حزب الله يقول إنّه تصدى لـ"محاولة تسلل" إسرائيلية في قرية حدودية بجنوب لبنان

logo
اتجاهات

"دبلوماسية الإغاثة" وإغاثة الدبلوماسية

"دبلوماسية الإغاثة" وإغاثة الدبلوماسية
11 فبراير 2023، 8:48 م
ثمة انفتاح عربي نحو دمشق، أمر يشبه الحجيج تحت ستار المساعدات الإنسانية والغوث الطبي وفرق البحث والإنقاذ.

هول الكارثة الإنسانية التي ألمّت بسوريا وتركيا تعقد اللسان، وتثقل على ضمير المراقب والمحلل السياسي، وهو ينقب تحت "الركام الهائل" و"الدمار العظيم"، عن "خلفيات وآفاق" سياسية يمكن استنقاذها واستشفافها، ولكنها الحياة الواقعية تأبى إلا أن تفرض منطقها الخاص: أنسنة السياسة وتسييس العمل الإنساني.

بهذا المعنى، تبدو كارثة الزلزال، الأعنف منذ قرن، بداية مشروع تفكيك لقانون "قيصر" وعقوباته الجائرة والصارمة على سوريا، نظاما وحكومة وشعبا.. فلا معنى للقول الأمريكي بأن هذه العقوبات تستهدف النظام وتستثني الشعب، فأكثر مَن يكتوي بنارها هو المواطن ورجل الشارع العادي في سوريا، ولا معنى لقول أصدقاء النظام وحلفائه، بأن الشعب وحده مَن يتضرر بهذه العقوبات ويُستهدف بها، فالنظام بدوره يترنح تحت وطأتها الشديدة..

اليوم، وبعد أن "زلزلت الأرض زلزالها"، يبدو أن الدبلوماسية ستخرج أثقالها، وستذهب في اتجاهات غير مشتهاة، لا في واشنطن ولا في بروكسيل.

صحيح أن الزلزال قطع الطرق وهدم المباني وأعاق حركة الأفراد والمركبات، لكنه سيبني جسرا افتراضيا بين دمشق وأنقرة.

ثمة انفتاح عربي نحو دمشق، أمر يشبه الحجيج تحت ستار المساعدات الإنساني والغوث الطبي وفرق البحث والإنقاذ.. كثير من العقد التي حالت دون عودة سوريا للجامعة أو عودة العرب إلى سوريا، آخذ في التفكك.. الطائرات العربية المحمّلة بالعون والإمداد، تهبط في المطارات السورية تحت سمع "قيصر" وبصره.. المكالمات الهاتفية تنهمر على قصر الشعب ووزارة الخارجية في دمشق، والوفود السياسية بدأت طلائعها بالوصول إلى العاصمة السياسية، بدءا بالوفد اللبناني الوزاري الموسع.

ذلكم فصل جديد، حافزه إنساني ظاهر، وباطنه سياسي، لكأن "دبلوماسية الإغاثة" تنجح في إغاثة الدبلوماسية من جمودها وكبواتها..

لا نريد هنا أن نجرد السياسة من "إنسانيتها"، ولكننا نسعي للكشف "عمّا هو سياسي" وراء هذه الخطوات الإنسانية، وذلك أمر مشروع، ومعمول به، وسوريا ليست أول التجارب في هذا المضمار، ولن تكون آخرها.

الزلزال لحظة آنية، بيد أن تداعياته وارتداداته، ستبقى لسنوات عدة قادمة، والتعافي من ذيوله وتبعاته، وإزالة آثار دماره، ستحتاج لسنوات عدة، ومعها ستتعين إدامة الاتصالات والمشاورات مع الدولة المنكوبة، فتكون الخلاصة، أننا لسنا أمام حدث سياسي ستنتهي مفاعيله اليوم وغدا، بل أمام "عملية" ستتواصل فصولا في قادمات الأيام والأشهر والسنين.. الزلزال الذي حاصر عشرات ألوف السوريين، سيكون عاملا مهما، في فك الحصار عن النظام السوري وتفكيك أطواق عزلته.

وعلى الجبهة السورية – التركية المشتعلة منذ أزيد من عشرية من السنين، سيكون للزلزال أثر المحرك والمحفّز لوصل ما انقطع.. صحيح أن الزلزال قطع الطرق وهدم المباني وأعاق حركة الأفراد والمركبات، لكنه سيبني جسرا افتراضيا بين دمشق وأنقرة، يسهم في تسريع خطى التقارب التي بدأت قبله، وستتواصل بتسارع أعلى بعده.

سيكون من مصلحة الأسد أن يستكمل مشوار الخروج من شرنقة العزلة، وهو الذي يكاد يختنق وشعبه واقتصاده بنيران "قيصر" وأثمان الحرب في سوريا وعليها، أما نتائج الزلزال الكارثية، فقد أضافت المزيد من الأعباء على الأعباء التي تنوء سوريا تحتها..

في حين، تبدو حاجة أردوغان، لأي مكسب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لا سيما أن لديه معارضة "موحدة" تقف له ولحزبه وحكومته بالمرصاد، تتصيد كل هفوة، وثمة هفوات وثغرات في جدران الاستجابة التركية لكارثة الزلزال، ولسنا نستبعد أن تعمل الكارثة في غير صالح الرجل وحزبه في الانتخابات المقبلة.

الحرب في سوريا استحدثت فالقا زلزاليا باعد ما بين دمشق وأنقرة، والزلزال الطبيعي الأخير، ربما يبني جسرا فوق هذا الفالق، يصل ما بين العاصمتين المتناحرتين، ويسرّع الحوار والتفاوض بينهما، بالوسيط الروسي أو الإماراتي، في الإطار الثلاثي أو الرباعي، أو حتى دون وسطاء أو أطر.. الكارثة وحّدت السوريين والأتراك في المأساة، والأرجح أنها ستقرّب ما بين حكومتيهم.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC