logo
مجتمع

تكريزة رمضان..عادة دمشقية لإرواء المحبة وإعانة المحتاج بالخفاء

تكريزة رمضان..عادة دمشقية لإرواء المحبة وإعانة المحتاج بالخفاء
10 مارس 2024، 2:55 م

ما زال الدمشقيون يواظبون، منذ مئات السنين، على "تكريزة رمضان"؛ وهي "السيران" الذي يسبق بداية الشهر الفضيل، وتجتمع فيه عائلة أو مجموعة عائلات في إحدى مناطق الغوطة أو منطقة الربوة، يأكلون ويمرحون، ليكون ذلك توديعة لشهر شعبان، واستعدادًا للدخول في أجواء رمضان.

ويرى بعض الباحثين أن جذور "التكريزة" لغويًا تعود إلى الفعل "كَرَّزَ" بمعنى دَخَل، أو "كَرَّزَ إليه" الذي يعني التَجَأَ ومَالَ؛ أي أن التكريزة هي تهيئة للدخول في الشهر المبارك، ويكون شعارها المحبة والتواصل، وإعانة المحتاج بالخفاء، وميزتها اجتماع الناس على المحبة، وإنهاء الخلافات بين الأهل والأصدقاء.

"ولع بالخضرة والظلال"

يقول الباحث منير كيال، في إحدى مقالاته، إن تكريزة رمضان من العادات القديمة التي جرى عليها الكثير من الدمشقيين أيام زمان، ذلك أنه قبل حلول شهر رمضان بيوم أو أيام، يقومون بنزهات عائلية، أو على شكل جماعات من الأهل والجوار، إلى أفياء الغوطة الشرقية أو مناطق الربوة والمقسم والنشار والشادروان والفياض، مما يروي ولع الدمشقيين بالخضرة والظلال، وأفانين الجمال.

وأضاف: وهكذا كنت ترى كل جماعة قد افترشت لها مكانًا مطلاً على مناظر الخضرة والماء، وإمعانًا بالحرمة كانت كل جماعة تحجب نفسها عن أعين الغرباء والحشريين بحواجز قماشية شدّت بين شجرتين أو أكثر، لا تحجب عنهم التمتع بالنسيم العليل والماء المنساب بين الأشجار.

وأوضح كيال أنه حين تنهمك النسوة بإعداد الطعام من أنواع مقالي البطاطا والباذنجان والزهرة (القرنبيط) أو الشواء مع السلطات المرافقة لذلك الطعام، يساعد بعضهم النسوة في إعداد الطعام، في حين يقضي آخرون الوقت بتدخين الأرجيلة ولعب ورق الشدّة، وطاولة الزهر، ومن الشباب المرافقين بهذا السيران من يتحلّقون حول شاب يغني الميجانا، والعتابا، وأبو الزلف، أو بعض المنولوجات الشعبية، إلى جانب العزف على العود والطبلة.

ويذهب البعض بتفسير القيام بهذه التكريزة، كما كتب كيال، على أنها وداع وفسحة: وداع لما لذ وطاب، يعيش المرء بعدها بعيدًا عن ملذات الحياة الدنيا، للانصراف للعبادة، وقد يستمر المرء مع روحانية الصيام والتَّعبُّد، كما قد يعود مأخوذًا بلهو الحياة الدنيا.

أسماء مختلفة

من جهته، يقول الباحث التاريخي "رامز عطا الله" بهذا الشأن: "يسمي أهل دمشق هذه النزهة تكريزة، وهو الاسم المستخدم عند بعض المصريين، كما تسمّى عند أهل طرابلس الشام "شعبونية"؛ نسبةً إلى شهر شعبان".‏

وأوضح عطا الله: "لم أعثر على أصل كلمة تكريزة، وأرجح أنها كلمة سورية قديمة قدم التاريخ، وبعضهم حوّلها إلى كزدورة، ولكن من المعروف أن الكزدورة هي لمشوار قصير المسافة، بينما التكريزة لمسافة طويلة، حيث كانوا يخرجون إلى مصايف الربوة، ودمر، والهامة، الأقرب إلى دمشق بالمسافة، وقد يبتعدون إلى عين الفيجة، وأشرفية الوادي، ويفضّل أكثرهم الجلوس على ضفاف الأنهار كنهر بردى، وينابيع بقين والزبداني".‏

ويرى البعض أن تكريزة الدمشقيين تكون فقط في أشهر الصيف وخلال الأيام معتدلة الحرارة؛ لأن الذهاب إلى المصايف غير ممكن في الشتاء؛ إذ تنخفض درجة الحرارة إلى أقل من الصفر، وتختلف نوعية الطعام، بحسب رأيهم، عمّا يؤكل في رمضان، فهم يفضلون الأكلات التي تحتوي على زيت الزيتون كالمجدرة، واللوبية، والتبولة، والفتوش، أو تحتوي على الزيت النباتي كمقالي البطاطا، والباذنجان، والكوسا، مع أن بعضهم يلجأ إلى مشاوي اللحوم المختلفة.

لكن يبقى أهم ما في "التكريزة" المحبة التي يجتمع الناس حولها، محاولين نسيان خلافاتهم، والبدء برحلة من الصفاء الروحي التي تتعزز في شهر رمضان.

أخبار ذات صلة

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC