23 قتيلا في غارات اسرائيلية بمناطق مختلفة في لبنان السبت (وزارة الصحة)

logo
كتاب إرم

أكبر من تطبيع ثنائي

أكبر من تطبيع ثنائي
29 ديسمبر 2022، 12:59 م

يبدو أن العد العكسي لتطبيع العلاقات السورية التركية قد بدأ بالفعل، وأن الاجتماع الرفيع الذي عُقد في موسكو بين وزيري الدفاع ورئيسي مخابرات كلّ من سوريا وتركيا، شكّل المسمار قبل الأخير في نعش التوتر الذي ظل سمة علاقات البلدين خلال العقد الماضي.

وتكمن أهمية صفحة التطبيع المنتظرة، بين دمشق وأنقرة، أنها يمكن أن تكون الفصل الأخير لا في عمر أزمة العلاقات الثنائية فقط، بل في عمر الأزمة السورية برمتها، فتركيا كانت تاريخيًا بوابة الأزمة السورية ومدخلها، وبسببها تدهورت العلاقات بين البلدين، وهي، اليوم، مع تصاعد وتيرة الاتصالات والتصريحات الإيجابية عن قرب التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات قد تكون بوابة الحل ليس فقط لخلافات البلدين فحسب وإنّما لمعالجة كل التداعيات التي نتجت عن الأزمة وعقّدت مسارها.

أنقرة ترى أن الوقت قد حان للتحلل من التزاماتها تجاه الأزمة السورية، خاصة أنها أصبحت عاملًا حاسمًا في السباق الانتخابي العام المقبل.

الأزمة بين سوريا وتركيا ليست أزمة بين نظامين، أو اختلافًا بين رؤيتين واجتهادين سياسيين. فما بين الطرفين أعمق من ذلك بكثير، وما يباعد بينهما أكثر من اختلاف في وجهات نظر سياسية ولا يكمن في صعوبة اتفاق النظامين السياسيين، ففي التفاصيل تتجسد أبعاد الأزمة بين البلدين في أكثر من مجال، وفي أكثر من صورة. فهي واضحة في التداخل الميداني والعسكري والأمني، الذي فرضته الأزمة السورية، كما تتبدى في الانتشار الديموغرافي للاجئين السوريين سواء في المناطق الحدودية أو الداخل التركي.

ولذلك فإن الاستحقاقات التي قد تفرضها أي حلول للخلافات بين البلدين خلال المرحلة المقبلة، تشمل كيفية رسم خريطة التحالفات السياسية القائمة مع قوى المعارضة السورية، سواء تلك المناهضة للنظام السوري، أو تلك القوى المحسوبة عليه من الفصائل الكردية المناهضة للدور التركي في سوريا. وأي حلول لمثل هذه المشاكل ستكون لها انعكاسات على مجمل الأزمة السورية من جهة، وعلى التوازنات الإقليمية المتصلة بها من جهة ثانية.

وأكثر ما يغري دمشق في أي مصالحة مع تركيا، هو رفع المظلة السياسية والعسكرية عن قوى المعارضة المتشددة المتحصنة في منطقة إدلب السورية، والتي تشكّل المعقل السياسي والعسكري الأخير لتلك القوى.

نجاح أنقرة في الوصول إلى حل لمشكلة اللجوء السوري، يمكن أن يكون نموذجًا لمعالجة اللجوء في دول الجوار السوري الأخرى.

ومن الواضح أن أنقرة قد تخلت عن فكرة الاعتماد على تلك القوى للضغط على النظام السوري ومشاغلته، خاصة أن العلاقات بين القوى السورية المتشددة، والحكومة التركية أصابها نوع من النفور حتى لا نقول التدهور، بعد تراجع دور هذه القوى، وانحسار الحاضنة الشعبية عنها، وارتفاع الكلفة المادية والسياسية لإدامة استمرارها ودعم وجودها ما قد يسهم في إسراع تركيا لرفع غطاء الدعم الذي كانت توفره لقوى المعارضة السورية المتطرفة سواء تلك التي تقيم في تركيا أو في المناطق الآمنة لها في إدلب.

أنقرة ترى- بعد تجربة مريرة في دعم قوى متشددة غير منضبطة -، أن الوقت قد حان للتحلل من التزاماتها تجاه الأزمة السورية، خاصة أنها أصبحت عاملًا حاسمًا في السباق الانتخابي الذي تشهده تركيا العام المقبل. ويبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يتقن السياسة البراجماتية، ويبرع في اتخاذ خطوات استدارة حادة من اليمين إلى الشمال وبالعكس يجد أن المناخ الإقليمي يساعده على القيام بمثل هذه الاستدارة دون كلفة سياسة سلبية، بل إنها قد تخدمه على صعيد الانتخابات التشريعية المقبلة في تركيا.

هذه المحادثات ليست شأنًا سوريًا تركيًا، بل هي حدث إقليمي تنتظر قوى كثيرة نتائجه وتترقب نجاحه.

نجاح أنقرة في الوصول إلى حل لمشكلة اللجوء السوري، يمكن أن يكون نموذجًا لمعالجة اللجوء في دول الجوار السوري الأخرى، خاصة في لبنان والأردن، وهو اللجوء الذي يُثقل كاهل البلدين أمنيًا واقتصاديًا، ويتحينان أي فرصة للتحلل من كلفته الباهظة.

إلى ذلك، فإن تركيا تستثمر في مقاربتها للمصالحة مع دمشق دفء العلاقة مع موسكو التي احتضنت اللقاء السوري التركي. وأنقرة تدرك أن نجاح موسكو بحل الخلافات بين دمشق وأنقرة ستكون له انعكاسات على علاقات تركيا بروسيا، وهي انعكاسات تتجاوز العلاقة الثنائية إلى علاقات إقليمية تتصل بالدور التركي في الوساطة بين موسكو وكييف وصولًا إلى دور تركي لوقف الحرب الروسية الأوكرانية.

في ضوء هذه الأبعاد المختلفة للمحادثات السورية التركية، فإن هذه المحادثات ليست شأنًا سوريًا تركيًا، بل هي حدث إقليمي تنتظر قوى كثيرة نتائجه وتترقب نجاحه لعله يفتح كوة في جدار أزمة سياسية وإنسانية ظلت مستعصية سنين عددًا.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC