عاجل

هيئة البث: الجيش الإسرائيلي سيدرب قوات البحرية على القتال البري بسبب نقص المقاتلين

logo
اتجاهات

تركيا.. و"الاقتصاد السياسي" للزلزال

تركيا.. و"الاقتصاد السياسي" للزلزال
13 فبراير 2023، 8:27 م
قد تؤدي تداعيات الزلزال إلى مزيد من اليأس وحدوث نزوح جماعي آخر شمالاً إلى أوروبا وتوتر جديد مع تركيا.

لا يخفى على أحد أن الزلازل يمكن أن تدمر المساكن وتقتل البشر، كما أن توابعها قد تكون بنفس القدر من الضرر، لكن أكثر تأثيراتها وضوحا قد تكون تداعياتها المباشرة على الناس.

وبالفعل، خلال ساعات تغيرت حياة الملايين في جميع أنحاء تركيا وسوريا إلى الأبد، حيث أرسل زلزالان متتاليان موجات صدمة امتدت لآلاف الكيلومترات، وربما تبقى آثارها ماثلة لعقود قادمة.

مع ذلك، عادة ما يتم التعبير عن التكلفة الاقتصادية للكوارث الطبيعية من الناحية المادية: تدمير الأصول، وخسائر المحاصيل، التعويضات، التأمين، وتكاليف إعادة الإعمار وما شابه ذلك. 

وفي هذا السياق، بلغت الخسائر العالمية الناجمة عن كافة الكوارث الطبيعية خلال العقد الماضي (أو خلال الفترة الممتدة بين عامي 2010 و2022) حوالي 2.16 تريليون دولار، بلغ نصيب الزلازل إجمالي الخسائر أكثر من 406 مليارات دولار أو ما يعادل الخمسة تقريبا.

صحيح أن الخسائر الاقتصادية للزلزالين اللذين ضربا تركيا وسوريا لا تدخل ضمن القوائم الأعلى عالميا، لكنها حصلت في مناطق تعتبر الأكثر فقرا في تركيا، ومناطق منكوبة أصلا في سوريا.

إنها كارثة إنسانية بأتم معنى الكلمة، ومع وصول عدد القتلى إلى 34 ألفا (لحظة كتابة هذا المقال) أصبح ترتيبها السادس ضمن قائمة الكوارث الطبيعية الأكثر فتكا خلال المئة عام الماضية.

يأتي الزلزال المدمر في وقت يعاني فيه الأتراك من أوضاع اقتصادية صعبة، وقد يحكم الكثيرون الآن على أردوغان من خلال تعامله السياسي والاقتصادي مع تداعيات الزلزال.

ظاهريا، تمثل المناطق الأكثر تضررا من الزلازل جزءا صغيرا نسبيا من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا، وتشير معظم التقديرات إلى أنه لا يتجاوز 10%. ومع ذلك، فإنها تشكل أيضا ممرا صناعيا وزراعيا يلعب دورا رئيسيا في ازدهار إسطنبول والمدن الكبرى الأخرى.

في حين إن سوريا، التي دمرتها 12 عاما من الحرب والإرهاب، هي الأقل استعدادا للتعامل مع مثل هذه الأزمة؛ بنيتها التحتية مستنزفة بشدة، ولا تزال البلاد تخضع للعقوبات الغربية، ومئات الآلاف من الذين يعيشون في المناطق المتضررة هم أصلا من اللاجئين أو النازحين داخليا.

ربما يستغرق الأمر عدة أشهر لتحديد التأثيرات الاقتصادية الفعلية للزلازل، نظرا للخسائر غير المعروفة المباشرة وغير المباشرة، لكن مع استمرار تلاشي غبار الكارثة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو حجم التأثيرات الاقتصادية والسياسية الذي يمكن أن تحدثه الكارثة داخليا وخارجيا؟

هذا العام قد يكون بمثابة نقطة تحول مهمة بالنسبة لتركيا، حيث تقترب من الانتخابات الرئاسية في 14 مايو/آيار القادم، ويأتي هذا الزلزال المدمر في وقت يعاني فيه الأتراك أصلا من أزمة تكاليف المعيشة وأوضاع اقتصادية صعبة، وبالتالي قد يحكم الكثيرون الآن على الرئيس أردوغان من خلال تعامله السياسي والاقتصادي مع تداعيات الزلزال.

الأزمة الحالية من المرجح أن تعيد توجيه تركيز الناخبين الأتراك إلى الظروف المحلية الأوسع التي تدهورت بشكل ملحوظ في الفترة التي سبقت الانتخابات نظرا للتضخم المرتفع وضعف الليرة.

قد تواجه مناطق شمال غرب سوريا، التي تضم عددا كبيرا من اللاجئين النازحين داخليا وتعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية، المزيد من أوضاع عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

في الواقع تلك الخلفية الاقتصادية السيئة إلى جانب الادعاءات المتزايدة عن رداءة نوعية البناء وعمليات الإنقاذ البطيء قد تزيد المشاعر المناهضة للحكومة، وهذا من شأنه أن يزيد من المخاطر السياسية للرئيس أردوغان في الانتخابات القادمة.

مثل هذا الوضع علاوة على الفترة الزمنية الضيقة لإجراء الانتخابات، قد يجعل من الصعب على الحكومة التركية صرف الانتباه المحلي من خلال انتهاج سياسة خارجية متشددة، وربما يساعد على تخفيف التوترات الجيوسياسية (على الأقل في المدى القصير) بين تركيا واليونان أو الغرب بشكل عام كما حصل في زلزال عام 1999.

وبالمثل، فإن الوضع الداخلي والاقتصادي ربما يكبح "شهية" الحكومة التركية للقيام بعمليات/اجتياحات واسعة داخل الأراضي السورية، علاوة على أنه سيكون أكثر صعوبة بالنظر إلى الأضرار المادية في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات المدعومة من تركيا.

طبعا في ظل هذه الظروف، لا يمكن استبعاد سيناريو تأجيل أو إلغاء الانتخابات في مايو/ أيار إذا اعتبرت السلطات أن تدمير البنية التحتية يعقد الانتخابات في المناطق المتضررة.

في الوقت الحالي، لا يوجد أي مؤشر على احتمال حدوث مثل هذا السيناريو، لكن كما يقال دائما: في السياسة كل شيء ممكن، لا بل إن السلوك السياسي للرئيس أردوغان على مدى العقد الماضي يجعل مثل هذا الاحتمال واردا.

في المقابل قد تواجه مناطق شمال غرب سوريا، التي تضم عددا كبيرا من اللاجئين النازحين داخليا وتعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية المزيد من أوضاع عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، في غضون ذلك، في جنوب تركيا، نسبة معتبرة من المتضررين من الزلازل هم سوريون فروا من الصراع، ومن المحتمل جدا أن تزداد أوضاعهم السياسية والاقتصادية سوءا.

وبالمحصلة قد تؤدي الأزمة إلى مزيد من اليأس وتدفع إلى حدوث نزوح جماعي آخر شمالا إلى أوروبا، وتولد توترا جديدا مع تركيا، في توقيت دقيق يعيشه الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال يرزح تحت تداعيات "كوفيد 19" وأزمة الطاقة نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا، ويحتاج إلى الحفاظ على وحدته السياسية في دعم أوكرانيا في وإيواء اللاجئين الأوكرانيين.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC