَأَكْلُ اَلْحَضَرِ، مُتَنَوِّعٌ، نَوْعاً مَا، بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَأْكُولِ أَهْلِ اَلْوَبَرِ. لِفَقْرِهِمْ وَلِشُحِّ بَادِيَتِهِمْ، وَلِذَلِكَ صَارَ طَعَامُ اَلْأَعْرَابِ عَلَى اَلْعُمُومِ بَسِيطاً. وَقَدْ أَثَّرَ اخْتِلَافُ نَوْعِ اَلطَّعَامِ عَلَى هَيْئَةِ اَلْإِنْسَانِ وَوَزْنِ جِسْمِهِ. فَصَارَ جِسْمُ اَلْأَعْرَابِيِّ نَحِيفاً فِي اَلْغَالِبِ، لِبَسَاطَةِ أَكْلِهِ، وَقِلَّة اَلْمَوَادِّ اَلنَّشَوِيَّةِ وَالدُّهْنِيَّةِ فِيهِ. وَمِنْ عَادَاتِ اَلْعَرَبِ أَنَّهُمْ يُقِلُّونَ مِنْ اَلْأَكْلِ. وَيَقُولُونَ: اَلْبِطْنَةُ تَذْهَبُ اَلْفِطْنَةُ. (...). ويَعِيبُونَ اَلرَّجُل اَلْأَكُول اَلْجَشَع. وَيَرَوْنَ أَنَّ (اَلْأَزْم)، أَي قِلَّة اَلْأَكْلِ أَفْضَل دَوَاءٍ لِصِحَّةِ اَلْأَبْدَانِ. قِيلَ لِلْحَارِثِ بن كِلْدَة، طَبِيبُ اَلْعَرَبِ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ: مَا أَفْضَلُ اَلدَّوَاءِ؟ قَالَ: اَلْأَزْم..(...) وَهُمْ يُعَالِجُونَ اَلْبِطْنَةَ بِالْحِمْيَةِ. لِأَنَّ اَلْمَعِدَةَ بَيْتُ اَلدَّاءِ وَالْحِمْيَة رَأْس كُلِّ دَوَاء. وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ اَلشبَعَ وَالِامْتِلَاءَ يُضْعِفان اَلْفِطْنَةَ. أَيْ اَلشَّبْعَانَ لَا يَكُونُ فَطِناً لَبِيباً. فَلِلْأَكْلِ عَلَاقَةٌ كَبِيرَةٌ بِالْفِطْنَةِ وَالْعَقْلِ وَالذَّكَاءِ». وَيَزِيدَ أُسْتَاذُ اَلْمُؤَرِّخِينَ، جَوَّادْ عَلِي: «وَمَآكِلُ اَلْأَعْرَابِ قَلِيلَة شَحِيحَة مِثْل شُحِّ اَلْبَادِيَةِ، خَاصَّةً إِذَا انْحَبَسَ اَلْمَطَرُ وَهَلَكَ اَلزَّرْعُ. فَإِنَّ رِزْقَهُ يَقِلُّ وَقَدْ يَذْهَبُ مَا مَعَهُ مِنْ زَادٍ فَيَهْلَكُ خَلْقٌ مِنْ اَلْأَعْرَابِ مِنْ شِدَّةِ اَلْجُوعِ». قِيلَ لِأَعْرَابِيٍّ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَ: «اَلْهُبَيْد، وَالضِّبَاب، وَالْيَرَابِيع، وَالْقَنَافِذ، وَالْحَيَّات، وَرُبَّمَا وَاَللَّهِ أَكْلَنَا اَلْقَدَّ، وَاشْتَرَيْنَا اَلْجِلْدَ، فَلَا نَعْلَمُ وَاَللَّهِ أَحَداً أَخْصَب مِنَّا عَيْشاً». قال سعد بن أبي وَقّاص: «وَاللهِ إِنِّي لأَوَّلُ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَقَدْ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم، مَا لَنَا طَعَامٌ نَأْكُلُهُ، إِلَّا وَرَقُ الْحُبْلَةِ، وَهَذَا السَّمرُ». وفي «البخلاء» وضع الجاحظ، فصلاً عن علم العرب في الطعام، وقال: «وقد يصيب القوم في باديتهم ومواضعهم من الجهد ما لم يُسمَع به في أُمّةٍ من الأمم، ولا في ناحية من النواحي. وإن أحدهم ليجوع حتى يَشدَّ على بطنه الحجارة، وحتى يعتصم بشدة معاقد الإزار، وينزع عمامته من رأسه فيشدّ بها بطنه». أما الأصمعي، فجسدت عبارته ما مَرَّ من معنى، بقوله: «نِعمَ الإِدامُ الجوع. ونِعمَ شِعَارُ المسلمين التخفيف».
وَلَئِنْ كَانَ اَلْعَرَبُ قَانِعينَ بِقَلِيلِ مَا لَدَيْهِمْ، وَقْت اَلْعَوَزِ، فَهُم اَلْآنَ وَمُنْذُ أَزْمَانٍ، يَنْفَتِحُونَ عَلَى اَلثَّقَافَاتِ المُختَلِفَةِ، فَيَأْخُذُونَ اَلْكَثِيرَ مِنْهَا، حَتَّى اعْتَبَرُوا مَا أَخَذُوهُ مِنْ أَطْعِمَةِ غَيْرهمْ، طَعَاماً لَهُمْ، فِي سُلُوكٍ مُتَحَضِّرٍ، يَعْتَرِفُ بِالْمُشْتَرَكِ اَلْإِنْسَانِيِّ، مما يَسْتَوْجِبُ مُبَادَرَاتٍ مُنْفَتِحَة، تُقَرِّبُ الْأُمَمَ، وَتُعَرِّفُ اَلشُّعُوبَ بِثَقَافَاتِ غَيْرِهَا، وَهُوَ مِنْ أَسَاسَاتِ احْتِرَامِ اَلْآخَرِ، وَسَبَبٌ لِلِاسْتِفَادَةِ مِمَّا تَتَفَوَّقُ بِهِ حَضَارَةٌ عَلَى أُختِهَا.

الشرق الأوسط

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC