عاجل

وزير الخارجية الأمريكي يتوجه إلى مصر الثلاثاء للمشاركة في الحوار الاستراتيجي بين البلدين

logo
تعبيرية
فيديو

"بلوشستان"جوهرة التاج الباكستاني.. بؤرة الصراعات الكبرى في قلب آسيا

03 سبتمبر 2024، 11:15 ص

يقال إن لعنة الموقع لا تفارق هذه المنطقة. فهي إحدى أكثر الأماكن إثارةً وتعقيدًا في العالم.

هنا تلتقي الأطماع السياسية بالثروات الطبيعية الهائلة، وتنصهر مع الموقع الإستراتيجي في قلب العالم.

من حينٍ لآخر يتحرّك الجمر من تحت الرماد أو "يُحرّك" ليغذّي الأزمات العرقية والنزعات الانفصالية في هذه المنطقة المتقلبة.

في العمق. إنها بلوشستان جوهرة التاج الباكستاني المضطربة

تاريخ الصراع

منذ انضمام الإقليم قسريًّا إلى باكستان عام 1948، حُفِرت في أرضه جذور صراعات عميقة لا تزال تهز أركان الإقليم حتى اليوم.

لم يكن ضم بلوشستان إلى باكستان سلسًا. وبدأت التوترات في الظهور بين الحكومة المركزية والقبائل البلوشية التي شعرت بالتهميش تارةً وعدم الاستفادة من الموارد الطبيعية تارةً أخرى.

شهد الإقليم أول تمرد مسلح في عام 1948، بعد استقلال باكستان عن الإمبراطورية الهندية البريطانية طالبت القبائل باستقلال بلوشستان، ولكن تم إخماد التمرد بسرعة.

في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي شهدت بلوشستان عدة تمردات أخرى، كان أبرزها في عام 1973 عندما أطلق البلوش تمردًا واسعًا ضد الحكومة بعد إلغاء دستورهم الذاتي.

المرحلة المعاصرة.. عودة الصراع إلى الواجهة

مع بداية الألفية الثالثة، عاد الصراع إلى السطح مجددًا حيث بدأت جماعات بلوشية مسلحة بشن هجمات ضد القوات الحكومية والمنشآت الاقتصادية، مطالبين باستقلال الإقليم أو بحصولهم على حكم ذاتي أوسع.. أبرز هذه الجماعات "جيش التحرير البلوشي" و"الجبهة الوطنية البلوشية". 

واللافت أن هذه الهجمات باتت تأخذ منحى تصعيديًّا واضحًا خلال السنوات الأخيرة.

معضلة المجتمع الداخلي التي استعصى حلّها
يوجد في بلوشستان بحسب الخبراء 17 قبيلة كبيرة لكل واحدة منها رئيسها الذي يُسمى بالسردار، وهناك 400 قبيلة صغيرة يديرها أيضًا سردار صغير.

ورغم محاولات الحكومة الباكستانية لإلغاء نظام السردار القبلي عام 1976 بعقوبات قاسية، فإن هذا النظام لا يزال متماسكًا، ويُعزى ذلك إلى فشل النظام الحديث في تقديم بديل فعّال منذ الاستقلال وحتى الآن..

في المقابل تصاعدت حدة التمرد العسكري، مدفوعة بدعم خارجي تُتهم فيه دول إقليمية، لكن دون أدلة قاطعة.

كنوز دفينة في بلوشستان 
تعتبر بلوشستان إحدى أغنى المناطق بالموارد الطبيعية في العالم وفقًا لتقارير غربية، وتحتوي المنطقة على احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، النفط، والفحم كما تختزن في باطنها ثروات كبيرة من المعادن مثل النحاس والذهب.

"بلوشستان" أكبر أقاليم باكستان، ويشكل 44% من مساحة البلاد البالغة نحو 882 ألف كيلومتر مربع. ورغم أنه أكبر أقاليم البلاد الأربعة، فهو الأفقر بعدد السكان حيث يعيش فيه 6% فقط من سكان البلاد البالغ عددهم 241 مليونًا.

تشترك "بلوشستان" في حدود مضطربة مع إيران وأفغانستان التي تسيطر عليها حركة طالبان، كما تتمتع بساحل واسع على طول بحر العرب بنحو 470 ميلًا تقريبًا.

تحريك الجمر وأصابع الاتهام نحو دول بعينها

تشير تقارير إلى أن جماعات التمرد البلوشية في باكستان تتلقى دعمًا خارجيًّا، وأصابع الاتهام تشير أساسًا إلى الولايات المتحدة بدعم هذه الجماعات لأغراض متعددة. تتراوح دوافعها بين إبقاء المنطقة في حالة عدم استقرار والضغط على الدولة والجيش الباكستاني بتهم عديدة، وصولًا إلى محاربة المشاريع الصينية في باكستان وتعطيلها في محاولة لخلق توتر ودق إسفين في العلاقات بين إسلام أباد وبكين من خلال استهداف الصينيين العاملين في باكستان وفقًا لتقارير إعلامية محلية.

وجاء في مقال نشرته "مجلة فورين بوليسي"، نقلًا عن محللين أن الولايات المتحدة قد تكون قدمت دعمًا غير مباشر لبعض الجماعات والدول لتقويض نفوذ باكستان في المنطقة خاصة بعد توجهها غربا وتحالفها الاقتصادي مع الصين، وكانت ثمرته تدشين ميناء جوادر الإستراتيجي في بلوشستان.

وفي السياق ذاته.. تقرير لشبكة راديو أوروبا الحرة يتساءل عن سر تزايد قوة وعنف الهجمات المسلحة من قبل الانفصاليين في بلوشستان؟ يفسّر المحللون للشبكة بأنه تم العثور على معدات عسكرية وأسلحة أمريكية مع المسلحين البلوش، وربما تكون سربت لهم من الحدود المجاورة مع أفغانستان واصفين تدفق الأسلحة الأميركية بأنه "فتح آفاقًا جديدة لازدهار هذه الجماعات"

إن الموقع الجغرافي الإستراتيجي لإقليم بلوشستان استحوذ على اهتمام جميع الدول المجاورة.. وبحسب تقرير نشره مركز paradigmshift للدراسات والأبحاث السياسية والاجتماعية "لم يقتصر الأمر على اهتمام الصين بوفرة موارده الغنية وموقعه الإستراتيجي، بل شارك خصوم الصين مثل الولايات المتحدة والهند بنشاط في التسبب في حركات التمرد في بلوشستان لإعاقة تنميتها..

وإلى جانب الدور المتعدد الأوجه للجهات الفاعلة الدولية، تسببت الحركات القومية المحلية داخل بلوشستان وعلاقتها المتزايدة مع الأعراق المماثلة عبر الحدود في عواقب وخيمة على باكستان

حرب باردة في الموانئ
تعيش المنطقة منذ سنوات على وقع حرب موانئ خفية، والعطش العالمي للطاقة عزز من موقع باكستان الجغرافي كهمزة وصل بين آسيا الوسطى والشرق الأقصى، يُضاف إليه قدرتها على تعزيز أو تقليص هيمنة الدول العظمى في المنطقة.

بالمحصلة يمكن القول إن بلوشستان أصبحت ساحة صراع إقليمي تتنافس فيها الدول الكبرى على النفوذ، وتستخدم الصراعات الداخلية لتحقيق أهدافها، وهذه العوامل تسهم في خلق بيئة غير مستقرة، وتجعل من الصعب إيجاد حلول دائمة للمشكلة والسبب "لعنة الموقع الإستراتيجي"

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC