logo
اتجاهات

حكاية جديدة لـ"مثل شعبي" قديم

حكاية جديدة لـ"مثل شعبي" قديم
04 سبتمبر 2022، 1:11 ص

الحديث هنا عن إسرائيل، وكيفية تعاملها مع المسافرين الفلسطينيين عبر الجسر الذي يحمل رسمياً، ثلاثة أسماء، وأعطته فيروز اسماً رابعاً: أللنبي، والملك حسين، والكرامة..

الأول تستخدمه إسرائيل، بوصفها امتداداً للحقبة الكولونيالية، والثاني يُستخدم أردنياً، تكريماً للعاهل الراحل، والثالث يستخدمه الفلسطينيون، تيمناً بمعركة الكرامة التي وقعت في آذار 1968 على مقربة منه، وأملاً بكرامة مفقودة تحت الاحتلال، كرّست غيابها أزمة العبور الأخيرة عليه، إلى أن صار الفلسطينيون يطلقون على "جسر العودة" الفيروزي، اسماً خامساً، مستمداً من واقع حالهم المُقيم: "جسر المهانة".

أما المقصود بالمثل، فهو: "مَنْ أمِنَ العقاب أساء الأدب"، فإسرائيل اعتادت لسنوات أن تفعل ما تشاء دون أن يُحرك طرفا الجسر وضفتاه، ساكناً، باستثناء بيانات الاستنكار ورسائل الاعتراض، التي لا تجد من يقرأها في إسرائيل، فالسلطة تواصل علاقات الاستتباع مع الاحتلال وكأن شيئاً لم يكن، والأردن يبرم المزيد من الاتفاقات "الاستراتيجية" مع الجانب الإسرائيلي، وكأن شيئاً لا يحدث..

لا أحد من الطرفين، قرر مرة واحدة، أن يجعل من قضية الجسر أزمة كبرى في علاقاته مع إسرائيل.. لم يتحرك الفريقان، لا فرادى ولا مجتمعين، للتصدي لطوفان العنصرية الطافح على الجسر، المتعدد الأسماء.

إسرائيل، أو "أزعر الحي"، الذي لا يعترف بناموس، ولا يخضع لقانون، يتصرف كما لو أن القوانين معمولة لغيره، وأن لديه مظلة حماية دولية، أمريكية بخاصة، تقيه من تبعات التقارير الدولية الوازنة التي وثّقت أنماط "الفصل والتمييز العنصريين" التي تمارسها ضد الفلسطينيين في حلهم وترحالهم على حد سواء، ولا ينجو منها أحدٌ منهم.

لماذا تقلق إسرائيل، طالما أن بمقدورها أن تكدّس عشرات ألوف المسافرين الفلسطينيين على الجسر، من دون خشية من أي عقاب أو انتظار "أزمة ذات مغزى" في علاقاتها مع طرفي المعادلة الآخرين؟.. لماذا تصغي لنداءاتنا وبياناتنا، طالما أننا سنواصل أعمالنا المشتركة معها، كالمعتاد؟

لم يستعجل أي من الطرفين حل مسألة الاكتظاظ و"المهانة" على الجسر، السلطة أضعف، والأصح أجبن، من أن تُفاتح عمان بالتسهيلات المطلوبة...

الأردن مطمئن لكون الجسر هو المنفذ الوحيد لأهل الضفة للأردن والخارج، إلى أن قفزت للسطح قضية "رامون"، فصار التفكير منصباً على الخيارات والبدائل التي توفرها إسرائيل لسفر الفلسطينيين وتنقلاتهم، وما هي ارتدادات ذلك على الاقتصاد الأردني، وتحديداً قطاع السياحة والسفر، فبدأت أرقام الخسائر تتطاير، وبدأت التقارير تتكاثر حول أعداد العابرين للجسر في الاتجاهين، ودائماً مع استحضار كل ما في الجعبة من شعارات حول "رفض التطبيع" و"الأخوة الأردنية الفلسطينية" و"الفخ الإسرائيلي"، إلى ما هنالك مما لم يعد له جدوى عملية بعد أن صار السبيل الوحيد لإجهاض مشروع "رامون"، منحصراً في ميدان المنافسة والجاذبية، إذ من دون "جسر" جذاب وميسّر للفلسطينيين، لن تنفع كل الدعوات في منعهم من السفر إلى "رامون" وعبره، لا سيما أنهم أكثر من غيرهم، يعرفون أن "الجسر"، كما "رامون"، خاضع للسيطرة الإسرائيلية، وليس منطقة محررة كما يُستَشف من تعليقات بعضنا.

قصة مطار رامون ذاته، تنهض شاهد إثبات على صحة ما نقول، فقد اكتفينا بالاعتراض على إنشاء المطار أصلاً، بالنظر لقربه الشديد من حدودنا الجنوبية (350 متراً فقط) ولأثره على سلامة الملاحة الجوية، وانتهاكه لحرمة أجوائنا، من دون أن نجعل منه "أزمة" في علاقاتنا مع إسرائيل، إلى أن اكتمل إنشاء المطار، وبدأ العمل منذ ثلاث سنوات، لم نستذكره خلالها، إلا على هامش "أزمة الجسر".

والحقيقة أنه يمكننا استحضار شريط طويل من الأمثلة على الطريقة التي نعبّر بها عن خلافاتنا مع إسرائيل، وكيف أن حكومات الاحتلال المتعاقبة لا تُلقي بالاً، لا لمواقفنا ولا لمصالحنا، وليس أدل على ذلك، من "شرشور" بيانات الإدانة والاستنكار للانتهاكات الإسرائيلية لحرمة ثالث الحرمين، التي لا تلقى أذناً صاغية عندهم، طالما أننا سنعاود استئناف يومياتنا كالمعتاد، “Business as usual”، صبيحة اليوم التالي؟

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC