الرئاسة الفرنسية: ماكرون يستقبل غدا الخميس وزير الخارجية الأميركي والمبعوث ويتكوف
تكشف قائمة الحضور في مؤتمر ميونخ للأمن، الذي يعد الأشهر من نوعه على صعيد مؤتمرات السياسة والأمن في العالم، أن هذا الحدث السنوي يتحول شيئا فشيئا إلى منصة دعائية للغرب وسياساته، وإلى أداة طيّعة بيد حلف الناتو في مواجهة ما يمكن وصفه بـ"الخطر الروسي والصيني".
وتشارك الولايات المتحدة في المؤتمر الذي يتزامن، مع الذكرى الأولى للحرب الأوكرانية، بأكبر وفد على الإطلاق، يتألف من نائبة الرئيس كامالا هاريس، ووزير الدفاع لويد أوستن، ووزير الخارجية أنطوني بلينكين، مع ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، فضلا عن عدد من كبار العسكريين.
وتضم قائمة الحضور كذلك المستشار الألماني أولاف شولتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، وغيرهم ممن يمثلون معسكر الغرب، فيما لم تتم دعوة أي مسؤول روسي أو إيراني، على الرغم من أن هذين الملفين يحتلان حيزا واسعا من النقاشات، ويتصدران جدول أعمال المؤتمر الذي ينعقد في وقت تشهد فيه العلاقة بين واشنطن وموسكو، ذروة التوتر، وتعيد إلى الأذهان مناخات الحرب الباردة.
من غير المرجح أن تكون ثمة نتائج ملموسة تخفف من تحديات العالم في مؤتمر ميونخ، فالمؤتمرات، بمختلف أشكالها ومستوياتها، غدت شكلا من أشكال إدارة الأزمات لا محطة لإيجاد الحلول العملية.
المؤتمر الذي يعود انطلاقه إلى العام 1963 يعلن بأن أحد أهدافه هو "المساهمة في حل النزاعات بالطرق السلمية"، ومناقشة السياسات الأمنية عبر عشرات الجلسات بمشاركة أبرز الزعماء والمسؤولين على مستوى العالم، غير أن غياب الخصوم، ومن بينهم روسيا وإيران، يحول مداولات المؤتمر إلى خطاب من طرف واحد، يكرس النهج الغربي في السياسة الدولية، بصرف النظر عن الاتفاق مع هذا النهج أو الاختلاف معه.
وإذا كان هذا المؤتمر، الذي يعقد في فندق بايريشر هوف الفاخر في مدينة ميونخ، عاصمة مقاطعة بافاريا الواقعة جنوب ألمانيا، يعد بمثابة مقياس لطبيعة العلاقة بين الغرب وروسيا، كما أثبتت دوراته السابقة، فإن نسخته الثالثة والخمسين الحالية، تعكس وجهة نظر واحدة في ضوء غياب روسيا التي يحق لها أن تخاطب المشاركين في المؤتمر : فيك الخصام، وأنت الخصم والحكم.
القول بأن دعوة روسيا كانت ضرورية إلى المؤتمر لا يعبر عن موقف محدد حيال حربها في أوكرانيا، فذلك شأن دولي معقد نتركه لعواصم القرار في العالم، لكن من حيث المبدأ، فإنه في أزمات مستعصية كالحرب الأوكرانية، التي تعد من أبرز التحديات التي تواجهها أوروبا والغرب عموما، منذ الحرب العالمية الثانية، فإن الحاجة إلى تكثيف النقاش وتبادل وجهات النظر والتفاوض تبدو ملحة أكثر مقارنة بأوقات السلم والوئام الدوليين.
سيتحدث المشاركون عن الحرب الأوكرانية والملف النووي الإيراني والمنطاد الصيني والأجسام الطائرة وملفات حقوق الإنسان والمناخ والبيئة والتنمية وأمن الطاقة وغيرها..
من هنا كان لا بد لروسيا أن تكون حاضرة على الأقل لسماع عبارات التنديد والتقريع مباشرة من المسؤولين المشاركين، وطرح ما لدى دبلوماسيتها من أفكار وتصورات، بحيث تكتمل حلقات النقاش على نحو قد يفضي إلى مقدمات لحلول مأمولة، أما غياب أحد طرفي الأزمة فهو، دون شك، تقصير لا يخدم سمعة مؤتمر يعد الأفضل لاستكشاف الحلول الممكنة للنزاعات في العالم، سواء عبر جلساتها المعلنة، أو تلك التي تعقد في الغرف المغلقة بعيدا عن العدسات الفضولية.
الأمر ذاته ينطبق على إيران التي كان ينبغي أن تكون حاضرة، وأن تجد نفسها وجها لوجه أمام سيل الانتقادات الغربية، وتقدم، في الآن ذاته، مرافعاتها، في ملفات لا تحصى من الاحتجاجات التي أعقبت مقتل الشابة مهسا أميني، مرورا بملفها النووي ووصولا إلى سياساتها الإقليمية، المثيرة للجدل، ذلك أن الخلافات العميقة هي التي تستدعي الحوارات المباشرة، التي قد تفضي في النهاية إلى العثور على بعض المشتركات والبناء عليها، علما أن مؤتمر ميونخ يختتم أعماله، كما بات معروفا، بدون مخرجات أو قرارات، بل يقدم التحذيرات وينبه إلى المخاطر.
حتى الأحد المقبل، موعد ختام المؤتمر، سيلقي المشاركون خطاباتهم، وسيتحدثون عن الحرب الأوكرانية والملف النووي الإيراني والمنطاد الصيني والأجسام الطائرة في القارة الأمريكية وملفات حقوق الإنسان والمناخ والبيئة والتنمية وأمن الطاقة وربما كذلك المحنة الإنسانية المستجدة في سوريا وتركيا بفعل الزلزال المدمر وسواها من العناوين التي تهيمن على عالم اليوم، بيد أنه من غير المرجح أن تكون ثمة نتائج ملموسة تخفف من غلواء تلك التحديات، فالمؤتمرات، بمختلف أشكالها ومستوياتها، غدت شكلا من أشكال إدارة الأزمات لا محطة لإيجاد الحلول العملية.