موجة نزوح كبيرة من مخيم جباليا وجباليا البلد تزامناً مع عمليات الجيش الإسرائيلي في المنطقة

logo
كتاب إرم

مستقبل التطرف الإسرائيلي

مستقبل التطرف الإسرائيلي
03 يناير 2023، 3:49 م

حتّى سنوات قليلة ماضية، كان التغيير في الخارطة السياسية والتشكيلة الحكومية في إسرائيل، من بين عوامل التحليل للموقف الإسرائيلي إزاء أي تسوية سياسية مطروحة للنزاع العربي الإسرائيلي، قبل أن تنحسر خارطة هذا النزاع، ليبقى الفلسطينيون وحدهم كطرف نشط وحيد في معادلة الصراع، أو كضحية أخيرة لها، يدفعون الثمن مجبرين من حياتهم اليومية، ومن آمالهم في التحرر والانعتاق من أسر الاحتلال الذي طال أمده، واستطال مداه.

في معادلة الصراع مع الاحتلال، لا أحد يراهن اليوم –جديَّاً- على المواجهة بشكلها التقليدي، مع المحتل، بل لا أحد يستطيع حتى ولو من باب المزايدة، أن يطرح مثل هذا الخيار حتى إعلاميًا.

لكن هذا لا يعني أن إسرائيل قد حسمت الصراع لصالحها، وأن تراجع الخيار العسكري لدى الفلسطينيين، ومن قبلهم العرب، يفتح الباب أمام سلام بالشروط والمواصفات الإسرائيلية، أو أنه يعطي للتطرف الإسرائيلي شيكًا على بياض للتصرف بالأراضي المحتلة والمقدسات الإسلامية دون خوف من العواقب، ودون حساب للتبعات.

بات الإسرائيليون يشعرون بصعوبة هضم الكتلة البشرية الفلسطينية التي تتزايد عددًا وتتنامى تأثيرًا، حتى مع استمرار الإسرائيليين في قضم وضمِّ الأراضي المحتلة

صحيح أن حسابات إسرائيل، وهي تمضي في غيِّها، وفي تجاهل القوانين والأعراف الدولية، لم تعد مبنية على المخاوف التقليدية التي حكمت صراعها مع محيطها العربي عقودًا طويلة، إلا أن هذه الحسابات باتت تأخذ الآن من رصيد إسرائيل داخليًا، وكذلك من رصيد علاقاتها الدولية.

 فحتى بوجود ائتلاف يميني متطرف برئاسة بنيامين نتنياهو، فإن هذا الائتلاف غير قادر على إخفاء الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، ليس في القضايا الحياتية اليومية فحسب، بل في التعاطي مع القضية الفلسطينية أيضًا، والتي بات الإسرائيليون يشعرون مع استمرارها وتعقُّد فرص حلها، بصعوبة هضم الكتلة البشرية الفلسطينية التي تتزايد عددًا وتتنامى تأثيرًا، حتى مع استمرار الإسرائيليين في قضم وضمِّ الأراضي المحتلة، واستمرار تجاهللهم لما يعنيه ذلك من تآكل  للمشروع الصهيوني الذي يجاهر كثير من الإسرائليين اليوم بالقول إنه يتآكل، ويقوض فرص قيام كيان يهودي خالص كان عنوانًا تاريخيًا للمشروع الذي قامت من أجله وبسببه إسرائيل.

وشواهد الذين يخشون من هذا المصير ويتحسبون له بين الإسرائليين، ماثلة بوضوح في الائتلاف الحكومي الجديد الذي يقوده نتنياهو، فبالرغم من أن جزءًا مهمًا من عناصر الاتفاق على التشكيل الحكومي كان وليد مساومات بشأن قضايا حياتية وأيديولوجية محلية طالب بها اليمين الديني المتطرف، إلا أن الاتفاق سرعان ما أسفر عن طابعه السياسي عندما اصطدم بقضية الاحتلال المزمنة للأراضي الفلسطينية، بعد أن عبر المتطرفون المتدينون عن وجودهم في الخارطة السياسية والحكومية الجديدة بزعامة نتنياهو، من خلال اقتحام المسجد الأقصى والإقدام على انتهاك حرمته باستفزاز سياسي استعراضي أعاد القضية الفلسطينية إلى كافة مفرداتها الأصلية، وإلى أولويات وبدايات الصراع بشأنها.

المؤكد أن الدول العربية والإسلامية حتى لو استبعدت فكرة المواجهة العسكرية والميدانية من جدول تعاملها مع إسرائيل، فإن هذا التأثير سيظل فاعلًا على المستوى السياسي والاقتصادي

إسرائيل التي ظنت أن اتفاقياتها مع الدول العربية حصنت جبهتها الخارجية، ووفرت لها سياجًا من الاطمئنان، وحمتها من الانتقاد، لا بد أنها فوجئت بالإدانة العربية الواسعة للاستفزازات الإسرائيلية الأخيرة في المسجد الأقصى، خاصة وأن هذه الاستفزازات تمت تحت مظلة الحكومة الجديدة، وبحماية ومشاركة منها.

ويبدو أن اليمين الديني المتطرف الذي قاد الاستفزاز، حصل بشكل مسبق على ضوء أخضر من رئيس الحكومة نتنياهو الذي ما كان له أن يشكل الائتلاف الحكومي الحاكم إلا بمشاركة من المتدينين الذين باتوا بيضة القبَّان في السياسة الإسرائيلية، بما في ذلك موضوع التعامل مع قضية احتلال الأرض والتغول الاستيطاني فيها، بشكل يفتح الباب أمام موجات من المواجهات بين المستوطنين من جهة، وأصحاب الأرض والحق في الضفة الغربية والقدس العربية، من جهة ثانية.

ما يحدث في القدس والمسجد الأقصى تحديدًا يؤكد صعوبة عزل القضية الفلسطينة عن محيطها العربي والاسلامي، وحتى لو أن وسائل التأثير التي يملكها هذا المحيط تتبدل وتتغير، فالمؤكد أن الدول العربية والإسلامية حتى لو استبعدت فكرة المواجهة العسكرية والميدانية من جدول تعاملها مع إسرائيل، فإن هذا التأثير سيظل فاعلًا على المستوى السياسي والاقتصادي، خاصة وأن الخطاب السياسي الذي يطرحه ذلك المحيط يلاقي احترامًا وتجاوبًا دوليًا متزايدًا.

إسرائيل آخذة بالتشظي على وقع خلافات داخلية وأيديولوجية ودينية، وحسابات حزبية ضيقة تضع مستقبل الكيان الإسرائيلي على المحك

لقد استطاعت إسرائيل أن تحافظ على تماسكها السياسي طوال العقود الماضية، من خلال التخويف من العدو الخارجي، وهو أمر لم يعد مطروحًا بين الإسرائليين الذين باتوا يعتبرون خطر التطرف الديني على حياتهم اليومية ومستقبل الفكرة الصهيونية، أكثر حدة من كل ما واجهوه في الماضي.

فإسرائيل التي شكلت حكومة بعد خمس محاولات قيصرية في فترة قصيرة، آخذة بالتشظي على وقع خلافات داخلية وأيديولوجية ودينية، وحسابات حزبية ضيقة تضع مستقبل الكيان الإسرائيلي على المحك، وتجعله أمام أسئلة وجودية ظلت غائبة أو مغيبة تحت وطأة طموحات عدوانية إسرائيلية من جهة، ومزايدات عربية غير ناضجة، من جهة ثانية.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC