مسودة بيان: مجموعة السبع تطالب بحماية المدنيين ومحاسبة "مرتكبي الفظائع" في سوريا
تقضي الأربعينية "أم أحمد المصري" من قطاع غزة، أكثر من 4 ساعات يوميًا في ري النباتات وإزالة الأعشاب الضارة عنها ورشها بالمبيدات الحشرية، وقد اعتادت على القيام بهذا العمل منذ أن توفي زوجها قبل عام تاركًا لها أسرة مكونة من 12 طفلاً أصغرهم لا يتجاوز 3 سنوات.
أوضاع صعبة
قبل عامين كانت الأوضاع المادية عند "أم أحمد" مستقرة، فعمل زوجها في الزراعة ولو مقابل مبلغ مالي زهيد كان يساعدها على تسيير حياتها بشكل مُريح، إلا أن مرض زوجها ووفاته دفعاها للبحث عن هذا العمل الذي تقضي فيه معظم وقتها من أجل الحصول على مبلغ بسيط تعود فيه لصغارها ومعها وجبة الطعام التي ستبدأ بصناعتها بعد تعب 4 ساعات طويلة.
وتدفع الظروف المادية الصعبة التي يعشيها سكان القطاع الكثير من النساء في غزة لمساعدة أزواجهن في توفير لقمة العيش بمهن تختلف طبيعتها حسب الأعمال التي اعتاد النساء على تعلمها في وقت سابق كالتطريز أو صناعة الصوف أو العمل في الزراعة وصناعة الأطعمة المختلفة.
وتقول "أم أحمد" لـ "إرم نيوز": "اعتدت قبل سنوات على العمل في مجال الزراعة فكنت أساعد زوجي دائمًا وهذا ما شجعني أكثر على العمل في هذه المهنة رغم صعوبتها وتعرضي للخطر في كثير من الأحيان بسبب المبيدات الحشرية التي أستخدمها بكثرة".
لقمة العيش
وتضيف "أم أحمد"، والتي بدأت تظهر عليها ملامح التعب بعد قضاء أكثر من 4 ساعات في الأراضي الزراعية شمال مدينة غزة: "رغم المعاناة التي أعيشها وآلام العمود الفقري بسبب كثرة الانحناء على النباتات، إلا أنني لا أستطيع ترك هذا العمل فهو الخيار الوحيد أمامي لتوفير لقمة العيش لأبنائي".
الوضع ذاته، تعيشه الخمسينية "حياة عبد الله"، فهي الأخرى دفعها مرض زوجها وعدم قدرته على العمل للبحث عن وسيلة أخرى تستطيع من خلالها توفير لقمة العيش لأبنائها، وعلى الرغم من أنها تقطع مسافة ما يزيد عن 2 كيلو متر مشيًا على الأقدام من أجل الوصول إلى عملها، إلا أنها تجد في هذا العمل الحل الوحيد لمشكلتها التي بدأت تظهر مع مرض زوجها.
وتقول "حياة" لـ"إرم نيوز": "لولا الحاجة وقلة العمل لما جئت يومًا هنا للعمل في الزراعة، هذه المهنة مُتعبة للغاية أقضي نهاري فيها مقابل الحصول على مبلغ 20 شيكلاً فقط لا تكفي لشراء العلاج لزوجي ولا حتى لتوفير الطعام لأبنائي".
وتتنقل "حياة" بين ممرات الزراعة تزيل الأعشاب الضارة من بينها وترش المبيدات الحشرية بحذر خوفًا من تأثيرها على صحتها، وعلى الرغم من أنها بدأت تعاني مؤخرًا من آلام في الصدر وضيق في النفس، إلا أنها لا تستطيع ترك هذا العمل بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها.
لا رقابة
تقول مديرة دائرة التنمية الريفية في وزارة الزراعة، هدى أبو ندى: "إن الوضع المادي الصعب الذي تعيشه النساء في غزة هو ما دفعهن للعمل كمزارعات".
وتضيف: "أكثر النساء اللواتي يعملن في الزراعة يعملن ضمن مشاريع خاصة ترعاها وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، وهن موزعات على المحافظات الجنوبية والشمالية"، مشيرةً إلى أن الكثير من النساء يضطررن لقطع مسافات طويلة من أجل الوصول إلى العمل.
وتوضح أبو ندى أن الكثير من المزارعات يجهلن حقوقهن ولا يجدن جهة رقابية يلجأن إليها في حال تعرضت إحداهن للظلم، قائلة: "كثير من السيدات يخرجن مع أزواجهن أو أقربائهن للعمل دون الحصول على أجر مادي".
وتشير إلى أن متوسط الدخل الذي يحصلن عليه العاملات في مجال الزراعة لا يتناسب مع المجهود المبذول بهذا الاتجاه، لافتةً إلى أن الكثير من هؤلاء السيدات يحصلن على مبلغ لا يزيد عن 9 دولارات في اليوم الواحد.
وتتابع أبو ندى حديثها: "في بعض الأحيان كموسم البلح وصناعة العجوة تعمل النساء طيلة اليوم مقابل 20 شيكلًا فقط، في المقابل يحصل الرجل على 40 شيكلاً، بحجة أن الرجل يقوم بأعمال أكثر صعوبة من النساء".
وبينت "أبو ندى" أنه قبل عملها في دائرة التنمية الريفية، كانت تعمل مزارعة وتتقاضى أجرًا يوميًا قيمته 40 شيكل.
وعن عملها هذا تقول: "كان زوجي لا يتقاضى سوى راتب 1200 شيكل ولدي 7 أبناء واحد منهم مريض بالسرطان ويحتاج إلى علاج، عملت كمزارعة براتب 250 شيكلًا في الأسبوع، وهو ما ساعدني على إكمال دراستي والعمل في هذا المجال".
القطاع الزراعي
ويعتبر قطاع الزراعة المشغل الرئيسي للنساء العاملات بنسبة 20%، ويحتل المرتبة الثانية في استيعاب النساء العاملات بعد قطاع الخدمات بنسبة 5-7، كما أن المجال الزراعي يوفر للمرأة المزارعة 11.5% من فرص العمل، ويساهم بــ 5.6% من الإنتاج المحلي.
ورغم توفر العمل للمرأة في المجال الزراعي، إلا أن هُناك ضعفًا وهشاشة في تنظيم العاملات في القطاع الزراعي لأنفسهن في إطار نقابة أو حركة اجتماعية للدفاع عن حقوقهن.
رئيس جمعية الحصاد الزراعي إبراهيم زعرب، قال لـ "إرم نيوز" إن أجرة النساء العاملات في الزراعة 5 شواكل فقط لكل ساعة بمعدل 4 ساعات يومياً، مشيرًا إلى أنه حتى في ظل هذه الأوضاع الصعبة لا يوجد عمل لهؤلاء النساء.
وأوضح زعرب أن النساء اللواتي يلجأن للعمل في هذا المجال، أكثرهن يعانين من ظروف مادية صعبة جدًا ولا يوجد لهن معيل، فيضطررن للعمل في مجال الزراعة بدلاً من التسول.
وبحسب "زعرب"، فإن الأعمال الملقاة على عاتق هؤلاء النساء تتمثل في قطف ثمار البصل أو الفلفل الأخضر أو البطاطس، غير أن الكثير منهن يلجأن لـ "التعشيب" بإزالة الأعشاب الضارة من بين الثمار كي لا تتضرر.
ونوه "زعرب" الذي يعمل هو الآخر كمزارع، إلى أن الإنتاج ضعيف جدًا مقابل المصاريف التي تُنفق من المزارعين، لافتًا إلى أن كمية الإنتاج تفوق الاستهلاك الزراعي.